محفوظ ولد خطري

محفوظ ولد خطري واحد من القلائل الذين تركوا بصماتهم واضحة لتشهد على عظمة همتهم وعلو تفكيرهم، ان شئت قلت انه الاب الحنون صاحب المآثر والخصال التي يعز الواصف عن وصفها لعل اهمها التواضع والكرم والبر والاحسان ،وان شئت قلت العميد والقيادي البارع الذي الهمه الله فن القيادة منذ نعومة اظافره وعرف فنون تسيير المجتمعات باجناسها والوانها ووفق في تدبير امرها بسهولة ويسر، انه النائب البرلماني عن مقاطعة جكني والوجه الموريتاني الابرز الفقيد محفوظ ولد خطري،
لقد احدثت وفاته رحمه الله حزنا شديدا ليس في ربوع هذه المدينة « مقاطعة جكني » التي يعود الفضل في وجودها الى حيز الوجود من القوة الى الفعل الى الفقيد، فهو اول من وضع حجرا ببطحائها ، واول من اقام بها واصر على ترسيمها في دواوين الحكومة المكزية لتعترف بها السلطة كمقاطعة قائمة كنظيراتها في الحوض الشرقي وغيره….
لم يكن احد يتخيل ان احلام ذلك الشاب المعجزة و الذي قذف الله محبته في قلوب اعدائه قبل اصدقائه ستتحول الى حقائق ملموسة بعدان كانت ضربا من المستحيل- حيث وديان ذلك المكان المغفر والموحش ملآ بالوحوش المفترسة والحيوانات المتوحشة-، مما يجعل الاقامة فيها الى مركز حضاري ينبض بكل حياة وحيوية ونشاط في شتى مناحي الحياة .

لقد عمت الاحزان موريتانيا بكاملها لحظة انتشار خبر وفاته واحدث النبأ السيء ارباكا وشللا في قلوب الذين عرفوا الفقيد عن قرب،او ممن سمعوا به. لم يكن ألم هذه المصيبة مقتصرا فقط على عائلة الرجل الكبيرة في الحوضين والعصابة بل في موريتانيا عموما وخارجها من البلدان المجاورة ، فالرجل كان مرجعية للجميع، وملاذا لكل ابناء المنطقة بمختلف قبائلها وعشائرها ومكوناتها الفئوية…كانت هيبته وسلطته الروحية والمعنوية وازعا يرافق ضمير كل شارد ووارد في ذلك الفضاء الكبير في تلال البدو وقيعان الحواضر ،ولم تكن اهتمامات الرجل الفقيد مقتصرة على مجموعة عشائرية بذاتها، او فئة لذاتها ولم تكن غايات الرجل في سياساته تهدف الى جني المصالح الشخصية الضيقة… لقد كان بحكم قربه من الناس وتواصله الدائم معهم ملجأ لتظلمات من ينشدون العطف والانصاف وتعوزهم الحيلة في الوصول الى حقوقهم سواء لدى الادارة الاقليمية او ما يتعلق بالنزاعات بين المجموعات السكانية في المقاطعة وضواحيها .

لقد كان الفقيد رجل المهمات الصعبة بامتياز ، فكم من مشكلة استعصى حلها كان الفرج يأتي على يديه وبمادرة منه كان مهابا ومحببا الى قلوب البشر حتى الفرنسيين الذين عاصر الفقيد غسقهم الاخير قبل ان يفل نجمهم الى الابد مع بدايات الاستقلال الوطني في العام ال 60 من القرن الماضي حتى هم ايضا اعجبوا لشجاعة الرجل ورباطة جاشه وقدرته على الدفاع الهادئ والمتواصل عن حقوق ومصالح جماعاته.

لقد كان منزل الرجل ملاذا لكل غريب عن وطنه واهله،وهو المنزل  الذي لم يغادر ضيف فراشه في اي لحظة، فكان من يخرج عائدا الى اهله تبقى نعمة العيش وكرم الضيافة عالقة في فيه، ملتصقة بذاكرته الى الابد… وليس تزاحم الوفود المعزية وهي مسرعة الى جكني تارة او الى منزله المتواضع في مقاطعة توجنين في مقدمتهم زملاؤه من النواب والشيوخ الافاضل ومسؤولي الدولة وقياديي الاحزاب والتنظيمات الاجتماعية والاهلية القادمة من مختلف جهات موريتانيا الا دليلا على منزلة الرجل الكبيرة ومؤشرا على حجم الهوة الواسعة التي تركها غيابه المفاجئ، والكل يسعى الى تعزية اهله وذويه، ان ذلك كله مؤشر على عظمة المصاب وحجم الجرح الذي تركه فقدانه والذي يصعب ايلامه.

الجميع  نعى ننعي لفقد  المغفور له محفو ظ ولد خطري  روح الايثار وخصال الفتوة والبساطة والتواضع، والحكمة والحنكة والروية ،والذكاء ،ونبل المواقف وشهامتها و التي جبل عليها الرجل فكانت سيمته وميسمه والتي اكسبته مهابة واعجابا لدى خصومه قبل حلفائه ومحبيه …

ولإن رحل الفقيد محفوظ ولد خطري بجسده الطاهر عن دنيانا واختار له القدر السعيد ثرى موضع لميلحه حيث يوجد آباؤه واجداده الصالحين والذين عرفوا بالورع والصلاح، فان محفوظ ولد خطري الظاهرة والمعجزة والذي ملأ صيته الدنيا فانه سيظل حيا في قلب كل ابنائه وجيرانه وابناء عشيرته وممن تربوا على يديه الكريمتين ونهلوا من معينه الرقراق كل معاني الاخلاص وحب الوطن ، وان العين لتدمع والقلب ليحزن وانا لفراقك لمحزونون، فالى ذوي الفقيد العزيز على النفوس والى عائلته الكبيرة موريتانيا بجميع جهاتها ووجهاتها والى امته الاسلامية نرفع تعازينا وكلنا ألم وحزن لهذا المصاب الجلل سائلين الله ان يرحمه وان يحسن اليه وان يجعله من اصحاب اليمين في جنات النعيم، مع النبيئين والشهداء والصديقين. وانا لله وانا اليه راجعون.

وفي الذكري الخامسة لرحيل المرحوم محفوظ ولد خطري كتب مولاي ولد عبد الله قائلا” لم أتأثر في حياتي بأحد في محيطي الاجتماعي كما تأثرت بوالدي المرحوم محفوظ ولد خطري ؛ منه تعلمت أن البساطة هي الوجه الآخر للثقة بالنفس ، وأن العزة هي جوهر النفس السوية ، وأن الرحمة هي خطاب القلب الصادق ، وأن العقل هو وسيلة المغالبة ، وأن شرط المنافسة الشرف”.

وختم بالقول ” لقد علمنا أن البذل شرط السيادة ، وأن المُهاب أقوى من المستبد ، وأن الانتقام ليس من شيم العظماء ، وأن رئيس القوم لا يحمل الحقد”.

ويعتبر ولد خطري أبرز رجال السياسة بالحوضين، ورجل جكني بلا منازع طيلة حياته، وأحد القلائل الذين اتسموا بالثقة في النفس والقدرة علي فرض الذات مع احترام الغير، والتعالي علي صغار الأمور.

 
زر الذهاب إلى الأعلى