التبادلات التجارية المغاربية

سَجّل حجم التبادلات التجارية بين الجزائر ودول المغاربية ومصر ودول أفريقيا خلال الأشهر الأربعة من سنة 2019، معدّل 2.86 في المائة من ورادات الجزائر، و5.42 في المائة من صادراتها، وقد بلغت قيمة هذه التبادلات 1.15 مليار دولار من القيمة الإجمالية.

في مقابل ذلك بلغ حجم التبادلات التجارية بين الجزائر وأوروبا 59 في المائة من القيمة الإجمالية، وقد بلغت قيمة هذه التبادلات 17.8 مليار دولار.

القرار السياسي

قراءة هذه الأرقام، كفيلة بأن تعطينا نظرةً شاملة عن التعاون التجاري بين الجزائر والدول المغاربية والعربية، إذ وبعد ثلاثين سنة من إعلان قيام الاتحاد المغرب العربي، لا يزال مستوى التعاون والتبادل الاقتصادي بين الدول المغاربية دون المأمول، أو لنقل هامشيًا، مقارنة بتعاملاتها التجارية مع أروبا أو آسيا وأمريكا.

هنا، يُمكن الإشارة إلى أن معدّل التبادلات التجاري التونسية مع الاتحاد الأوروبي بلغ نسبة 60 في المائة، ومثل هذه النسبة في المغرب أيضًا، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بلغ 60 في المائة من إجمالي مبادلاته التجارية الدولية، أمّا موريتانيا يبقى الاتحاد الأوربي أوّل شريك لها خاصّة في قطاع الصيد البحري.

من جهته، يبقى التبادل التجاري والتكامل الاقتصادي بين الجزائر وتونس لا يعكس مستوى العلاقات الدبلوماسية الجيّدة بين البلدين؛ علاقات عرفت نوعًا من الفتور السياسي في الفترة الأخيرة.

تراجع العلاقات الجزائرية التونسية؛ جاء بعد الاتفاق العسكري الذي أمضاه الرئيس الباجي قايد السبسي مع  الولايات المتحدة الأميركية، وخيارات تونس الإستراتيجية مع الاتحاد الأوربي، وتسليم أمورها المالية إلى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والبحث عن فضاءات اقتصادية خارج المنطقة، كـ تركيا والخليج العربي.

على العكس التوتّر السياسي القائم بين الجزائر والمغرب، تعرفُ العلاقات الاقتصادية بين البلدين، نُموًا متزايد، قلّص فجوة التجاذبات السياسية بين الطرفين، لكن مستوى التبادل التجاري ليس قائمًا على استراتيجية  اقتصادية تكاملية ونظرة مستقبلية؛ بل يأخذ طابعًا تجاريًا متبادلًا لبعض المواد الطاقوية والموارد الطبيعية.

في هذا السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية رضوان بوهيدال في حديث إلى “الترا جزائر”، أنّ  التوتّر والفتور  السياسي بين الدول المغاربية، انعكس على العلاقات الاقتصادية  البينية عمومًا والتجارية بشكلٍ خاص، متوقّعًا لجوء الدول المغاربية إلى التعاملات مع الاتحاد الأوربي والصين والولايات المتّحدة وحتى دول الخليج.

ويُرجع المتحدّث، أسباب غياب هذا التكامل بين الدول المغاربية إلى غياب الإرادة السياسية، في ظلّ التراكمات الأزماتية البينية بين هذه الدول، ممّا أدّى إلى تفويت فرص اقتصادية كبيرة للتنمية والتطوّر، معتبرًا أن هذه الدول تخسر أكثر مما تربح من خلال تشبّثها بمواقفها السياسية لدرجة التعنّت، وإن على حساب مصالحها و مصالح شعوبها على حدّ قوله.

ولا يُبدي الأستاذ بوهيدال تفاؤلًا حول مستقبل التعاون بين بلدان المغاربية إذ يقول:”في وجود خلافات سياسية عميقة شكّلتها تراكمات تاريخية  ما بعد الاستعمار، لعبت دورًا كبيرًا في خلق الفجوة ما بين هذه الدول رغم التقارب السيوسيو تاريخي للمنطقة”.

وبحسب المتحدّث فإن هذا الانسداد، دفع بجميع هذه الدول البحث عن منافذ اقتصادية أخرى في مجالات جغرافية بعيدة، لتعويض الخسائر المادية التي خلفتها المواقف السياسية لأنظمة هذه الدول على حدّ تعبيره.

التحدّيات المستقبلية

تقديرات الأمم المتحدة، رجّحت أن يصل سكان المنطقة المغاربية إلى 130 مليون نسمة في حدود سنة 2050، وهو ما يطرح جملة من المخاوف حول مستقبل المنطقة، ويُشير خبراء على ضرورة تحقيق نمّوٍ يصل إلى سبعة في المئة في أفق سنة 2020، وخلق مليون منصب عمل سنويًا، ما يستلزم على الدول المغاربية تجاوز خلافاتها السياسية.

ويجدر بالدول المغاربية، العمل على إيجاد أقطاب وتكتّلات داخل منظوماتها السياسية والجغرافية، والبحث عن التكامل الاقتصادي الإقليمي، عبر تحرير حركة الرأس المال وفتح المجال لاستثمارات مناطقية، قصد تجاوز التحدّيات الأمنية والسياسية والاجتماعية، بحسب خبراء.

الاقتصاد الموازي

في سياق مرتبط بفشل السياسية التكاملية بين الدول المغاربية، استقوى الاقتصاد الموازي والتجارة السرّية خارج الرقابة الجمركية، إذ تسبب غلق الحدود الجزائرية-المغربية، في تكوين شبكات تهريب عابرة للحدود، بمقدار 2.5 مليار دولار حسب البنك العالمي لسنة 2007.

وتشكّل الحدود الغربية بين الجزائر والمغرب أهمّ الممرات لتهريب السلع والمواد الاستهلاكية، أما الجهة الشرقية الجزائرية -التونسية، فتُعرف بنشاط كثيف لتهريب البنزين والتبغ والمشروبات الكحولية وغيرها، ما يكلّف خسارة تقدّر بـ 3 مليار دولار سنويًا للخزينة العمومية جراء تهريب البنزين لوحده بحسب التقارير.

ويستزف التهريب أيضًا  الاقتصاد التونسي عبر الحدود  ليبيا،  إذ يكلفها خسارة تقدّر بـ 1.5 مليار دولار سنويًا، كما أن الآثار الاقتصادية والاجتماعية وحتى الأمنية تشكّل مخاطر على استقرار المجتمعات الحدودية، في ظل هشاشتها ووجود تداخلات إقليمية معقّدة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى