د. إشيب ولد أباتي : مواساة لأهلنا في” غزة “، فعيد الاستقلال في موريتانيا أفراح بدون احتفالات..
د. إشيب ولد أباتي :
مواساة لأهلنا في ” غزة “، فعيد الاستقلال في موريتانيا أفراح بدون احتفالات..
لعلها المرة الاولى التي يتجنب فيها المواطن العربي في موريتانيا، استرجاع مأثورة الشاعر : “بأية عيد عدت يا عيد ” ؟! عندما، كان يعجز رب المنزل عن إحضار ملابس الزينة لأفراد أسرته، إن كان ذلك في الأعياد الخاصة، او في العيد الوطني العام ، إلا أن الجميع اقتنع في هذه الذكرى بوجوب عدم الظهور بمظهر احتفالي في الاستقلال الوطني لبلادنا العزيزة موريتانيا ٢٠٢٣/١١/٢٨م.
لقد تواضع مجتمعنا منذ الاستقلال الوطني ١٩٦٠م على احياء هذه الذكرى، واعطائها حقها افراحا واحتفالات ، لأن القلوب تهفو إلى رؤية الإنجازات المتراكمة التي تتوزع على أبناء الوطن، كل بقدر علمه، او عمله، انجازاته، أو على الأقل أمانيه، واحلامه التي، تعبر عن الرغبات المنتزعة من المخيال الاجتماعي العام، أو من الحاجة لدى الفرد، أو الأسرة، أوالمجتمع، أو النظام السياسي ، و تلك الرغائب أحيانا، لا تتجاوز حدود المطالب اليومية الضرورية في المعيشة ، والملبس، والمسكن الصحي..!
ثم ؟ إنها مناسبة لرصد السياسيين باختلاف مشاربهم، ومظامئهم في مجال الشأن العام، لتقييم الانجازات، ما تحقق منها، وما لم يتحقق في التخطيط، وحسن التسيير المطلوب دائما للحراك السياسي من طرف الحكومات، إذ لا يزال دفتر حساب مختلف الأحزاب السياسية – وما اكثرها مع قلة فائدتها على المواطن – مملوءا ب”الاعداد الكسرية” التي تحتاج إلى محاسبي نظام الحكم، ليجمعوها حتى تصل الى ” الأعداد العشرية ، ثم المئينية، فالآلاف”، ولتكن للأجيال اللاحقة…!
ولكن مكينة عداد الانجازات العامة، لا تتوقف إلا باستحقاق التنمية العلمية، والاجتماعية، والاقتصادية، واستنادها إلى تقسيم العمل في “العدالة الاجتماعية ” نظرا لارتباطها بالكفاءة، واشباع الحاجات الخاصة التي تبدأ بالضروريات، ولا تنتهي بالكماليات المتجددة، ولو أن فيلسوفا في القرن التاسع عشر، وكان يعد قائدا روحيا في التنظير للوعي الطبقي، حاول عبثا، وضع حد للرغائب في العمل صباحا، واصطياد السمك مساء..!
بينما تلك حاجات، قد تكون مقدمة أولية لتحقيق المطالب التي تثلج الصدور في أيام السنة، خلافا لأيام الأعياد الوطنية ، التي ترتفع فيها التكلفة، لأن أيام الزينة المشركة لها خصوصيتها التي تدرك إلا في الوجوه خلال الأفراح التي يعد أقلها كلفة تلك الأغاني العفوية التي تنطلق من الأفواه ، كالزغاريد التي تثني اطراف ألسنة النساء لتشذب المسامع بلغة غير مقوءة، لكن النفوس لها مجبولة..!
ولا يغيبن في مشاهد العيد فحولة الشعراء في” بلاد مليون شاعر”، حيث يتباري المترنمون ببوح الوجدانيات التي تحاكيها شذرات الأدباء في خطبهم التي قد لا تهتم بها، إلا أهل الفكر، والسياسة، خلافا للعامة المهووسة بالمظاهر التي تهش لها الوجوه فيما تراه سميائيا، كالمسروق الملفوف بعيدا – هذه المرة – عن الخاصة من أولي الحكم، ومن والاهم من أهل السياسة، وأئمة العلم الشرعي، ولا يعرف الجميع، إلا بالدفاع ما وسعه التكليف عن طاقم سفينة الحكم الموقوفة – كالنهضة الاجتماعية ، والثقافية منذ زوال عصر (المراطون) – على اليابسة في شوارع المدائن، والقرى، حيث يغيب الاحساس بالغبن في المجتمع الذي يتظاهر بالاحتفال في هذا العرس الوطني العام الذي، يقتضي عرفيا الخروج زرافات على الطرقات، وكل يلزم نفسه أمام العامة بإظهار الزينة، على غرار الطاووس الذي، يتلاعب بألوان ذيله في حركاته الاهتزازية التي، لا تعني الكثير من النظارة، هل هي تعبير غريزي، يدفع به التوتر الداخلي، كما الديك بآذانه، أو هي استعراض جمالي مقصود لذاته…؟!
وفي ذكرى عيد الاستقلال هذه السنة، كانت له ميزته القومية، وهذا الذي أعطاه قيمة إضافية، معنى متميزا مقصودا لذاته حيث، توشح بسواد المآسياة الكبرى على الأمة العربية جراء الإبادة الجماعية لأبناء الأمة في فلسطين الذين، يعانون من تدمير ” غزة هاشم ” وهي أعز عواصم العرب، ومدائنهم، لأنها المستقلة بإرادة أبنائها، ودفاعهم التاريخي عن الوطن المحتل، رغم أنهم، يلوذون في سجن كبير منذ ١٧ عاما، وعلى الرغم من ذلك، فلم يستكينوا للسجان الصهيوني، ولا لحصار نظام الحكم الخياني المطبع منذ اتفاقية كامب ديفيد ، ولم يساوموا، كوكلاء الحكم في عواصم العرب من المحيط الى الخليج…!
إن التفاعل مع المأساة يعبر عن الحزن العميق، وفي نفس الآن عن الانتصار العربي في “غزة هاشم ” مواساة لأهلها في المأساة التي يشعر كل عربي، أينما كان، أنه مشارك فيها بنسبة عجزه، وتواطؤ انظمة الحكم العربي مع الكيان الصهيوني، وقادته في أمريكا الامبريالية التي، صبت على رؤوس مليونين ونصف المليون عربيا ، اكثر من اربعين الف طن من القنابل الفسفورية، والصواريخ التي صنعت لردع الدول العظمى، فإذا بها توجه للإبادة الجماعية لابناء، وامهات، ومواطني مدينة عربية بائسة تحت الحصار، والتجويع، والتعطيش، والإذلال منذ احتلال فلسطين في ١٩٤٨م….!
ألا، فانعم بما تواضع عليه مجتمعينا العربيين ( في الجزائر، وموريتانيا ) هذه السنة ، وذلك لاستجابة نظامي الحكم في الأول من نوفمبر، والثامن والعشرين منه، وتجنبا الاحتفالات في ذكرى عيدي الاستقلال الوطني ، لأنه لا معنى للاحتفالات، والافراح، وآلاف الشهداء في غزة هاشم ، ومن بينهم آلاف الشهداء، لازالوا تحت منازلهم المدمرة ..!
والسؤال الموجه لكل مجتمعاتنا في الوطن العربي، هو :
هل تكون هذه السنة “الرمادية” المعمدة بدماء أهلنا في فلسطين سنة حزن عام، يعبر عنه بعدم الاحتفالات في ذكرى الاستقلال الوطني، على أن ترصد الأموال التي كانت معدة للإحتفالات، وإرسالها إلى صندوق “غزة هاشم ” للبناء، والتعمير، و إلى قوى المقاومة العربية في فلسطين، لأنها الممثل الشرعي، والوحيد ، والمؤتمن على عكس ما كان، يحصل سابقا، حين كان صندوق فلسطين في كل الأقطار العربية، يرسل إلى غير المؤتمنين عليه في رام الله، بعد أن ركنوا إلى أعداء الوطن المحتل، و تواطأوا معهم، وأكثر من ذلك ناصبوا العداء لحماة الوطن فعلا – لا قولا وإياك، أعني، واسمعي يا أجناد الأمة العربية في مصر والأردن – لأنهم، فضلا عن دفاعهم عن مواجهة الكيان الصهيوني، تحالف عليهم سجانو السلطة، وسجانو الاحتلال الصهيوني؟!