د. إشب ولد أباتي: هذا هو شعب الجبارين الذي لن تهزموه !

د. إشب ولد أباتي

 إنه  اعتراف الفتاة العربية  الثورية ” فرح “المقدسية، وهي  إحدى السجينات المحررات بعد أن قضت ثمان سنوات، وكان محكوم عليها بالسجن عشر سنوات، وفي أول لقاء اعلامي لها في منزل والدها  لم تتوان  في التعبير عن  فرحتها الناقصة بسبب الآلام التي عانى منها أهل غزة في هذه الحرب الاجرامية..

  ومن جهة أخرى  أجد صعوبة  في الجمع بين خطابين متوازيين  في الكتابة، لأنهما مختلفان، وقد مارست الأول إلى حد ما، لكن  الآخر،  لا زال يستعصي علي الرغم من أن  موضوع اليوم يتطلبه، ذلك أنه  ”  ليس من يكتب بالحبر، كمن يكتب بدم  القلب ” على حد تعبير الراحل  جبران خليل جبران..

  ففي صباح الخميس ال( ٢٠٢٣/١١/٢٤)،  وعند الساعة السابعة  كان  كل عربي مشدوها بالمشاهد  المذهلة  لجماهير المجتمع العربي  الفلسطيني في غزة، وحشودها  المتدافعة  في الشوارع، وهي  تتقدم   بقوة الإرادة ، والاقدام، والصمود الذي لا يتزعزع، بينما  كانت جيوش الاحتلال في شوارع المدينة المحتلة، تتراجع  هاربة أمام  الطفل  الذي يرفع  علامة النصر بأصابعه، وهو واقف أمام منزله، المهدم، ولم يختلف عنه موقف الفتاة  التي تقود أبناءها،  ومظاهر الجوع، والتعب، تختفي فجأة  حين، عبرت  عن مشاعرها  تجاه المقاومة، والانتصار للأمة العربية المهزومة..!

فقلت في نفسي، إن هذه هي  الأثرة بمظاهرها، وأبعادها، و بكل معاني التضحية والفداء وهي  ذات  المضامين  التي عبرت عنها تلك السيدة التي في الستين من عمرها، اثناء  حديثها  للصحافي  أمام منزلها الذي هجرته منذ ستة اسابيع جراء التدمير، والترهيب الذي نجح الصهاينة  بارهابها   عبر المناشير التي كانت ترميها الطائرات  في  حرب الجبناء الذين هم اليوم،  يخافون  من أطفال غزة، الذين  يتقدمون   من جنوب غزة الى شمالها، ودونما  خوف، أو وجل   من القناصة، ولا من الدبابات بمدافعها، ورشاشاتها

لذلك لن تجد مبالغة في أقوال ذلك الشيخ الثمانيني، واصراره على الرجوع إلى منزله، ليحيا  بين جدرانه، هكذا قال:  لن نهجر منزلي، كما هجرت من منزل والدي  في نكبة  ٤٨  إلى غزة، وبنيت هذا المنزل الذي كبرت فيه، كما كبر  فيه  أبنائي، وسأموت  فيه،  كما سأبنيه مرة أخرى، وإن دمروه تاليا، فسابنيه.

وفي مساء هذا اليوم، أدرك العالم أجمع، والوطن العربي على وجه الخصوص، و مهما كان وعي المشاهد ناقصا، فلن يتردد أحد  في إدراك حقيقة  واضحة كوضوح الشمس،  وهي  أن في فلسطين قوما جبارين حقا، وهم  الذين  سيحررونها،  لو استطاعت مجتمعات الأمة العربية، ان تحمي ظهورهم  من  مؤامرات انظمة الحكم العربي، وهذه  ستكون الفرصة التي ستجعل من فلسطين  قاعدة للتحرر العربي ..

لان  المجتمع في فلسطين بجميع اطيافه السياسية – عدا شرذمة ” أوسلو” – ومختلف فئاته، وتباين اعمار اجياله، هو اليوم  الذي استطاع تغيير وعي الشباب العالمي، فكافأه الأخير  بالشعار ” الحرية لفلسطين  من البحر الى النهر”  نظر لتضحيات  الاطفال، بل  الأشبال، الذين  لم يسبقهم ثوار في العالم  المعاصر في الوعي المبكر، وفي مواجهة العدو، حتى  اضحوا  سجناء  لحرية  الوطن…!

وكم  كنا  من قبل، نجد في المناضلات العربيات في الثورة الجزائرية العظيمة، ك” ” جميلة بوحيرد” المثال في التضحية الذي، قد لا  يتكرر ما لم تكن هناك قيادة  فذة لحركات المقاومة العربية  لتلهب مشاعر الشباب العربي من مختلف الجنسين، غير أن  الفتيات العربيات  الفلسطينيات، أرجعن  إلينا الثقة في أن فلسطين، ستتحرر من البحر الى النهر باشبالها، وفتياتها، وامهاتها،  ورجالها الذين  قضوا اكثر من اربعين سنة في سجون المحتل..!

إن الوعي  التحرري  الذي يقارع الصهيونية، هو الذي ترتعد  منه فرائص الأنظمة العربية العميلة، ولذلك كان الخوف من تحرير فلسطين، وهذه هي الحقيقة التي يجب  إدراكها، لأنها  ستصبح قاعدة للتحرر العربي، وهذا هو “السبب  الكافي”  لتفسير الاتفاقات الخيانية، والتحالف الاستراتيجي مع الكيان الصهيوني، ليبقى حارسا لمجتمع  يمارس عليه  ساديته،  حتى  لا يستصدر وعيه التحريري، وتضحياته  التي ستهز حتما عروش الانظمة العميلة التي تجد في الصهاينة سندا لها ، ومن هنا كانت المؤتمرات العربية المتصهينة، توازي  سياسة “جو بايدن” في مقولته: ” إن لم تكن ( إسرائيل) موجودة، لأوجدناها”.

كاتب عربي موريتاني

زر الذهاب إلى الأعلى