د. رلى الفرا الحروب: ملحمة غزة الاسطورية: حرب المفاجآت

د. رلى الفرا الحروب

يقول منظرو علم الحرب:

“إن الحرب هي اعلى اشكال الصراع لحل التناقضات عندما تصل الى درجة عدائية ولذلك هي استمرار للسياسة ولكن باساليب اخرى”..

ويقول منير شفيق في كتابه علم الحرب: “علينا ان نعارض الحرب غير العادلة بالحرب العادلة”، وهذا ما فعلته حماس حين عارضت حرب الاحتلال غير العادلة منذ البدء بتنفيذ مخطط العصابات الصهيونية في مطلع القرن الماضي بحرب عادلة هي 7 اكتوبر 2023,

والأسئلة التي تطرح نفسها الآن هي:

وهل بحثت حماس عن ذلك في 7 اكتوبر ام انها كانت جزءا من استراتيجيتها السابقة بمواصلة الاستنزاف والانهاك ؟

إن المخطط الذي بدأ يعلن عن نفسه بوضوح الان:

-استنزاف من الطرفين ومعركة عض الاصابع: حماس تلحق خسائر عسكرية فادحة بالعدو، والعدو يلحق خسائر مدنية مروعة ويجوع ويحاصر الحاضنة الشعبية للمقاومة لتضغط عليها وتدفعها للاستسلام مع الحاق بعض الخسائر العسكرية بالمقاومة التي لا تقارن بما تلحقه المقاومة من خسائر عسكرية بالعدو

-حرب نفسية: تهدف الى اضعاف معنويات اهل غزة ومن خلفهم العرب والمسلمين، ودفعهم الى خلع سلطة حماس او التنديد بها او توجيه اللوم لها وربما الاخبار عنها على امل الخلاص من العذاب المقيم الذي يتعرض له المدنيون، وارهاب باقي الشعوب العربية والاسلامية وردعها من التفكير في تحدي اسرائيل او التصدي لها واستعادة اسطورة الردع التي هشمتها حماس يوم 7 اكتوبر

-حرب تهجير: فشلت حتى الان بصمود اهل غزة الاسطوري ورفض الدول العربية مخطط التهجير، ولكننا امام نزوح داخل القطاع بكلف انسانية هائلة

-حرب تضليل إعلامي على نطاق واسع، بالأخص في اميركا والغرب، يرافقها توظيف لمفاهيم الحرب الدينية والاستهداف المشترك مقابل الخلاص المشترك

-التقدم الميداني الترويضي مع حرق من السماء ما هي أهداف الحرب من الجانب الاسرائيلي ( الأهداف المعلنة):

-القضاء على حماس مع تشبيهها بداعش، ثم تحول الهدف الى تفكيك منظومة حماس العسكرية والسياسية، ثم تحول الهدف الى ان حماس لن تحكم القطاع بعد نهاية هذه الحرب، بالاضافة الى هدف برز في منتصف الحرب هو القضاء على يحي السنوار

-خلق حالة لا يستطيع القطاع ان يشكل خطرا على اسرائيل بعدها من خلال فرض نظام أمني وحرية حركة عسكرية لإسرائيل

-استعادة الرهائن والاسرى المحتجزين لدى حماس ( مات منهم بالفعل حتى الان 59 )

-تشكيل شرق اوسط جديد ومختلف (على مقاس العهد القديم الذي يؤمن به نتنياهو وحكومته

ما هي أهداف الحرب من جانب حماس ( الاهداف المعلنة):

-انتصارا للاقصى في مواجهة الانتهاكات المستمرة والتصدي لالغاء هوية المسجد الاقصى ( مخطط التقاسم ثم الاحلال) (بالمناسبة هذه هي الحرب الثامنة التي تشن دفاعا عن المسجد الاقصى)

-تحريرا للاسرى في السجون الاسرائيلية

-استباقا لضربة كانت تعتزم اسرائيل توجيهها لحماس بعد اعياد الغفران

-الثورة الكبرى على طريق التحرير والعودة، وقد جاء هذا الهدف في العنوان المصاحب لطوفان الاقصى من قبل محمد الضيف ومن قبل ابو عبيدة : خطوات على طريق تحرير فلسطين، وهو العنوان الذي حمل مسميات مختلفة خلال ايام الصراع كما يظهر في عناوين فيديوهات ابو عبيدة وشعاراتها، والتأكيد على أن هذه المعركة هي بدء انكسار الدولة الصهيونية وأنها استكمال لمعركة سيف القدس ولتحضيرات امتدت منذ عام 2014.

هل كانت هناك أهداف اعلنت في الايام الاولى ثم تراجع بعضها وخفت بعضها؟

نعم.

ما هي؟

-تحريك المشهد في الضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني باتجاه ثورة كبرى على الاحتلال بكل ما اوتوا من اسلحة سكاكين وبلطات وغيره، وخلع سلطة عباس فيما يخص الضفة او على الاقل وقف التنسيق الامني ، وتنفيذ عمليات نوعية في مواجهة الاحتلال، بالاضافة الى تظاهرات ضخمة

-تحريك كل الجبهات في محور المقاومة

-تحريك الشعوب العربية في دول الطوق نحو الحدود

ما هي الاهداف غير المعلنة لحركة حماس في هذه الحرب؟

-كسر الحصار الظالم على غزة من 17 سنة

-اعادة القضية الفلسطينية الى واجهة المشهد العالمي

-استباق مشروع تصفية القضية الفلسطينية الذي بدأ عبر اعلان القدس عاصمة ابدية لاسرائيل والتوسع في الاستيطان والغاء حق العودة ومصادرة ممتلكات الفلسطينيين في الضفة والقدس وتهجير الفلسطينيين من الداخل المحتل عام 48 عبر مشروع يهودية الدولة وملحقاته والغاء امكانية قيام دولة مستقلة على حدود ما قبل 5 حزيران 67

-وقف قطار التطبيع العربي، لا سيما السعودية

ما هي أهداف الحرب كما تعلنها اميركا التي تقود المحور الغربي الاستعماري:

-الحرب على الارهاب الداعشي لحركة حماس

-تحطيم محور الشر والارهاب الذي يستهدفنا كلنا

-انهاء حكم حركة حماس في غزة

-استبدال سلطة حماس بسلطة اخرى

-تحرير الرهائن

-منع توسع دائرة الحرب على اي جبهة بما في ذلك:

oمنع ايران واذرعها من دخول الحرب وتشكيل منظومة ردع في مواجهتهم

oابقاء الضفة الغربية هادئة ومنفصلة عما يحدث في غزة وعزل حماس عن محيطها كاملا

ما هي الاهداف غير المعلنة لاسرائيل والتحالف الغربي الاستعماري:

-التهجير والإحلال، وأداة ذلك هي الابادة والتجويع ومنع الماء والوقود والكهرباء والدواء والغذاء وعدم استبقاء اي مكان امن او ممر آمن في اي مكان في غزة لبث الرعب ودفع الاحياء الى الهرب

-تصفية القضية الفلسطينية حسب مشروعات صفقة القرن وتنويعاتها

-اعادة ترميم صورة اسرائيل وهيبتها في المنطقة

-حماية الانظمة الحليفة التي تخشى عليها من الانهيار

-الوصول الى شرق اوسط جديد على مقاس اسرائيل واميركا وفيه دور لايران وتركيا (بشروط) ومصر والسعودية

-الغاء امكانية قيام خط الحرير الصيني واستبداله بالطريق في المشروع الامريكي: الهند، الامارات، السعودية، الاردن، حيفا، وهذا يتطلب الغاء وتشطيب كل الموانئ الاخرى وتقليص دور قناة السويس

(طبعا قادة اسرائيل مستمرون في القول إن خيارات حماس اما الموت او الاستسلام، وحماس مستمرة في القول: انه جهاد، نصر او استشهاد)

هناك بعض الاسئلة الهامة التي ما زالت تطرح في هذه الحرب، ومنها:

-هل كان لايران دور فيما حدث؟ من قدم المعلومة الاستخبارية لحماس بان اسرائيل كانت تنوي استهدافها بعد عيد الغفران؟

-ولماذا انخرطت اميركا بسرعة في هذه الحرب مع أن البعض كانوا يرددون ان اميركا فقدت ارادة القتال بدلالة انسحابها المخزي من افغانستان مهزومة مدحورة؟

-هل حماية اسرائيل هي قضية امن قومي اميركي، وهل هذا هو ما شجع بايدن على ارسال الجنود وليس فقط الاسلحة والمعدات؟ صحيح انه يصرح بانهم لن يحاربوا..ولكن المؤشرات تشي بغير ذلك

-هل يواجه محور المقاومة الان تهديدا سياسيا وامنيا وعسكريا ووجوديا بإنهائه كليا، في ظل الحلف الغربي العدائي الاستعماري الذي تشكل على الفور إثر عملية السابع من اكتوبر 2023 المسماة طوفان الاقصى؟ ولماذا لم ينخرط المحور بالفاعلية المطلوبة؟ هل هو خوف من التحشدات الامريكية ام ان هناك حسابات أخرى؟

-وهل هذا الحلف وليد معركة طوفان الاقصى فعلا، أم ان السرعة التي تشكل بها تؤكد أنه مدروس ومخطط له منذ مدة، ويبدو أن المعلومة الامنية التي تم تسريبها لحماس حول نية اسرائيل ان تتعشى بهم بعد اعياد الغفران والتي دفعت حماس الى اتخاذ قرار أن تتغدى بها اولا ربما تأتي ضمن سياق هذا المخطط بشكل أو بآخر.

-وهل جاءت الحرب الدعائية وتضليل الرأي العام في عواصم القرار عبر الترويج للرواية الاسرائيلية الكاذبة حول ما حدث يوم السابع من اكتوبر وتلك الدعايات المغرضة حول ما ارتكبته القسام من افعال ” وحشية أسوأ من داعش” صدفة أيضا؟ أم أنها جاءت مخططا لها ضمن سياق تهيئة المزاج النفسي للشارع لقبول حرب الإبادة التي تشن الآن على قطاع غزة ومن بعده على لبنان ثم محور المقاومة كله، والتي يفترض أن تنتهي بتصفية القضية الفلسطينية وإعلان هيمنة إسرائيل على المنطقة؟

-هل يمكن ان تتم صفقة خفية بين اميركا والصين وروسيا؟ وما هي شروطها وعناصرها؟

-هل ستستعيد إيران أموالها المجمدة في قطر والعراق، خاصة وان هذا كان مدار الحديث بين بلينكن ووزير الخارجية القطري بعد طوفان الاقصى بأيام؟

-ما هي انعكاسات هذه الحرب على سوريا وعلى الداخل اللبناني والمعادلة بين الفرقاء، وعلى النظامين المصري والأردني؟

النتائج الأولية لمعركة طوفان الأقصى:

الاثار الاولى لهذه المعركة اتضحت بالفعل، وهي بالمناسبة معركة غير متناظرة او غير متكافئة ولكنها ما زالت حبلى بالمفاجآت ومفتوحة على كل الاحتمالات:

-هذه الحرب حسمت عسكريا من ساعاتها الاولى لصالح المقاومة، ولكن نتائجها السياسية هي التي لم تتضح بعد بسبب تقاعس اللاعبين السياسيين في المنطقة

-في ساعات اخترقت المقاومة الجدار العازل وقيمته 2 مليار دولار في اكثر من عشرين نقطة وانتصر 1500 مقاتل من حماس على 12 الف مقاتل من فرقة غزة وحرروا 650 كم 2 ضعف مساحة غزة واسروا اعدادا هائلة من العسكريين والمدنيين (250 تقريبا) وقتلوا اعدادا غير مسبوقة ( اسرائيل تدعي 1400 قتيل)

-انهارت اسطورة الجيش الذي لا يقهر وسقطت نظرية الحدود الآمنة ، وانهارت نظرية الأمن الاسرائيلي بعناصرها الخمسة: (الحفاظ على التفوق الاستخباري، وضع حاجز دفاعي معقد بحيث يستهلك الطرف الاخر الكثير من امكاناته في مغالبة الحاجز قبل ان يصل ، الحفاظ على التفوق التكنولوجي في الهجوم بحيث يبقي عنصر الريادة له، جز العشب: عدم السماح للقوة الاضعف بمراكمة الامكانات وجرها الى معارك متتالية بحيث تبقى ضمن قدرات محدودة، والجيش الاقوى هو من يحدد الموعد من اجل تحقيق ذلك )، ولم يعد الان امام اسرائيل الا ان تخوض حرب العصابات مع مقاتلي المقاومة.

-تحقق نصر استخباري وتكنولوجي وامني وعسكري غير مسبوق والمنتصر فصيل فلسطيني وليس دولة او جيش

-ارتفعت الروح المعنوية العربية والاسلامية مقابل انهيار في معنويات الاسرائيليين ورعب وهلع وعدم امان

-تم استبدال سردية الهزيمة العربية بسردية انتصار مذهلة ( وهو ما حرصت اسرائيل على محوه بصور المجازر بحق المدنيين في حين لا تتوفر اي صور توثق اي انتصارات على مقاتلي حماس والمقاومة)

-هرب الكثير من الاسرائيليين الى المطارات

-نزح الكثير من الاسرائيليين والفلسطينيين

-خسائر اقتصادية كبيرة للطرفين

-استعادت القضية الفلسطينية القها بين شعوب العالم وعادت للواجهة

-أعطت مجازر غزة الاجيال العربية والاسلامية الجديدة ثأرا مع اسرائيل على غرار ما حدث مع جيل النكبة ثم جيل النكسة ثم جيل ما بعد 2006 في لبنان

-اعادت خلط الاوراق في المنطقة والعالم

-أوقفت قطار التطبيع، لا سيما مع السعودية

-لاول مرة انتقلت المعركة الى ارض العدو ( طبعا ارضنا المحتلة عام 48)

-لاول مرة تنكسر كبرياء الجيش الاسرائيلي بهذا الشكل ومن فصيل محاصر منذ 16 عاما وليس جيش او دولة، خاصة وأن قوام الدولة الاسرائيلية هو جيشها، فهي دولة بنيت حول جيش وليس العكس

-حققت توازن قوى استراتيجي كان غائبا منذ وعد بلفور عام 1917

-حققت مواجهة شبه ندية لا يكون فيها المحتل متفوقا بحيث يحدد نتيجة الصراع سلفا

-اسرائيل لن تخرج كما كانت قبل 7 اكتوبر من حيث نواح عدة منها:

-لن يعود الكيان جذابا لمستوطنيه القادمين من الخارج، وهو اصلا قلق من تاثير القنبلة الديموغرافية الفلسطينية

-لن يعود الكيان جاذبا للمستثمرين كما كان ولن يكون نموذجا لدولة الرفاه وهب التكنولوجيا في المنطقة في ظل الخسائر الهائلة التي تعرضت لها الشركات خلال هذه الحرب وفي ظل واقع مستمر هو امكانية استدعاء الموظفين للخدمة الاحتياط في الجيش وهو ما يعطل الاعمال بالاضافة الى قدرة حماس على قصف اسرائيل بصواريخها

-لن تعود منطقة غلاف غزة الى جاذبيتها وقد لا يعود اليها المستوطنون وتصبح مهجورة او عازلة

-لن يعود الكيان بنفس هيبته العسكرية، وبالتالي وظيفته بالنسبة للغرب ستكون مهددة، فإن اصبح عبئا عليهم فلماذا يدعمون نمرا من ورق، او على الاقل لماذا يواصلون دعمه بنفس القوة؟

-بعد انتهاء الحرب ستكون هناك حملات تلاوم كبيرة داخل الكيان الصهيوني: فعلى الرغم من ان كل قوى الصهيونية متفقة على وضع القدس تحت السيادة الصهيونية، ولكن الاصرار على تحويل هوية الاقصى الى هوية يهودية هو اصرار يميني، وفرض الطقوس التوراتية ليس محل اجماع، وستثور التساؤلات بعدما تضع الحرب اوزارها : هل كانت صلاة بن غفير وجماعته من انصار الهيكل تستحق الثمن الذي دفعناه في هذه المعركة..هل كان الرقص حول ابواب المسجد الاقصى يستحق كل هذا؟ طبعا اخفاق نتنياهو وقادته الامنيين والعسكريين سيكون محل تلاوم كبير وستكون هناك لجنة تحقيق في الاخفاق الامني والاستخباري والتكنولوجي والسياسي الذي حدث في 7 اكتوبر، واغلب الظن انها ستكون نهاية نتنياهو السياسية ما لم ينجح في تحقيق نصر وهو ما اشك فيه، فهو حتى اللحظة عاجز عن اقتحام غزة وعاجز عن قتل مقاومي حماس بل انهم هم من يصطادونه ويحطمون الياته وعاجز حتى عن اصطياد القيادة السياسية لحماس فما بالك بالعسكرية

-سقوط ورقة التوت عن ساسة الغرب الامبريالي الذي هرع لنجدة ربيبته اسرائيل التي تمثل مشروعه المتقدم في منطقتنا

-أظهرت هذه المعركة أن استراتيجية جز العشب التي استخدمها الجيش الاسرائيلي مرارا في غزة لم تفلح في الحد من قدرات حماس، بل على العكس زادت عزيمتها واصرارها، واستفادت حماس من رغبة السياسة الاسرائيلية في بقائها لمنع وحدة الضفة وغزة في اعادة بناء قدراتها عسكريا بعد كل حرب

-انحسر الدعم بالمال والسلاح لاوكرانيا وتوجه معظمه الى اسرائيل

-روسيا رابح كبير، والصين كذلك في معركة إعادة تقسيم النفوذ العالمي الذي يبدو أن بوابته باتت غزة وليس اوكرانيا

استمرار الحرب لشهور طويلة، هو سيناريو خطر على كل الاطراف في الإقليم، وعليه، فإن السؤال الأهم الآن هو:

ما هو المخرج لوقف العدوان على غزة ( وهو السيناريو الذي ترفضه اسرائيل حتى الآن) ؟

يمكننا تقديم اقتراحات لبعض الحلول الممكنة:

الحل الأول:

انخراط حزب الله ومحور المقاومة في الحرب بشكل اكثر جدية واصدار تهديد واضح من حسن نصرالله بان الحزب ومحور المقاومة سيدخل الحرب بقوة ان لم توقف اسرائيل حرب الابادة فورا، بمعنى توسعة اطار المعركة واشغال كل الجبهات مع اسرائيل…هذا حل ممكن، ولكنه مستبعد ما لم تطرأ مستجدات غير متوقعة.

الحل الثاني:

تحرك الشعوب العربية للضغط على انظمتها وتجميد معاهدات السلام والتطبيع والتهديد بشن الحرب على اسرائيل ان لم توقف حرب الابادة فورا وتسمح بدخول المساعدات، وهذا ممكن ولكن، من الصعب التنبؤ بتوقيته في ظل تآكل ووهن الحركة الحزبية في الوطن العربي.

الحل الثالث:

حدوث اختراقات مدنية للحدود البرية مع دولة الاحتلال من الاردن ومصر وسوريا ولبنان تشعر اسرائيل بالعجز وفقدان السيطرة على امن الحدود، وهو امر ممكن ولكن مستبعد في ظل القبضة الامنية الصارمة.

الحل الرابع:

التوصل الى حل سياسي لاطلاق سراح الرهائن المدنيين مقابل وقف الحرب على غزة، ويتم التفاوض على الاسرى العسكريين لاحقا مقابل تبييض السجون الاسرائيلية، ثم الدخول الى مؤتمر دولي للسلام يتم فيه التفاوض على كل الملفات العالقة.

الحل الخامس:

ان تعلن دول اسلامية قوية مثل تركيا والباكستان وايران حظرا للطيران فوق غزة، وانها ستقصف اي طائرة تقصف القطاع، أ.و أن تخرج علينا القمة العربية المنتظرة بقرارات ثلاث: المطالبة بوقف العدوان فورا أو التلويح بتوظيف اسلحة المقاطعة الاقتصادية والسياسية، تسيير قوافل إغاثة عربية مشتركة عبر معبر رفح والتي سيكون استهدافها بمثابة اعلان حرب على الدول المشاركة فيها، وهو ما لن تجرؤ إسرائيل على فعله، وإعلان ان حركة حماس وشقيقاتها هم حركات مقاومة وتحرر وطني وليس تنظيمات إرهابية، وذلك في مواجهة محاولة الغرب الاستعماري وإسرائيل عزل حماس.

في حال استمرار الحرب لشهور طويلة، فما هي المآلات المحتملة؟

المآلات المحتملة:

نحن امام حالة رخوة غير مسبوقة، وعليه، يصعب استقراء المآلات، ولكن من الممكن التنبؤ بعدة حالات:

الحالة الاولى : انتصار التحالف الاستعماري واسرائيل على المقاومة الفلسطينية مع صمود الغزيين في غزة

إبادة قسم كبير من اهالي غزة وتدمير كل البنى التحتية فيها لتصبح انقاضا ومن المستحيل العيش فيها دون اعادة اعمار، ويتطلب اعادة اعمارها مليارات الدولارات التي لا يمكن لاهل غزة ان يجمعوها وان يدخلوا مواد الاعمار الا بموافقة اسرائيل واميركا، وهذا يتطلب:

-اخراج عناصر حماس والقسام على طريقة اخراج منظمة التحرير من بيروت عام 1982 (تذكروا انه باخراج المنظمة استفردت اسرائيل وحلفاؤها من الكتائب بالفلسطينيين المدنيين والعزل وحصلت مذبحة صبرا وشاتيلا) وهذا ما سيحدث مجددا ان خرجت حركة حماس او اخرجت او فككت، والدليل : انظروا الان الى ما تفعله اسرائيل هي تستبيح الضفة الغربية كاملة وكيف استفردت بهم في ظل غياب سلطة تحميهم..طبعا هناك قرار بتصفية بؤر المقاومة في الضفة الغربية، وقد بدأ العمل عليه فورا وفي نفس الوقت الذي يحارب فيه الجيش الاسرائيلي غزة

-في حال نجاحهم في اخراج حماس، وفي ظل عدم رغبة الامريكيين باعادة احتلال غزة ( حتى وان كان نتنياهو يقول بانه سيفعل) فإنهم بحاجة الى سلطة بديلة، فمن هي السلطة البديلة؟

-المشاريع المطروحة إما فرض قوات دولية بقيادة الامم المتحدة أو قوات عربية واقليمية، اي تدويل غزة

-أو عودة السلطة الفلسطينية عبر حكم ذاتي محدود على غرار الضفة الغربية

-أو فرض نظام موال لاسرائيل تقوده شخصية خاضعة لاسرائيل تدعمها الدول العربية التي تدور في المحور الامريكي

-ولكن، هل انهاء القدرات العسكرية لحماس يعني بالضرورة انهاء سلطتها السياسية ؟ ماذا عن سلطتها الاخلاقية والاجتماعية في القطاع؟ وماذا عن حاضنتها الشعبية التي لا تقل عن ربع سكان القطاع بحسب تقديرات المحللين؟

الاجابة على هذه الاسئلة امر ليس سهلا عموما، بفرض ان هذا قد تحقق لا سمح الله، وتمكنت اسرائيل من انهاء مقاومة غزة، فإن هذا سيشجعها على ان تمضي قدما ، فتقوم بالقضاء على كل عناصر المقاومة في الضفة الغربية ( مداهمات واعتقالات ونفي وتهجير) وستتبعها لبنان إن لم تعقد ايران صفقة كبرى مع اميركا تحمي حزب الله، علما بأنه حتى في هذه الصفقة لا يمكن ان تقبل اسرائيل باستمرار وجود حزب الله كتهديد استراتيجي لها في الشمال، ولا يمكن الا ان تنتهي هذه الحالة بتفكيك سلاح حزب الله او توقيع سلام مع اسرائيل، اما سوريا فمصيرها يبقى غامضا نسبيا بسبب وجود مصالح لروسيا فيها وليس لايران فحسب، ولذلك فإن حساباتها اكثر تعقيدا، خاصة وان هناك تفاهمات خفية غير معلنة بين الروس والاميركان فيما يخص سوريا منذ 2014.

-هذه المعطيات ان حدثت فإنها ستمهد الساحة امام تصفية كاملة للقضية الفلسطينية وتطبيع شامل لكل العرب، وستفتح شهية اسرائيل نحو مشروعها القديم الجديد وهو الضفتان، وقد تكون طريقتهم لذلك هي اعلان دولة فلسطينية وهمية لغايات انشاء كونفدرالية مع الاردن.

-بعد ذلك، وعلى المدى الطويل، فقد تنجح اسرائيل ومن خلفها اميركا والغرب في تمهيد الساحة أمام مشروع اكبر هو:

– إما الولايات الابراهيمية المتحدة او الشرق الاوسط الجديد بزعامة دول مثل اسرائيل وتركيا ومصر والسعودية وربما ايران ( بحسب التفاوض) وهو المشروع الذي تحدثت عنه مراكز دراسات امريكية، وفي هذه الحالة نحن نتحدث عن هيمنة اقتصادية وسياسية واعلامية وامنية واستخبارية كاملة

– أو اسرائيل الكبرى وهو مشروع اليمين الاسرائيلي المدعوم باليمين المسيحي الذي يسيطر على الادارة الامريكية والفرنسية والبريطانية حاليا، وفي هذه الحالة نحن نتحدث عن هيمنة عسكرية

والحالة الاولى اكثر ترجيحا من الثانية الا ان تغيرت معطيات اقليمية ودولية كثيرة وتحول مشروع اسرائيل الكبرى الى مشروع مسيحي يهودي اي شارك فيه اليمين المسيحي من باب قناعة دينية بان هذه هي الدولة التي ينبغي اقامتها في الشرق الاوسط لتمهد لعودة المسيح الى الارض ( وهنا تبرز اهمية الحرب الدينية التي وظفها نتنياهو معطيا الاشارة بان الوقت قد حان لتطبيق سيناريو ابادة الفلسطينيين لانه الخطوة الاولى المطلوبة لنجاح هذا المشروع الديني السياسي).

عموما، هذا السيناريو من المستبعد ان ينجح، ومن المستبعد أن تسمح بحدوثه قوى محور المقاومة، لأنهم يدركون خطورته وتداعياته، وفي حال تراجعت قدرات حماس على الصمود وبانت في الافق ملامح انتصار اسرائيلي، فإن المحور سيتدخل بشكل او بآخر.

الحالة الثانية انتصار التحالف الغربي الاسرائيلي مع ابادة الغزيين وتهجيرهم :

يظهر الغزيون صمودا اسطوريا تحت القصف والقتل الجماعي وحرب الإبادة، كما ان مصر والاردن رفضا التهجير، ولكن بعد توقف القصف وهدوء المدافع ستعود الحاجة الملحة للوفاء بمتطلبات العيش التي لن تتوفر مطلقا في القطاع في حال استمرت فيه سلطة حماس واستمر الحصار كما كان قبل طوفان الاقصى، ولم تعقد السلطة اي تفاهم مع اميركا واسرائيل عبر وسطاء ، وهنا قد يبدأ التخطيط لنوع من التهجير الناعم الذي سيحمل شكلا اختياريا للتضليل، بتسهيل خروج الفلسطينيين من ارضهم بحثا عن لقمة العيش وظروف افضل للحياة في سيناء او نيوم او غيرها.

هل يمكن ان تستعيد اسرائيل تدريجيا كامل غزة او جزءا منها على الاقل؟ يبدو هذا الاحتمال مستبعدا للغاية، ولا يدعمه الواقع الغزي بأي شكل.

عموما، سيناريو الابادة من أجل التهجير صعب واحتمالاته اقل من السيناريو الاول، لا سيما وان مصر هي الدولة الوحيدة من دول الطوق التي لم تقبل استقبال اي لاجئين لا في 48 ولا 67 ، ومن جاءوها لاجئين بالبحر ارسلتهم الى غزة، ولكن يصعب التنبؤ بسلوك دول أخرى ربما يتم تهجير الفلسطينيين اليها عبر ترانسفير ناعم وليس قسريا، وقد يتوزعون على دول عدة.

في المقابل، فإن التهجير من الضفة الغربية سيناريو قائم ومستمر: في هذه السنة 2023 ازيلت 13 قرية فلسطينية من الوجود في سلفيت وشرق رام الله والاغوار، ولذلك، فإن حالة الضفة الغربية مختلفة وينبغي التنبه لخطورتها، كما ان الضفة الغربية اهم للاحتلال من غزة بسبب تراكمات التراث التلمودي ولاسباب اخرى استراتيجية وتاريخية وجيوسياسية كثيرة.

الحالة الثالثة: انتصار المقاومة الفلسطينية وهزيمة اسرائيل وتحالفها الغربي الاستعماري

بعد 32 يوما من المعركة فإن المقاومة ما زالت قادرة على مواصلة دفاعاتها وعملياتها الميدانية والحفاظ على خطوط اتصالاتها وبياناتها الإعلامية، وما زالت قادرة على الحاق الهزائم بالعدو وتحطيم الياته وقتل جنوده، وناطقها هو نفسه ولم يتم قتله، وخط قيادتها لم يتغير، الخ…

وحتى اللحظة، فإن حماس منتصرة في هذه الحرب، وحطمت عددا كبيرا من الآليات المدرعة والدبابات والجرافات وقتلت عددا كبيرا من الجنود ومنعت اسرائيل من التقدم بريا، وهي قد أعدت نفسها بحسب تصريحات قادتها لعدة شهور، ولكنني استبعد ان تستطيع الصمود فعليا لاكثر من ثلاثة اشهر، والشيء ذاته بالنسبة لاسرائيل التي لا تستطيع الانخراط في حرب طويلة ايضا، وهذا ما يشي به تاريخها، وهي ما زالت عاجزة عن تحقيق اي نصر بعد اكثر من شهر على الحرب، وتتعرض بشكل متزايد لضغط الرأي العام العالمي، وخسائرها الاقتصادية والمالية كبيرة، وهناك انقسامات داخلية حقيقية في المجتمع الاسرائيلي، حتى وان ظهروا جميعا متحدين في حقدهم على الفلسطينيين.

لذلك، وفي ظل عجز الاحتلال عن تحقيق انتصار عسكري، اختار الجيش الاسرائيلي الخيار الاسهل وهو استهداف الحاضنة الشعبية للمقاومة لتضغط بدورها على المقاومة، وعليه، فإن علينا جميعا واجب تحويل عبء الدم الغزي ليكون عبئا على الاحتلال وليس عبئا على المقاومة..هنا اهمية الراي العام العالمي والمسيرات والاعلام والضغط السياسي الخ..من اجل وقف القصف وفتح المعابر والسماح بايصال المساعدات كي نساعد اهلنا على الصمود.

تحت هذه الحالة هناك عدة حالات أيضا:

-الحالة الاولى انتصار من خلال الصمود ، بمعنى انسحاب اسرائيل دون تحقيق اهدافها المعلنة باقتلاع حماس من غزة، وهذا سيعيق كل خطط الاحتلال ومن خلفه الحلف الاستعماري الغربي التي اشرنا اليها ويحبطها جميعا ويعيد الامل في وجود معارك اخرى قادمة ينخرط فيها محور المقاومة كله من اجل معركة التحرير الكبرى التي يردد المحور انه يعد لها العدة منذ سنين، خاصة وان البيئة العربية والعالمية تتغير، ودعم المقاومة يزداد حتى بين القوى غير الإسلامية، وهي تكتسب شعبية هائلة في الشارع، ومهدت لظهور نغمة جديدة ان الانتصار قادم والتحرير قادم، وبالتالي فإن الاحتمالات مفتوحة.

-طبعا هذا السيناريو مرتبط بالرهائن، وهل ستنجح حماس في تحرير اسراها ام تضطر الى التخلي عن الرهائن مقابل وقف الحرب..التاريخ السابق لحماس يظهر قدرتها على الصمود وابقاء الاسرى ورقة للتفاوض لسنوات.

-هذا السيناريو سيرافقه ايضا محاولات متكررة لاسرائيل لاغتيال قادة حماس والقسام لاحراز نصر لم تنجح في تحقيقه في الميدان.

-الحالة الثانية انتصار بهزيمة اسرائيل بريا، وهذا يعني فرار الجيش الاسرائيلي من امام مقاتلي حماس، وهذا السيناريو وإن كان مستبعدا، إلا أنه ممكن بشروط، خاصة وان بقيت اسرائيل تقود المعركة بعقلية الثأر وليس بعقلانية وواقعية، وإن تذكرنا انه تم ابادة فرقة غزة من قبل القسام في 7 اكتوبر، فكيف يمكن للجيش الاسرائيلي ان ينتصر في حرب برية في غزة بدون فرقة غزة؟ وهنا لا نتحدث عن العناصر البشرية فقط، وإنما نتحدث عن الهيكلية التي انهارت والاسرار العسكرية التي حصلت عليها حماس والتي تؤهلها لإحباط خطط اسرائيل. في هذه الحالة، فإن انتصار حماس في غزة يعني أن منطقة غلاف غزة قد تتحول الى منطقة عازلة وطاردة للاستيطان، وهذا يشبه تحرير تلك الاراضي التي احتلتها اسرائيل عام 48، وستكون مآلاته باهظة بالنسبة لاسرائيل وللغرب الذي يدعمها.

-في حال فتحت جبهة حقيقية في شمال فلسطين المحتلة من قبل حزب الله، ودخل الحزب حربا برية، فإن هناك إمكانية حقيقية لتحقيق منطقة عازلة اخرى في الشمال بحيث تصبح مستوطنات الشمال خالية من السكان.

-طبعا هذه الحالة لا يمكن ان تسمح بها اميركا، ولكن من يدري..الحرب ما زالت مفتوحة على الاحتمالات.

-طبعا هزيمة اسرائيل تعني التضحية بنتنياهو وقادته لانه في غياب النصر لا بد من كبش فداء

-كما ان انتصار حماس سيكون له ارتدادات في مصر والاردن وربما ليبيا وغيرها في ظل وجود كتل سياسية كبيرة في تلك الدول مرتبطة مع الحركة فكريا وعقديا وبعضها كان مرتبطا تنظيميا في مراحل سابقة

-وسيوقف قطار التطبيع في المنطقة الذي جعل المنطقة مستباحة بالمجان امام اسرائيل وشجعها على المضي قدما بمشروعها التوسعي

-وسيمهد هذا النصر لاستعادة سيادة الدول العربية في مواجهة التغول الامريكي على القرار مع استعادة الشارع العربي والاسلامي يقظته وحركته وفاعليته

-أما هزيمة اميركا واسرائيل فسيكون لها تبعات اكبر على صعيد المخططات الدولية والصراع مع الصين ( مع ملاحظة ان روسيا لا ترغب بهزيمة اسرائيل، ولكنها في الوقت ذاته تتمنى اطالة هذه الحرب لان هذا يمنحها وقتا في اوكرانيا لتحقيق النصر هناك وإعادة ترتيب أوراقها على مائدة الكبار)

-إن تحقق هذا النصر فإنه يمكن ان يكون فعليا خطوة على الطريق في اتجاه التحضير لمعركة التحرير الكبرى

ولكن، ماذا لو طالت الحرب اكثر من ثلاثة اشهر؟

مع ان حماس قد اعدت جيدا عدتها للصمود بضعة اشهر، إلا ان هذه الحرب قد تكون حربا طويلة كما صرح بذلك مرارا قادة الاحتلال لان اهدافها لا يمكن ان تتحقق خلال شهور، فهي بحاجة الى برنامج عمل طويل قد يمتد الى سنة.

وفي ظل تخلي سلطة اوسلو والنظام الرسمي العربي والاسلامي عن نصرة المقاومة في غزة بما في ذلك تركيا وايران ( تركيا الظهير السياسي لحماس، وايران الظهير العسكري للقسام والسرايا)، وفي حرب مدتها ستة أشهر أو سنة، فإن انتصار حماس يبدو صعبا وغير قابل للتحقق، ما لم تتدخل عناصر مفاجئة وتحدث تحولات غير متوقعة في الخارطة الدولية او الاقليمية وتقرر مصر دعم حماس سرا او علنا، او يغير حزب الله قراره وينخرط في هذ المعركة جديا.

والمطلوب الآن لتنتصر المقاومة وتهزم اسرائيل وتمنع من تحقيق السيناريوهات الخطيرة السابقة هي وقف فوري للعدوان وهذا يتطلب فعلا عربيا اسلاميا حقيقيا مؤثرا وتعاون مصر بفتح كامل لمعبر رفح.

وإلا فإن انتصارا حقيقيا للمقاومة الفلسطينية لا يمكن ان يتحقق الا بتوسع دائرة الحرب الحالية ودخول قوى اكبر تأثيرا في الصراع، هو وهذا السيناريو الذي تحاربه اميركا بكل طاقتها، وكل جولات بلينكن في المنطقة هي للحيلولة دون وقوع هذا السيناريو، واغلب الظن ان هناك دولا قد قبضت ثمن عدم توسعة دائرة الحرب والموافقة على ابقائها دائرة من اجل تفكيك حماس وإنهاء حكمها في غزة، وهناك دول وقوى اخرى تم تهديدها.

هناك حالة ثانية اقل احتمالا ولكن من غير المستبعد ان تحدث، وقد تلجأ لها حماس حين تستشعر قرب النهاية وتفقد الأمل في أي دعم يمكنها من الصمود، وهي تحريك الشارع العربي في مواجهة النظم السياسية عبر دعوة أنصارها ومؤيديها الى اعتصامات مفتوحة او اضرابات او عصيان مدني او ربما صدام مع الاجهزة الامنية للضغط على النظم العربية كي تضغط بدورها على الادارة الأمريكية، لان هذه الإدارة معنية باستقرار النظم السياسية الحليفة لها مؤقتا في هذه المرحلة من مراحل المخطط الكبير للشرق الاوسط، وهذا قد يؤدي الى وقف العدوان على غزة والسماح لحماس بالبقاء ضمن شروط تضمن امن اسرائيل، وهنا ربما تلعب تركيا وقطر دورا في معادلة ضمان التزامات حماس، كما ان الاردن قد يدخل الى خط اللاعبين الاساسيين الى جانب مصر في هذه الحالة إن أحسن استخدام أوراقه.

وما نتوقعه هو ان جميع النظم السياسية في الاقليم مرشحة للاستفادة من الدم الفلسطيني المسكوب، ولكنها في الوقت ذاته مرشحة لتهديدات أكبر من شعوبها في حال تم خذلان المقاومة، واكبر ما نخشاه ان يكون الخاسر الأكبر هو الشعب الفلسطيني نفسه ومقاومته الباسلة التي نخشى أن يتخلى عنها الجميع:

(ونذكر هنا برسالة عبد القادر الحسيني الى جامعة الدول العربية عام 1948 حين قال انكم تخليتم عن جيشي بالدعم والتمويل والاسلحة، ثم استشهد بعد يومين وخسر العرب معركتهم في فلسطين).

الخلاصة: نحن امام عالم يتحول من الاحادية القطبية الى تعددية لم تستقر ولم تحسم وما زال الصراع فيها مفتوحا، ومن يريد ان يحمي مصر والاردن ولبنان وسوريا ومن ورائهم السعودية والعراق والأمة كاملة، فإن عليه ان يعمل بكل طاقته على وقف هذه الحرب فورا ، وفتح المعابر، والاعتراف بحماس حركة مقاومة مشروعة وليس تنظيما إرهابيا.

والمطلوب الان : مراجعة مواقف النظم العربية الرسمية من التطبيع واتفاقات السلام والعلاقة مع اسرائيل والادارة الامريكية والعلاقة مع شعوبها ومنح هذه الشعوب حكما ديمقراطيا يعيد لهذه الانظمة القدرة على مواجهة الضغوطات الاستعمارية الغربية، لأن النصر العسكري والاستخباري والامني الذي حققته حماس لا ينبغي ان تضيعه النظم السياسية العربية الرسمية بتخاذلها وارتهانها، ويجب أن يكون طوفان الأقصى المقدمة لتحرير فلسطين واسقاط الاحتلال ومعه كل قوى الهيمنة والاستعمار، لا سيما وان المشروع الصهيوني يحمل في طياته بذور وفاته: سواء من حيث محدودية المشروعية او محدودية الديموغرافيا او محدودية الفكرة، فهو كيان غير قابل للحياة لانه إلغائي ويعمل بعقلية القلعة ويواصل بناء الجدر العازلة، وقراه المحصنة لم تنفعه ولن تنفعه في السنوات المقبلة، فقد بدأت لعنة انهيار هذا الكيان، وعوامل الانهيار في تعاظم وتكاثر، والمطلوب ان لا تمد له النظم العربية الرسمية حبل النجاة

كاتبة اردنية

زر الذهاب إلى الأعلى