كلمتان في موضوع الحزن الجاثم على ضمير البشرية الحي حاليا

كلمتان في موضوع الحزن الجاثم على ضمير البشرية الحي حاليا.

كلمتي الأولى، موجهة إلى أهلنا المكلومين المفجوعين… المحشورين في الزاوية :
فعلا، يكره الكلام في أوقات الشدة… و هل من شدة أشنع من إبادة شعب بأكمله… في وضح نهار الكون بأسره…؟ و لكن اعذروني، لم أستطع كبح قلمي الثقيل أمام هذه الفاجعة…
إن هذه العملية بلغت من البشاعة درجة تذكر بأخطر عمليات الإبادة التي شهدها تاريخ البشرية بأسره. و هي تلك العمليات التي استخدمت فيها حيل لا تخطر على بال أحد.
و بما أنها بهذا المستوى الفظيع من انحدار إنسانية الكون الذي لم نتصور أبدا، أننا سنعود إليه مرة أخرى، فإنه ينبغي و نحن في هذا الظرف الصعيب، أن نأخذ الحيطة التامة من كل شيء، حتى من هبات “الخير” التي تعودناها بعد كل محرقة نتعرض لها… هذا لأن الحروب حيل ! و قد لا يستبعد أن تحمل المساعدات في طياتها ما هو أخطر على الحياة من الحديد و النار نفسيهما.
هذا لإن إبادة ٩٠% من الهنود الحمر قبل ٥٠٠ سنة، لم تتم فقط بالبارود فحسب، فقد كان سبب الجزء الأكبر منها، أغطية مشبعة بجراثيم مرض التيفوس الفتاك التي كانت توزع على الضحايا في إطار حملة ظاهرها تضامنيّ مع شعوب منهكة، ذات شتاء قارس، وباطنها مواصلة للقتل الفظيع في حرب لم تنته بعد.
إذا و الظرف على ما هو عليه الآن، أو كما نراه، فالحذر الحذر من كل شيء… فالذئب الجائع، يمكر بالغنم دائما و هو متلبس بجلد حمل وديع…

بالنسبة لكلمتي الثانية، فإنها استحضار لاستشعار قام به بعضنا، لهذا الانحدار الرهيب الذي نحن فيه، و ذلك منذ زمن بعيد ( منذ سقوط جدار برلين) لما خوفونا من هذه الحملة الفضائية العالية التقنية، التي عمت فجأة على منطقتنا كلها دون غيرها… و لم نصدقهم في الوقت الذي بقيت فيه مناطق العالم الأخرى في عهد التلفزيون القديم الهوائي، و قد تأكدت من ذلك بنفسي في زيارات قمت بها لبعض دولها التي يحظى بعضها بمسافة متقدمة من الإزدهار و الرقي علينا.
و هي الطفرة التي صاحبها تحول لغة الرياضة، و بالخصوص لغة كرة القدم الساحرة، في كل العالم، إلى العربية، بعد أن كانت تتكلم بالإسبانية في أيام كانت الولايات المتحدة منشغلة في الحرب ضد الساندنستين في أمريكا الوسطى و من أجل التحكم المطلق في قناة باناما الاستراتيجية… أما و قد توجهت تلك الدولة العظمى إلينا… فها هي كل ملاعب العالم تصدح عاليا بتعاليق جميلة بلغتنا المقدسة الفصيحة و ذلك من القطب إلى القطب…
أعتقد أنه علينا أن نعترف لأولئك المستشعرين بإصابتهم في الفهم، فإن هذه الفضائيات قد استغفلتنا في مرحلة أولى و وجهتنا لتدمير أنفسنا بأنفسنا في “الربيع” العجيب، بتدمير كل دول الشوكة فينا التي لو كانت موجودة الآن، لما استُبحنا بهذه السهولة… و هي الفضائيات التي عرفت بعد ذلك، و بدهاء خارق، كيف تنسينا ذلك الاستغفال بذرفها الكثيف لأدمع لا يدرك أحد زيفها، راكبة بذلك أمواج الأحداث المؤلمة التي نمر بها كي لا تفلت جماهيرنا المتألمة الغاضبة من قبضة موجهيها…
على كل، و نحن أمام قتل هذا الكم الهائل من أطفال العالم الأبرياء الذي شاء القدر أنهم فلذات أكبادنا، تعودنا الآن سلوكا غريبا و هو أننا نتظاهر في العصيرة تنديدا و بعد سويعات نجلس مشدودي الأعناق نحو شاشات كبيرة في مقاهي المدينة، طربا بمباراة منتظمة لا نتخلف أبد عن أي موعد من مواعيدها و كنت شخصيا شاهدا على حالة من هذا السلوك : فبعد مظاهرة حاشدة شاركت فيها، جابت شوارع انواكشوط الكبيرة لحظت في نهايتها أن أغلب المتظاهربن فيها من الشباب نفصوا عنهم الغبار بسرعة و جلسوا سعيدين تحت الشاشات ليتابعوا متفاعلين بكل قلوبهم مباراة بين شلسي و آرسينال الإنجليزيين…بعيدا عن أحزاننا

هذا و سأسجل في هذا المقام هذا الموقف : أعجبني أمل دنقل لما رفض المصالحة عندما فقعت عينا أخيه في خذلان الأخلة و حزنني طائر ‘لافونتين’ عندما ضاعت جبنته إلى الأبد لما صدق الثعلب في ثنائه عليه….

الدكتور :سيد احمد باب البشير

زر الذهاب إلى الأعلى