كيف يصلي الأصم والأبكم (فتوى شرعية)

السؤال 213606

لدي صديق لا يتحدث اللغة العربية ، وهو أصم وأبكم ، فلا يستطيع تلاوة القرآن . هل تجب عليه التلاوة في الصلاة ? كيف يقوم بأداء الصلاة في هذه الحالة؟
نص الجواب
الحمد لله :القاعدة العامة في الشريعة : أن من عجز عن شيء من الواجبات سقط عنه ، ولزمه الإتيان بما يقدر عليه منها ؛ لقول الله تعالى : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: 16].وقول النبي صلى الله عليه وسلم  : ( وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) متفق عليه .وعليه : فالأبكم والأخرس الذي لا يستطيع القراءة : يسقط عنه ما عجز عنه .

فإن كان يحسن أن يسبح أو يذكر الله ، فإنه يسبح ويذكر في مواضع القراءة .

وإن كان يعجز أيضا عن التسبيح ، فلا يعلمه ، ولا يمكنه أن يتعلم بدله : سقط عنه ، ولم يلزمه شيء بدلا من قراءته .

وإن كان يحسن التكبير في مواضعه : لزمه الإتيان به .

فإن كان يعجز عن القول مطلقا ، سقطت عنه جميع الواجبات والأركان القولية في الصلاة ، ويلزمه الإتيان بالواجبات والأركان الفعلية كالقيام والركوع والسجود .

فينوي الدخول في الصلاة بقلبه وهو قائم ، ثم يركع ويسجد ، دون قراءة للقرآن ، ولا تلاوة للأذكار.

وقد سئلت اللجنة الدائمة : كيف يصلي من لا يستطيع أن يتكلم ولا يسمع، أو يتكلم ولا يسمع؟

فقالوا : ” يصلي على قدر استطاعته لقوله تعالى: ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) ، وقوله: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) ، وقوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) ، وقوله تعالى: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ” انتهى من ” فتاوى اللجنة الدائمة” (6/403) .

واختلف العلماء هل يلزمه مع ذلك تحريك لسانه وشفتيه وقت القراءة والأذكار؟

جاء في “الموسوعة الفقهية ” (19/92) : ” مَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنِ النُّطْقِ لِخَرَسٍ : تَسْقُطُ عَنْهُ الأْقْوَال ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ .

وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ تَحْرِيكِ لِسَانِهِ بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ.

فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : لاَ يَجِبُ عَلَى الأْخْرَسِ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ ، وَإِنَّمَا يُحْرمُ لِلصَّلاَةِ بِقَلْبِهِ ؛ لأِنَّ تَحْرِيكَ اللِّسَانِ عَبَثٌ ، وَلَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِهِ .

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَجِبُ عَلَى الأْخْرَسِ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ وَشَفَتَيْه وَلَهَاتِهِ بِالتَّكْبِيرِ قَدْرَ إِمْكَانِهِ ، قَال فِي الْمَجْمُوعِ : وَهَكَذَا حُكْمُ تَشَهُّدِه ، وَسَلاَمِهِ ، وَسَائِرِ أَذْكَارِهِ ، قَال ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ نَوَاهُ بِقَلْبِهِ كَالْمَرِيضِ .

لَكِنْ يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَرَسِ الطَّارِئِ ، أَمَّا الْخَرَسُ الْخِلْقِيُّ فَلاَ يَجِبُ مَعَهُ تَحْرِيكُ شَيْءٍ” .  انتهى.

وما ذهب إليه جمهور العلماء من سقوط التحريك هو الأقرب .

قال ابن قدامة المقدسي : ” فَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ ، أَوْ عَاجِزًا عَنْ التَّكْبِيرِ بِكُلِّ لِسَانٍ : سَقَطَ عَنْهُ … ولَمْ يَلْزَمْهُ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ فِي مَوْضِعِهِ كَالْقِرَاءَةِ …؛ لِأَنَّ تَحْرِيكَ اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ نُطْقٍ : عَبَثٌ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ ، فَلَا يَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ ، كَالْعَبَثِ بِسَائِرِ جَوَارِحِهِ ” انتهى من “المغني” بتصرف (2/130).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” وَمَنْ لَمْ يُحْسِنْ الْقِرَاءَةَ ، وَلَا الذِّكْرَ ، أَوْ الْأَخْرَسُ : لَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ حَرَكَةً مُجَرَّدَةً ، وَلَوْ قِيلَ إنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ بِذَلِكَ كَانَ أَقْرَبَ ؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ يُنَافِي الْخُشُوعَ ، وَزِيَادَةٌ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوعِ” انتهى من “الفتاوى الكبرى” (5/ 336)

والحاصل :

أنه يأتي بما يستطيع من أركان الصلاة ، ويسقط عنه ما عجز عن عنه من التكبير وقراءة الفاتحة وأذكار الركوع والسجود والتشهد .

وهذا عام في جميع أحواله : فكل ما عجز عنه : لا يؤاخذ به .

قال الشيخ ابن عثيمين : ” الأصم الأبكم من فقد حاستين من حواسه ، وهما السمع والنطق ، ولكن بقي عليه النظر ، فما كان يدركه من دين الإسلام بالنظر ؛ فإنه لا يسقط عنه ، وما كان لا يدركه ؛ فإنه يسقط عنه .

أما ما كان طريقه السمع ، إذا كان لا يدركه بالإشارة : فإنه يسقط عنه .

وعلى هذا : فإذا كان لا يفهم شيئاً من الدين فإننا نقول : إذا كان أبواه مسلمين أو أبوه أو أمه فهو مسلم تبعاً لهما ، وإن كان بالغاً عاقلاً مستقلاً بنفسه فأمره إلى الله ، لكنه ما دام يعيش بين المسلمين ، فإننا نحكم له ظاهراً بالإسلام ، يُعلم بعض الأشياء بالإشارة ..” انتهى من “لقاء الباب المفتوح” (11/22، بترقيم الشاملة آليا).

وينظر جواب السؤال (13793) .

والله أعلم

نقلا عن

موقع الإسلام سؤال وجواب

زر الذهاب إلى الأعلى