في يوم الافتتاح الدراسي.. وصية والد لولده

في يوم الافتتاح الدراسي.. وصية والد لولده

———————————————

لقد بدأت حياة جديدة تماماً بالنسبة لي بعد ديسمبر 1934. فقد كانت بداية المجهول بالنسبة لي، بداية دخولي معترك الحياة العصرية! لقد مكثت خمسة أعوام في مدرسة أبي تلميت، ونلت منها شهادة الدروس الابتدائية الأساسية الفرنسية العربية في يوليو 1939.

كان التلاميذ داخل الأقسام وقت مجيئنا. وبعضهم يقرأ أو يتلو بصوت عال، ويصل صدى أصواتهم إلى الخارج على الرغم من أن الأبواب والنوافذ كانت موصدة. دخلنا الشرفة فإذا برجل ينتظر قدومنا، على ما يبدو، فاتجه إلينا عندما رآنا، واتضح لنا أنه المراقب، فقال: «اتبعوني لأوصلكم إلى المدير». وازداد وقع ضربات قلبي الذي بدأ يخفق منذ وصولنا المدرسةَ. فقد شعرت بخوف شديد وأصابني الذعر، وانتابتني فجأة الرغبة في الفرار للعودة إلى الحي. كنت في واقع الأمر شديد الاضطراب صبيحة ذلك اليوم أثناء السفر من عين السلامة إلى أبي تلميت، وما بين منزل أهل الشيخ ولد جدو والمدرسة بوجه خاص. وكان الخوف من المجهول، ومن فراق الأهل يثير قلقي بل ويهز كياني. غير أنني سرعان ما تذكرت نصائح والدي صبيحة ذلك اليوم، قبيل مغادرة الحي، فهدَأ روعي. لقد أوصاني الوالد قائلاًً: “أستودعك الله، لقد أصبحت رجلاً لأنك ستعيش مستقبلا بدون أسرتك معظم وقتك. وستعيش مع أطفال قادمين من مختلف قبائل ومناطق البلاد، منهم من هو أكبر منك، ومنهم من هو في سنك، والبعض أصغر منك. فاحذر من أن تدنس عرضنا أو تسيء إلى سمعة أسرتنا. ولذا يتعين عليك أن تتصرف بوصفك راشداً لا بصفتك طفلاً. حافظ بصرامة على دينك، وأدِّ بانتظام صلواتك، وواظب على قراءة القرآن، وثابر على صوم رمضان إذا بلغت الحلم. احترم معلميك وكل من هم أسن منك ولو كنت لا تعرفهم، وكن مؤدباً مع جميع الناس أينما حللت. وتحلّ، أينما كنت، بحسن الأخلاق، ورباطة الجأش والتحكم في النفس، بدل سوء السلوك المنافي لسمعتنا. وطبق مع أصدقائك الجدد وزملائك في الدراسة المثل القائل: (لا تكن حلواً فتبلع، ولا تكن مراً فتلفظ). وبعبارة أخرى، تجنب الشجار مع أصدقائك، وكن صريحاً، وفياً وكريماً معهم -ومع غيرهم من الناس- لكن لا تقبل تطاولهم عليك. لا تكن خصيماً، ولكن لا تكن جباناً. وكن طيباً مع كل الناس، ولا تكن أنانياً ولا مخادعاً”.

 

المختار ولد داداه/ «موريتانيا على درب التحديات»

زر الذهاب إلى الأعلى