وقفتُ على ضفة نهر صنهاجة/ محفوظة زروق
وقفتُ على ضفة نهر صنهاجة، أتأمله و بداخلي شعور بالتنافس غريب لكن أغصان أشجار الضفة الأخرى حجبت عني الأفق البعيد ربما لتجنبني الوقوع في فخ المقارنة العقيمة أو لتجبرني على المقارنة بين نفسي و نفسي.
خرجنا من نواكشوط و غيوم السماء ترسم لوحة فنية بشكل خريطة بلادي، سرنا في اتجاه جنوبها حيث ترتدي سهول البراكنه ثوبا بلون أحلامي، ترعى عليها الأنعام و الخيل المسومة و في السماء تحلق الغربان في انسجام تام مع الطيور الجارحة ليكتمل توازن الطبيعة بعد مغيب شمس البراكنة حين تخرج الأفاعي و العقارب و كل الحشرات المؤذية رغم أنه في الحقيقة لا شيء يؤذيني أكثر من رؤيتي لقطع القمامة تذروها رياح الاهمال العاتية داخل أحياء البراكنة السكنية باستثناء مدينة بُوگى التي مررنا بها بعد ليلة ماطرة فشاهدنا في وسطها جماعة موحدة الثياب يمسكون بالمكانس لإظهار الوجه اللائق بديبانگو القديمة فشكراً لهم على حسن صنيعهم!
وقفتُ احتراماً لسكان بُوگى حين شاهدتهم ينظفون مركز مدينتهم بكل صمت رغم آثارهم في الأزقة التي حدثتنا نيابة عنهم كأن القدر ينتقيهم دون غيرهم من المدن التي مررنا بها، حتى حبة الموز التي أخذتها من سوقها ذكرتني بفاكهة الجنة و الشيء يرجع في المذاق لأصله و طعم الفواكه المستوردة لم يعد يروق لي منذ بدأتُ أعود نفسي على راحة الضمير فهل تسمحولي أن أتابع ترجمة علاقتي الوجدانية بهذه الأرض؟
كل ما نفعله على سطح أرضنا هو نابع من علاقتنا بها و حين نسقط هذه المشاعر على تفاصيل حياتنا فإنني أجزم أن الشخص الذي يتبول في الأماكن العامة أو على الحيطان و عجلات السيارات لا يحب موريتانيا و الذي يغض عنه البصر مثله و من يبصق على أرض ما فهو لا يحترمها و من يرمي الأوساخ في الأماكن الغير مخصصة لها لا يحب الوطن و من تلطخت يداه بالمال العام لا تربطه بموريتانيا رباط وثيق و الحكومة التي لم تنه صلاحية أكلة المال العام و هي على يقين أنها على موعد مع الله بمفردها أستغرب من أمرها… ! و إني أسامح ألف عدو و لا أسامح من أعطيته صوتي و لم أر له آثراً في بلادي فكيف نسامح الأشخاص الغلط على نفس الغلط؟ و قبل أن نغادر البراكنة و مراعيها التي تنتشر عليها المواشي فهل من مجيب على سؤال قفز الأن على ذهني، هل كان شبابنا سيهاجر عبر الجدار المكسيكي لو شُيدت قرب هذه المراعي مصانع للجلود و السماد و الصوف و الحليب و مشتاقته…؟
تابعنا السير و كل منا مشغول بالتحديق في شمامة الجميلة، بحقولها و طيورها الأنيقة البيضاء و شمسها الدافئة الحنونة التي يعكسها نهر صنهاجة العظيم و هو يتابع في مساره حتى يصب في المحيط دون أن يختلطا فسبحان من هذا ملكه، وهب لنا شمامة إن أعطيناها أعطتنا أكثر و فلاحتها عبادة فالحمد لله و الشكر له.
كل الطرق التي سلكنا لا بأس بها رغم القليل من الحفر و المطبات على امتداد كيلمرات من روصو التي تحتاج للأسف للنظافة و الصرف الصحي قبل أن يدوس ماء السماء على كرامتها و من هنا بدأت الترارزه حيث رائحة الجيفة المتناثرة على امتداد طريقنا إلى نقطة البداية، عكرت مزاجي حتى جفت المعاني و ضاقت كلماتي .