خطاب رئيس الجمهورية أمام الدورة العادية الــ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة

نص خطاب فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، أمام الدورة العادية الــ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على نبيه الكريم

سيدي الرئيس؛

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو؛

السيد أنطونيو غوتيريس الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة؛

أصحاب المعالي والسعادة؛

أيها السادة والسيدات؛

 

يطيب لي بداية، أن أتقدم بالتهنئة لسعادة السفير دينيس فرانسيس، لتوليه رئاسة هذه الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، متمنيا له التوفيق، وشاكرا سلفه، صاحب السعادة شابا كوروشي، على حسن إدارته للدورة السابقة.

كما أود كذلك الإشادة، هنا، بما يبذله الأمين العام للأمم المتحدة، السيد أنطونيو غوتيريس، من جهود قيمة، في سبيل تعزيز دور الأمم المتحدة، وتحقيق أهدافها.

أيها السادة والسيدات؛

إن عالمنا، اليوم، تجتاحه أزمات حادة ومتنوعة، تؤكد، بفعل تداخلها، وتغذية بعضها لبعض، وشمول آثارها السلبية للجميع، وإن بنسب متفاوتة، عمق ترابط مصائرنا جميعا، وحاجتنا الملحة إلى الإسراع في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، طبقا لما التزمنا به، جماعيا، في إطار أجندة 2030.

فلا شك أن تقدمنا في تنفيذ هذه الأهداف، لا يزال، من حيث السرعة والشمول، دون القدر الذي نأمله جميعا، ويتطلبه عمق وتنوع التحديات الراهنة.

ويمكن القول، إجمالا، إن هذا التقدم، يظل في الغالب، خاصة في الدول النامية، مترددا بين البطء، والتعثر، والتراخي.

ويشهد بذلك ما نلحظه جميعا، من تنامي الفقر، والبطالة، والأزمات الصحية والغذائية الحادة، والتضخم المنذر بالركود الاقتصادي، وتفشي العنف، والإرهاب، والنزاعات المسلحة الهدامة، والتردي المتسارع للوضع البيئي لكوكبنا.

لكن، على الرغم من قتامة هذا المشهد، لا يزال الأمل في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، قائما، لكنه أمل رهين بقدرتنا الجماعية على تدشين مسارات جديدة للتعاون المتعدد الأطراف، وتصحيح ما تنطوي عليه، منظومة المساعدة الإنمائية من اختلالات، واستحداث آليات أكثر نجاعة في توفير الموارد الضرورية لتمويل التنمية المستدامة.

ولذا، فإن الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة، ذات أهمية بالغة، لما تتيحه، من مراجعة، عند منتصف المسار، لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة، والتداول حول أمثل السبل، لتسريع وتيرته.

أيها السادة والسيدات؛

إننا، في الجمهورية الإسلامية الموريتانية، جعلنا من تحقيق أهداف التنمية المستدامة، موجها عاما لجهدنا التنموي، كما هو جلي في استراتيجيتنا للنمو المتسارع والرفاه المشترك، التي تشكل الإطار المرجعي، لعملنا الإنمائي العمومي.

ولقد تمكنا بفضل ما بذلنا من جهود كبيرة، على الرغم من ظرف دولي وإقليمي غير موات، من تحسين مؤشرات العديد من أهداف التنمية المستدامة في بلادنا.

فقد كافحنا الفقر والهشاشة والإقصاء، من خلال بناء شبكة أمان اجتماعي واسعة، تعزز صمود مواطنينا الأكثر هشاشة، وتدعم قدرتهم الشرائية، بصيغ متنوعة، وتوسع الضمان الصحي الاجتماعي على نحو يؤدي، تدريجيا، إلى ضمان صحي شامل.

كما أجرينا إصلاحات هيكلية، تساعد على بناء اقتصاد متنوع، أقوى صمودا، وأقدر على خلق فرص العمل وإنتاج القيمة المضافة، وعززنا الحكامة في المجال الاقتصادي، والمالي، والنقدي. مع الحرص على ترقية قطاعاتنا الإنتاجية، من زراعة، وصيد، وتنمية حيوانية، سعيا إلى تعزيز أمننا الغذائي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي.

وإن هذا المجهود الإصلاحي، هو الذي مكن من تحقيق نمو اقتصادي في حدود 6.4 % السنة الماضية، وهو الذي مكن كذلك من تحسين نسب النفاذ إلى الخدمات الأساسية: فتم توسيع عرض الخدمات الصحية، وبلغت نسبة النفاذ، إلى الماء الصالح للشرب 72,33 %، وإلى الكهرباء 91,84 % في الوسط الحضري و53% على مجمل التراب الوطني، مع زيادة حصة الطاقات المتجددة في مجمل الاستهلاك الطاقوي، حيث وصلت إلى 34% سنة 2020 مع التخطيط للوصول إلى نسبة 50% سنة 2030.

وقد اتسعت آفاقنا في هذا المجال بفضل برنامج واسع لتطوير الهيدروجين الأخضر، هو الآن قيد الإطلاق، سيوفر مصدرا بديلا ومستداما لطاقة نظيفة، ويمكننا من تحقيق الهدف الذي رسمناه في مساهمتنا المناخية الوطنية المراجعة، والمتمثل في خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 11%.

وإننا لنعلق آمالا كبيرة على قمة المناخ COP 28 المقرر عقدها في دولة الامارات العربية المتحدة راجين أن تحترم الدول الصناعية التزاماتها في خفض الانبعاثات الحرارية والوفاء بتعهداتها في قمة باريس.

ويكمل جهدنا هذا في التحول الطاقوي، عمل دؤوب على مكافحة التصحر، والتغيرات المناخية وعلى استعادة توازن منظوماتنا البيئية، وذلك في إطار مبادرة السور الأخضر الكبير واللجنة المشتركة لمكافحة آثار الجفاف في الساحل، والعمل على ترقية الاقتصاد الأخضر.

ثم إننا منحنا عناية كبيرة للاستثمار في رأس المال البشري: فتم رسم وتنفيذ، برامج عديدة، لتكوين الشباب وتأهيله، وتمكينه من ولوج سوق العمل، وحمايته من الغلو والتطرف، بالإضافة إلى برامج أخرى، خاصة بتمكين المرأة، وإشراكها بقوة في الحياة السياسية، وتسيير الشأن العام.

ويجري حاليا العمل على تنفيذ إصلاحات واعدة، لمنظومنا التربوية، تهدف إلى بناء مدرسة جمهورية، تتيح لكافة أبنائنا، الاستفادة من تعليم ذي جودة عالية، في ظروف حسنة، متماثلة.

هذا علاوة على جهودنا في إرساء دعائم دولة القانون، والحكامة الرشيدة، وتوطيد اللحمة الاجتماعية، وترسيخ الحريات الفردية والجماعية.

فقد حرصنا على ترقية حقوف الإنسان، وحماية حقوق المرأة والطفل، وحاربنا الاسترقاق في أشكاله العصرية ومخلفاته القديمة، على نحو أثمر نتائج جد إيجابية، يقر بها شركاؤنا وكذلك الهيئات الدولية ذات الاختصاص.

كما اتخذنا من الحوار، والانفتاح على الجميع، نهجا ثابتا في تدبير الشأن العام، وأطلقنا إصلاحا عميقا للمنظومة القضائية، ترسيخا لاستقلالية السلطات وتكريسا للفصل بينها.

وطورنا، كذلك، الآليات الكفيلة بمحاربة الفساد، في مختلف جوانبه.

وقد زادت كل هذه الإصلاحات من قوة دولة القانون لدينا، ومن حيوية نظامنا الديمقراطي، وشفافيته.

وما كنا لنحقق هذه النتائج، لولا أن وفقنا في توفير الأمن والاستقرار، على عموم التراب الوطني، على الرغم من المحيط الإقليمي والدولي الشديد الاضطراب.

فقد تبنينا استراتيجية أمنية مندمجة ومتكاملة، هي موضع إشادة من الجميع، وساهمنا في العمل على استعادة الأمن والاستقرار في شبه المنطقة عبر مجموعة دول الساحل الخمس، التي نتولى اليوم رئاستها الدورية، كما نشارك في قوات حفظ السلام الأممية في جمهورية إفريقيا الوسطى، ونحتضن أكثر من 100 ألف من أشقائنا الماليين اللاجئين بفعل الاضطرابات الأمنية.

وقد ظلت تؤطر جهودنا في العمل على تحقيق السلام، والأمن، إقليميا ودوليا، سياسة خارجية قائمة على أساس حسن الجوار، والاحترام المتبادل، والتعاون البناء، وتغليب الحوار والتفاوض، والالتزام بالمواثيق، والمعاهدات الدولية، والوقوف إلى جانب القضايا العادلة.

وفي هذا السياق، فإنني، أجدد من هذا المنبر، تأكيدنا على حق الشعب الفلسطيني، في إقامة دولة مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية، وفقا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية، وكذلك تمسكنا، بالحلول التي تحفظ الوحدة الترابية، وترسي دعائم الاستقرار، والأمن، في كل من ليبيا، واليمن، وسوريا.

كما ندعو، إلى بذل كل الجهود الممكنة، لوقف الأعمال القتالية، بشكل دائم، وفعال، في جمهورية السودان، والتأسيس لحل سياسي شامل، في هذا البلد الشقيق. مؤكدين وقوفنا إلى جانب الحكومة الصومالية، في سعيها إلى تحقيق الأمن والاستقرار.

ونجدد موقفنا الثابت من نزاع الصحراء الغربية ودعمنا لجهود الأمم المتحدة ولكل قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، الرامية إلى إيجاد حل مستدام ومقبول لدى الجميع.

كما ندين بشدة، ظاهرة الاسلاموفوبيا التي تشوه الإسلام وتبث الشقاق والكراهية بين المسلمين والغرب، بوجه خاص.

وإننا، لنعبر، كذلك، عن قلقنا، من استمرار الحرب في أوكرانيا، داعين إلى حل تفاوضي، يأخذ بعين الاعتبار انشغالات كل الأطراف، ويحترم القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة.

وإننا لنعبر عن رفضنا لكل أشكال الاستيلاء على السلطة بطرق غير دستورية، داعين دول الساحل الشقيقة، التي شهدت انقلابات عسكرية للإسراع في العودة إلى وضع دستوري سليم.

أيها السادة والسيدات؛

إننا لنعي، جيدا، أنه لا يزال أمامنا الكثير مما يتعين إنجازه لتحقيق أجندة 2030، وأن ذلك يتطلب من الموارد المالية ما يفوق، بشكل هائل، ما نحن قادرون على تعبئته ذاتيا، شأننا في ذلك شأن مجمل الدول النامية، وخاصة الإفريقية منها.

ولو أن عبء المديونية خف على هذه الدول، وحصلت على استثمارات أكثر، أو على الأقل، على ما تعهد الشركاء به، علنا، من دعم، لكانت النتائج اليوم، أحسن مما هي عليه.

ولذا، فإننا ندعو، إلى إيجاد حل لمشكل المديونية، ومراجعة منظومة المساعدة الإنمائية، وتحفيز الدعم لصالح الدول الأقل نموا، والأكثر هشاشة وترقية التعاون المتعدد الأطراف.

أيها السادة والسيدات؛

إن منظمتنا، منظمة الأمم المتحدة، ترجمة مؤسسية لوعينا بوحدة المصير وإلزامية التعاون والتعاضد، في رفع تحدياتنا المشتركة، وفقا للقيم الإنسانية الجامعة.

وعلى هذا الاساس، يتعين علينا العمل، معا، وباستمرار على إصلاحها، لتصير مقاربتها للأزمات الدولية، يوما بعد آخر، أكثر توازنا، وإنصافا، ومراعاة للدول الأقل نموا، فيطرِد ازدياد ثقة الجميع بها، وتتحسن نجاعة عملها، في سبيل تعزيز السلم، والأمن الدولبين، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

زر الذهاب إلى الأعلى