من مذكرات وزير خارجية موريتانيا الأسبق محمد السالك
من مذكرات وزير خارجية موريتانيا الأسبق محمد السالك ولد محمد الأمين الصفحات: 101 – 102 – 103
“لكن الأسرة التي تمثل قناة “أم بي سي” MBC كانت، بكل بساطة تبحث عن ذريعة لمهاجمتي، لأن أحد أفرادها كان من بين الذين تم استدعاؤهم إلى الإدارة المركزية في إطار حركة تنقلات عادية لعدد من موظفي وزارة الخارجية، تمت في يونيو 2007. كنت أجهل تماما الهوية الشخصية للموظفين الذين تم استدعاؤهم لأني وضعت معايير موضوعية تطبق على كل من تتوفر فيه هذه المعايير، دون استثناء. ولم يطلع رئيس الجمهورية ولا الوزير الأول على هذه التحويلات إلا بعد نشرها. وللأمانة لم يتدخل أي منها أبدا في أمور من هذا القبيل. وقد جاءني كل من عبد الله ولد محمدي، وولد اجدود، وطلبا مني إعادة النظر في استدعاء قريبهما. وقد أجبتهما بأن قراراتي مبنية دائما على اعتبارات موضوعية، وأنني لن أتخذ إجراء استثنائيا، يتناقض مع قاعدة متبعة، وقلت لهما إنهما سيقدمان لي خدمة كبيرة إذا نشرا على الملأ قراراتي التي تتناقض مع هذا المبدأ. وبعد عدة أيام جاءني ولد اجدود في قاعة الشرف بالمطار، وعرض علي أن يضع تحت تصرفي شبكة الاتصالات الخاصة بهم، مقابل تحويل قريبهم إلى إحدى السفارات.
وفي ردي، أكدت له من جديد تمسكي بالمبادئ التي تحكم سياستي في مجال تسيير الموظفين، موضحا أنه لا حاجة لي بشبكته. ويبدو أن مراسلي الـMBC قد تعودوا ابتزاز المسؤولين، ممن يخافون أن يرمى بهم طعما للرأي العام إذا لم يلبوا رغباتهما، ولم يتصوروا تبعا لذلك أن “أتجرأ” على إمضاء حركة تحويلات جديدة لموظفي الوزارة دون ألبي طلبهما. وقد خاب أملهما عندما فعلت ذلك غداة سفري إلى أديس بابا يوم 25 يناير 2008.
كنت في قاعة اجتماعات مجلس وزراء خارجية الاتحاد الإفريقي عندما رن هاتفي، فإذا بصوت شخص مجهول يؤدي التحية بأدب قبل أن يسألني عما إذا كنت قد أجريت حركة تحويلات لموظفي الوزارة، طلبت من الشخص الموجود على الخط أن يقدم نفسه، فدر محدثي بأنه المدعو ولد اجدود. قلت له بحدة: ليس لك أن تتصل بي هاتفيا، ولا أن تسألني على هذا النحو، ثم أنهيت المكالمة على الفور. وعندئذ بدأ ولد اجدود وولد محمدي يعدان العدة للثأر مني، وجاءت زيارة المبعوثين المغربيين، بعد عدة أيام، لتوفر لهما الفرصة لإطلاق حملة مغرضة ضدي. وقد وجدت هذه الحملة صدى لدى الرأي العام، بسبب “قرب” ولد محمدي من أوساط مغربية معينة. وأنا لا أستبعد من جهة أخرى، أن يكون مدير ديوان الرئيس قد أعطى، بصفة شخصية، موافقته على هذه الحملة، أو أن يكون سماسرة آخرون ممن لا يتورعون عن استخدام أقذر الأساليب للفوز برضى القوى الأجنبية، قد ساهموا في هذه الحملة على طريقتهم الخاصة.
يزعم كاتب المقال الذي أطلق الحملة أنني بقيت لصيقا، طوال إقامتي في أديس بابا بوزير خارجية الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، محمد سالم ولد السالك. والواقع أنه لا يوجد ما هو أكذب من هذه الفرية، ليس لأني كنت أتحاشاه عن قصد، إذ لا يوجد ما يبرر ذلك، فموريتانيا تتعامل على رؤوس الأشهاد مع قادة البوليساريو، بل لأني، بكل بساطة كنت أحضر القمة الإفريقية للمرة الثانية فقط، وكنت حريصا على أن ألتقي بأكبر عدد من زملائي، وأن أنظم أكبر عدد من اللقاءات بين الرئيس ونظرائه، وقد أكون التقيت وجها لوجه مع السفير المغربي في أثيوبيا أكثر مما التقيت مع ولد السالك، ذلك لأن السفير عبد الجبار إبراهيم الذي لا يمكنه حضور اجتماعات الاتحاد الإفريقي، كان موجودا في غالب الأحيان في صالونات فندق هيلتون حيث يقيم كثير من الوفود.
والواقع أن اللقاء الرئيسي بيني وبين ولد السالك قد تم قبيل ساعات من مغادرتي أديس أبابا، ذلك أن السفير محمد عبد الله ولد ببانا جاءني ليقول لي إن الأمين العام لجبهة البوليساريو يرغب في مقابلة الرئيس. وبما أنه علم مؤخرا بمغادرة الرئيس أديس أبابا، فقد كلف الوزير ولد السالك بأن يسلمني رسالة موجهة إليه. وكان الرئيس قد ناقش قبل ذلك مع محمد عبد العزيز اقتراحا مغربيا يتعلق بإمكانية ربط بلادنا بشبكة الكهرباء، وبالكابل البحري عن طريق الصحراء الغربية. هذه المسألة تمت مناقشتها بين الرئيس والوزير الأول غداة تنصيب الحكومة. وقد أشركاني في التفكير حول هذه المسألة. تتمثل الفكرة في أن عملية الربط على هذا النحو ستكون مفيدة لبلادنا في القريب العاجل، لأنها ستسمح لنا بالتغلب على الإكراهات التي كنا نواجهها، من خلال ربط شبكتنا بشبكة قوية قادرة على تلبية احتياجاتنا الداخلية. وفي المقابل، يمكن أن يتم، في حال ما إذا كانت مناجم الغاز قابلة للاستغلال على الجانب الموريتاني، مد أنابيب لتزويد السوق المغربية. مثل هذه المنشآت منسجمة مع أهداف اتحاد المغرب الغربي، وتعتبر استباقا للاندماج المغاربي المنشود، دون أن يؤثر إنجازها على حياد بلادنا، أو على الحل النهائي لمسألة الصحراء الغربية. غير أنه تم التفاهم على ألا يتم اللجوء إلى هذا الحل إلا في حالة ما إذا كان مفهوما ومقبولا من طرف جميع الأطراف المعنية.
وكان الوزير الأول قد عرض هذه الفكرة في عام 2007 على مبعوث صحراوي، ثم على الرئيس مباشرة على الأمين العام لجبهة البوليساريو في شهر فبراير 2008. وقد طلب هذا الأخير مهلة للتفكير، وعندما أراد أن يطلع الرئيس على رده، الذي كان بالمناسبة سلبيا، وجده قد غادر إلى نواكشوط، وعندئذ كلف ولد السالك بتسليم الرد”.ه