ما هو المشروع الحضاري القومي العربي؟(١)/ إشيب ولد أباتي

إشيب ولد أباتي /
ما هو المشروع الحضاري القومي العربي؟(١)

سؤال طرحه أحد الإخوة في آخر مداخلته في النقاش المشترك حول مقال الدكتور، المفكر، الوزير محيي الدين عميمور – أطال الله في عمره – تحت عنوان ” رسالة الى المؤتمر القومي العربي”.
والذي يهمني في الموضوع، هو تقديم مدخل للإجابة على السؤال الذي وضعته عنوانا لهذا المقال، وقبل الاجابة عليه لاحقا في مقالات تالية، أرى أنه من الناحية المنهجية، ينبغي الإجابة على السؤال السابق عليه، وهو المتعلق بالنهضة العربية، متى قامت النهضة العربية؟ وما هي العوامل التي تمكن من استكناه نشأتها، وتطورها، لنصل الى مرحلة الحداثة التي طرح فيها الإشكال المتعلق بالمشروع الحضاري القومي العربي.
ففي علم الاجتماع التاريخي، والنظرية الاجتماعية المعاصرة، ارجعت الظواهر الاجتماعية، والثقافية، وكذلك الحوادث التاريخية الى عدة عوامل، متغيرات، وبناء على ذلك، نتساءل عما هي العوامل التي يمكن الإشارة إليها بخصوص أواليات النهضة العربية.. ؟
ولعلنا نأخذ باقتراح أحد مؤرخي الفكر العربي في تحقيبه لانهضة العربية من(١٧٣٩ -١٩٣٩م ) (١)، والمنظرين فيه..
أما الحيز المكاني ، فهو موزع على المراكز الحضارية العربية العديدة، وهذا يؤكد النظرة القومية التي ترى أن الوطن العربي وحدت مجتمعاته التيارات التاريخية، كوحدته الجغرافية، والديموغرافية التي تختلف في الظروف الاجتماعية، والتفاوت الثقافي، ولكن لا تلبث المراكز الحضارية أن تدخل في دورة التفاعل مع بعضها البعض في التفاعل المشترك بينها وبين الاطراف، تاثيرا وتاثرا خلال كل متغير مستجد، ومن ذلك تأثير تيار النهضة العربية الأولى لنظام حكم( المرابطون)، الذي قاد التغيير من موريتانيا الى المغرب، والأندلس لمواجهة التفكك السياسي في الأول، وصد حروب “الاسترداد ” الصليبية في الثاني خلال مائة سنة ابتداء من منتصف القرن الخامس الهجري/ العاشر الميلادي.
والسؤال الذي يهمنا الاجابة عليه، هو: ما هي عوامل النهضة العربية؟ ومتى بدأت الشرارة الأولى لتيار الوعي العام للأمة الذي وجه اجيالها تفكيرا، وافعالا مقاومة لمواجهة التحديات الداخلية، كالتخلف الاجتماعي والفكري، وكذلك لصد التحديات الخارجية، والاحتلال الاجني، وبلورة رؤى عديدة للإصلاح الديني، لتنقية الرؤى من التشويه الذي نتج منه فهم المعتقد، والشعائر اللذين انصهر فيهما الكثير من القيم، والأعراف خلال الأربعمائة سنة من الانحطاط الثقافي، والحضاري ، والتخلف السياسي خلال حكم الأتراك للمجتمعات العربية، وممارسته البائسة دون جدوى على “اتركة” الشخصية العربية الحضارية التي ديس عليها ، كما طمر تراثها، وصودر تاريخها، ودورها في الانتشار الحضاريي الذي لم يكن للاتراك نصيب فيه، وعوضوا عنه بالحيف الاجتماعي، والقهر الذي أبان عن وحشية النظام التركي الذي توارى تحت شعار الدين، وأبت افعاله الا ان تفضح زيف تدينه المخادع .. ؟
اما العوامل، فهي:
أ- حركات الإصلاح الديني: واقتصر على ثلاث منها، و
الوهابية، والمهدية، والسنوسية.
ب – استجلاب آلات الطباعة، واحياء التراث العربي.
ج- مواجهة العدوان الخارجي ممثلا في:
الأسطول التركي بعد هزيمته سنة (١٧٧٧م) أمام الأسطول الروسي، حيث حاولت قيادتاه السياسية والعسكرية التعويض عن هزيمهما بتسجيل انتصارات على شواطئ المتوسط في فلسطين، لكن واجهتهما لأول مرة حركة مقاومة بقيادة ” ظاهر العمر الزيداني” في مدينة ” عكا ” سنة( ١٧٧٥م).
وعزز هذا الاتجاه المناهض للنفوذ العسكري التركي فيما بعد، القائد الوحدوي ” ابراهيم باشا ابن محمد علي في هزيمته للقوات التركية في شبه جزيرة العرب، كما في سورية..
مواجهة الاحتلال الفرنسي بقيادة نابليون بونابارت في كل من مصر وفلسطين.
كذلك مقاومة الاحتلال الفرنسي للجزائر (١٨٣٠)وتونس،(١٨٣١) والمغرب، وسورية، ولبنان، وموريتانيا في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر..

د – حركة التصنيع: فقد كان التفاعل قاىما بين مجتمعات شاطئ المتوسط في التجارة بين المراكز الحضارية، ومن عوامل التفاعل، والتأثير بفكر النهضة ومنجزات الثورة الصناعية التي انتقلت بسرعة، لذلك كان من عوامل النهضة العربية انتقال حركة التصنيع ، وانتشارها مبكرا في كل من المدن العربية التالية: حلب سنة ١٨٣٨ (٢) ، وعكا، ثم حيفا، وبيروت، ودمشق عل التوالي، وإنشاء الصناعة العسكرية في مصر على عهد محمد على باشا، ومدرسة المهندسين في تونس على عهد خير الدين باشا، الى جانب البعثات العلمية، والادبية..

ه–اء – انتقال حركات المقاومة العربية الى مفاعيل الثورات من جهة التخطيط، والتنظيم، والتسليح، كما تجاوزت حدودها الوطنية الى القومية، والدولية، ومثالها :
ثورة(م١٨٨٢) التي قام بها المرحومان محمد عرابي، ومحمود سامي البارودي، ضد الانجليز.
وثورة( ١٨٠٨- ١٨٨٣) القاىد المرحوم الأمير عبد القادر الجزائري، ضد الاحتلال الفرنسيين.
وثورة (١٩١٩- ١٩٢٦) القائد المرحوم عبد الكريم الخطابي، وهي المعروفة تاريخيا بتعرفين ” ثورة الريف” ، و”جمهورية الريف”، وكانت ضد الاحتلالين الاسباني، والفرنسي في المغرب، وقد ظلمت هذه الثورة، وقائدها الذي أسره الفرنسيون، وارادوا نفيه الى مستعمراتهم في آسيا، ولكن الشعب العربي المصري العظيم، فك اسره عند مروره بقناة السويس، وبقي في مصر معززا مكرما، حتى قامت ثورة ٢٣ يوليو، فشرفت عبد الكريم الخطابي برئاسة مكتب المغرب العربي لحركات التحرير في المغرب العربي..
وعن ثورة الريف حري بنا تقديمها للقارئ العربي في الاقتباس التالي، من كتاب الدكتور محمد ابن عبد الكريم الخطاب وجاء فيه :(( كانت حركة واعية ومنظمة .. واعية لطبيعة الظروف التي عاش فيها المغرب منذ نهاية القرن التاسع عشر، وحتى مطلع القرن العشرين .. ومنظمة: لأنها بدأت وفق أسس فكرية، وسياسية، مهدت للانطلاق العمل العسكري المقاوم لتحقيق الأهداف الوطنية منذ عام (١٩٢١)، وحتى عام(١٩٢٦ م)
وتيار الثورات العربية، كان متزامنا مع المتغيرات، وذلك لصد الاحتلال بعد تقسيم الوطن العربي في اتفاقية ” سايكس – بيكو” الاجرامية في حق أمتنا، وقد تصدى لها القوى الحية في الامة .. وقبل تداعياتها، بدأت المقاومة في كل من الصومال وليبيا في (١٩١٢- ١١) ضد الاحتلال الإيطالي، وفي بلاد الحرمين الشريفين، قامت الثورة العربية الكبرى(١٩١٦م) ذات الرؤية القومية، وسريعا ما خرج قادتها الى المراكز الحضارية الكبرى ومجتمعاتها الأكثر وعيا حينئذ، كالعراق، وسورية، والأردن..
وقامت الثورة ضد النفوذ التركي، وتلاها ثورات وطنية ضد الاحتلالين الانجليزي والفرنسي، فيما حصل في مصر سنة (١٩١٩م) ، و ثورة العشرين (١٩٢٠م.) في العراق، والثورة القدس في فلسطين سنة (١٩٢٠م) ضد الاحتلال – الانتداب الانجليزي والصهيوني، ثم تلا ذلك ثورة ١٩٢١ في سورية ضد الاحتلال الفرنسي بقيادة المرحوم القائد السلطان باشا الاطرش، وجاءت ثورة ١٩٣٦ في فلسطين كرد حاسم، و قوي المراس طيلة ستة اشهر ضد الاحتلالين الصهيوني والانجليزي وذلك بعد استشهاد الشيخ المرحوم عز الدين القسام الذي قاوم الانتداب الفرنسي في سورية، ثم الانجليزي – الصهيوني في فلسطين..

و – فكر النهضة العربية:
هناك العديد من التيارات الفكرية التي عبر كل واحد منها عن اتجاه فكري، ولعل الوقوف على نتاج كل شخصية، احرى تقديم فكر التيار الواحد، يستدعي من الجهد والوقت ما يعجز عنه باحث واحد، فضلا عن انه قد لا يكون مطلوبا لقراء الموقع ” رأي اليوم ” لذلك اكتفي بالإشارة إلى عناوين التيارات الفكرية، ومنها:
التيار الأدبي ومن اشهر رواده “شبلي اشميل(١٨٥٠- ١٩١٧م)، وهو الذي ادخل نظرية ” داروين” في النشوء والارتقاء، ومن الرواد ” جورجي زيدان (١٨٦١- ١٩١٤) في الكتابة التاريخية والأدبية، والصحافة، والرواية …
وهذا التيار الفكري هو عنوان لمدارس لشعراء فطاحل،، في ” الرابطة القلمية” و” والرابطة الأندلسية “في في جنوب، وشمال امريكا، وانتم اليه العديد من الشعراء من سورية، ولبنان، وفلسطين، ومن روادها جبران خليل جبران الشاعر الثائر، والأديب الروائي، والمصلح الكبير، والرسام الرائع…
والتيار الأدبي مدارسه، يذكر منها مدرسة “الاحياء” الأدبي ومن روادها محمود سامي البارودي، ومعروف الرصافي، وحافظ ابراهيم . وشوقي، وكذلك “مدرسة الديوان” للثالوث: العقاد، والمازني، وشكري..ومدرسة البيان في النثر الأدبي التي رادها كل من مصطفي المنفلوطي، وطه حسين،، والمدرسة ” المتفائلة” ، الرومانسية : ومن روادها ابو القاسم الشابي، الشاعر الثائر..

التيار القومي العروبي ومن رواده عبد الرحمان الكواكبي الذي ترك كتابين : “طبائع الاستبداد، ومصارع الاستعباد”، و” أم القرى” وفي الأول نقد فيه التخلف السياسي، والممارسة العملية للحكم العثماني التركي ومظاهر تخلفه، ومناهضته للأمة العربية، بينما في الكتاب الثاني نادى بدولة الوحدة الاسلامية وعاصمتها “مكة” المكرمة، وقادتها من العرب، ووزراؤها من مختلف الاقطار الاسلامية..
ومن رواد هذا التيار ابن خلدون ساطع الحصري، وجماعة مؤتمر باريس، وقد طرح فيه ضرورة الاستقلال القومي عن الحكم التركي،بينما شباب المغرب العربي، أسس جمعية “نجم شمال افريقيا”، وذلك اثناء فترة دراستهم في فرنسا ، ولعلهم طرحوا فيما بعد فكرة المغرب العربي بعد استقلاله..
تيار التجديد في الفكر الديني وهذا التيار من ابرز قادته المرحوم الشيخ محمد عبده، وشيخه المرحوم جمال الدين الافغاني الثائر، والجدير بالذكر هنا هو دور الشيخ محمد عبده في ثورة عرابي، لأن الأخير، ومحمود سامي البارودي،كانا من تلاميذة الشيخ، وعلى أثر تلك المشاركة في الثورة نفي الى فرنسا، ومنها إلى لبنان، واستقر في بيروت، وله رسالة في ” التوحيد” بث فيها رؤاه في الإصلاح الديني؛ والفكري، وهذا التيار الديني فعله دور حركة العلماء في الجزائر كابن باريس، وغيره، وكذلك دور الحركة العلمية في فاس بالمغرب التي تصدت للمشروع التقسيمي الفرنسي تحت عنوان ” الظهير البربري” ومن موريتانيا انطلق – و من جامع الأزهر – محمد محمود ولد التلاميذ الشنقيطي في مؤتمر “السويد” في( ١٩٠٨م) حيث قاد حملة ضد الحكم التركي في بلاد العرب ..
التيار الماركسي: وهذا التيار من عبر عن فكره الاشتراكي الراحل سلامة موسى..
كما كان لتيار الترجمة دور كبير في تشكيل الوعي، وتجديد الثقافة العربية بالاطلاع على الفكر الفلسفي والسياسي والادبي بأنواعه من شعر ومسرح، وفنون..
حركة التمدين، وكان للتجمعات الحضرية المتنامية في المدن العربية دور كبير في التعليم، والنهضة..
اخيرا :
لعل القارئ ، سيلاحظ عدم التقيد بالترتيب التاريخي لدور الشخصيات التي دمج فكرها خلال رصد العوامل التي ركز عليها الدارسون في تتبع تنامي مظاهر النهضة العربية في القرنين الثامن عشر، والتاسع. عشر والثلث الأول من القرن العشرين ..
أن الهدف من هذا المقال، هو الاطلالة على معالم النهضة العربية، وفاعلية الاستنهاض بقابلية القوى الحية في المجتمعات العربية للقيام بالأدوار المتميزة التي إن دلت على شيء، فإنما على النضال المستميت من اجل التجاوز بالامة ماضي التخلف السياسي، والاجتماعي، والثقافي والحضاري.. وفي مواجهة الاحتلالات الاستعمارية التي سنرى الى أي حد كان الفكر العربي المعاصر، يتمحور حول محاربة: التجزئة، واحتلال فلسطين، وذلك للمطالبة تارة، والعمل اخرى لانجاز الاستقلال الوطني، والقومي، والعدالة الاجتماعية، في سبيل الوحدة العربية، وإقامة المشروع الحضاري القومي العربي؟

زر الذهاب إلى الأعلى