قـــراءات حــرة.. مـــواقــــع التواصــل الاجتماعي.. سؤال الجــــذور والجــســــور!

قـــراءات حــرة..

مـــواقــــع التواصــل الاجتماعي.. سؤال الجــــذور والجــســــور!

 

لم تعد مواقع التواصل الاجتماعي مجرد مواقع على الإنترنت يتصفحها المبحرون على الشبكة العنكبوتية عرضاً، وإنما تحولت مع مرور الوقت إلى ظاهرة ذات أبعاد اجتماعية بالغة التعقيد، يثور حولها الجدل في مختلف أنحاء العالم، وتنقسم بصددها الآراء بين مؤيد مدعٍ أنها قد حققت ثورة في التواصل بين أفراد المجتمع الإنساني، وفتحت آفاقاً جديدة غير مسبوقة لنشر الأخبار والفرص والمعارف والمهارات والتجارب، من دون قيود أو حدود، ومعارض منتقد بشدة لهذه الشبكات يرى أنها عديمة المصداقية في معظم الأحيان، كما أنها ككل صور فائض التواصل الرمزي والرقمي الأخرى تأتي على حساب التواصل بالمعنى الحقيقي الحسي بين أفراد المجتمع الواحد، والتعارف الثقافي الإنساني الأوسع بين أفراد البشرية جمعاء. وبين هذين الرأيين الحدِّيين، توجد أيضاً آراء أخرى كثيرة متفاوتة في الِحدة والشدة والاحتفال والاحتفاء بهذه الشبكات. وسعياً لتبصير وتنوير الجمهور العريض بخلفيات هذه الشبكات، وأنسب الطرق لاستخدامها لتحقيق تواصل اجتماعي بمعنى التفاعل الإيجابي المفيد للفرد والمجتمع يأتي كتاب: «هل شبكات التواصل الاجتماعي أصدقاء لنا؟»، الصادر عن مجموعة مؤلفين أكاديميين فرنسيين هم جيلي دونويل وأريك ديلكروا وسيرج برو، وكلهم أساتذة جامعيون ومؤلفون مشهورون في مجال تقنيات الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي. وتقوم فكرة هذا الكتاب على عرض رأيين أحدهما مؤيد بقوة لاتساع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي ولذلك يسعى لإبراز إيجابياتها وحجم الثورة الاتصالية والإعلامية التي تكشّفت عنها، والآخر متحفظ على الأوجه غير المهنية وعلى انعدام المصداقية وكثرة حالات إساءة الاستخدام الموجودة في كثير الأحيان في فضاء هذه الشبكات. وبعد عرض الرأيين يعرض المؤلفون أيضاً رأياً وسطاً، يبدو موجهاً لمستخدمي هذه المواقع نحو الاستخدام الأمثل والأفضل لها.

وفي البداية يعود المؤلفون مع ظاهرة الإعلام والتواصل المعاصرة نفسها إلى جذورها التاريخية والاشتقاقية، مبرزين في هذا المقام، أن السمة التكنولوجية والتجديدية ظلت دائماً هي الثابت في مجال الإعلام منذ نهاية القرن التاسع عشر، وقد كان ذلك دائماً محل جدل لجهة تأثيراته الإيجابية أو السلبية علي العلاقات الاجتماعية، وعلى مصداقية فن الإخبار والإعلام أيضاً. فحين تطورت شبكات سكك الحديد في نهاية ذلك القرن، كان ذلك حينها يعتبر ثورة اتصالية كبرى، لأنها حرقت مراحل السفر بالمفهوم التقليدي، وكذلك كان أيضاً حال التوسع في استخدام التلغراف، ثم الهاتف، والإذاعة، والتلفزيون، وصولاً إلى شبكة الإنترنت والعالم الرقمي الذي أوجد عالماً أو واقعاً افتراضياً موازياً للعالم والواقع الحسي المعيش. وهذا العالم الموازي، أو الافتراضي، هو ما تجد مواقع التواصل الاجتماعي اليوم مكانها في حقله الدلالي، وإن كانت تسمية «شبكات التواصل الاجتماعي» نفسها، للمفارقة، سابقة أيضاً بكثير على ظهور شبكة الإنترنت، وإتاحتها للجمهور العريض منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي. ذلك أن هذه التسمية، بحسب المؤلفين، تعود إلى منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، حيث تم صك هذا المفهوم في دراسة على شبكة العلاقات الاجتماعية في بلدة في غرب النرويج، حيث لم يركز الباحثون السوسيولوجيون حينها على دراسة المتغيرات وقواعد البيانات الخاصة بكل فرد من سكان البلدة كالنوع والعمر والدخل والمهنة.. الخ، بل درسوا شبكة علاقاته التواصلية مع بقية السكان، وتأثير ذلك على سلوكه ومستويات تفاعله الاجتماعي مع الآخرين.

وفيما يخص شبكات التواصل بالمفهوم الحالي يقول المؤلفون إنها في الحقيقة تعود إلى منتصف تسعينيات القرن الماضي، حيث تعتبر شبكة Sixdegrees التي أطلقت في عام 1997 هي أول شبكة تواصل اجتماعي رقمي لكونها اقترحت على مستخدميها إنشاء بروفايلات، وقوائم أصدقاء ومعجبين، ومن خلال ذلك الإبحار من بروفايل إلى آخر. ثم توالى بعد ذلك ظهور مواقع التواصل التي بلغت الذروة مع الفيسبوك بقرابة مليار من المستخدمين، وكذلك 150 مليون مستخدم آخرين على تويتر أو لينكدلن. ومنذ ذلك التاريخ تتوالد هذه الشبكات كجسور للتواصل، وتزداد مجالات استخدامها، من طرف الأفراد والقطاعين العام والخاص في مختلف دول العالم في مجالات الإعلام والترفيه والإعلان، وصولاً إلى ظهور ما سمي «المواطن الصحفي» وتعاظم حجم الاعتماد عليها أحياناً كمصادر للأخبار والمعلومات وقواعد البيانات، وهو ما طرح من جديد، بطبيعة الحال، سؤال المصداقية، كما فتح نوافذ اختراق وأتاح منصّات انطلاق لإساءة استخدام هذه المواقع، في الإساءة، والعنف، والجريمة، وغير ذلك من صور سلبية معتادة، لاستخدام التقنية بشكل عام. وفي مواجهة هذا التحدي يستعرض المؤلفون ما يمكن اعتباره مدونة سلوكية إيجابية للاستفادة من الفرص والجوانب الإيجابية في مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي، وتجنب الجوانب السلبية، والعمل على كبحها وتوعية الجمهور العريض بضرورة تجنبها ومواجهتها بأسلوب حازم وحاسم.

 

حسن ولد المختار

 

الكتاب: هل شبكات التواصل الاجتماعي أصدقاء لنا؟

المؤلفون: مجموعة مؤلفين

الناشر: دار موسكادييه

زر الذهاب إلى الأعلى