الضرورة لتحديد المفاهيم، واستعادة كتابة التاريخ لاحقا.. (4) / – إشيب ولد اباتي.

الضرورة لتحديد المفاهيم، واستعادة كتابة التاريخ لاحقا.. (4)

/ – إشيب ولد اباتي.

في الفترة الحالية، تثار أسئلة تشحذ الهمم، وتدعو الباحثين للنظر في المستجدات المعرفية، والتاريخية، ومن الأخيرة [الاتفاقات] التي ابرمها الفرنسيون مع أمراء، ورؤساء القبائل خلال القرن التاسع عشر، ومهدت للاستعمار المباشر، كما وردت في مقال الدكتور [ سيدي احمد بن الأمير ] المنشور في موقعي ” الرائد” و” موريتانيا الآن “..
إن المعلومات الصادمة في تلك الاتفاقات، هي التي سيعتمد عليها المؤرخان الموريتاني، والعربي عموما، باعتبارها وثائق سياسية، حفظها الأرشيف الإداري، وهي تستحق التوثيق، والتسليم بما فيها من حقائق مؤلمة لقاصري النظر من قادة البلاد حينئذ من أمراء البلا ورؤساء عشائرها…
ولا مندوحة عن إعادة كتابة التاريخ على أساس ما جاء فيها خلال الفترة المذكورة..
ونتمنى، ان تتسع صدور القبليين والعشائريين، أولئك الذين اظهروا ميولهم في الفترة الحالية من أجل استبعاث النظم الأميرية في محاولة لاعطاء من لا يملكون، لمن لم يقم بما يشرف المجتمع في تاريخه.. أحرى أن يستحق على المجتمع اتباعه على طريقه الخيانية، خلاف ما روج له المرجفون من محاربة الاستعمار الفرنسي في حين، أن قادة الأمراء والقبائل، سلموا رقاب المجتمع ليركتس تاريخه على اعقابه، ويعيث المحتل الفساد الى وقتنا الحاضر..

ولعل معرفة المجتمع الحالي بتاريخه في الفترة السابقة، أن تحد من التعلق غير المبرر بالتكوين الاجتماعي القبلي العام، وما ترتب عليه من استدامةحالة التفكك الاجتماعي، ولانقسام منذ القرن التاسع عشر – على الأقل -.
وقد حال دون تكوين جبهة موحدة لمواجهة المحتلين سابقا، ويؤسس لحالة التفكك الأفقي بين الجهويات، والفئويات التي تضاعف من منسوب التوتر الحاصل حاليا..
إن أهم مظاهر المعرفة بالتاريخ، هو تسيد الوعي الذي يؤدي الى” الانفصال عن الطبيعة” – على رأي هيجل الفيلسوف الألماني- ، وكذلك ضرورة خلع الولاء لمجتمعي الأمس، واليوم معا، وهما على حالتي التخلف الاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والانحطاط الحضاري المتزامنين..
ذلك، أن المعرفة إذا لم تنعكس على الرؤى، وترفع حجب الوهم عن العقول، و تساعد على طرح التعصب خلف الجميع بعد طول الانقياد الأعمى للجهل المطبق الذي، حاصر اهله بالعداوات فيما بينهم، وأدى الى الخيانات العظمى بعقد الاتفاقات الخيانية التي حرمها الشرع مع القوة الاحتلالية التي، رفعت في وجه مجتمعنا الحالي، وحراكه الاجتماعي بمختلف اتجاهاته، ونظامه السياسي، كرافعة للتطور والتقدم.. كل هذه العوامل يجب تفعيلها بعد التعرف على هذه الحقائق التاريخية المؤلمة – في الاتفاقات – التي تتحدث عن نفسها، وذلك لاقناعنا بالاستسلام، كما استسلم قادتنا في الزمن الغابر، ولكن يجب أن نتخذ من هذا درسا لتعزيز الوحدة الاجتماعية، ونشر الوعي للوقوف على سلبيات الولاءات التي حفرت بؤرا لهذه الانقسامات منذ قرنين، ولم يتقدم المجتمع فيهما قيد انملة، ومن ثم يلزم عقد العزائم على تطوير الوعي السياسي، والعمل على تغيير مجرى التاريخ الظالم في حق مجتمعنا الذي تحكم في تطوره تلك الاتفاقات المشينة، والعمل على القطيعة مع تلك الفترة، وما يرمز اليها من سلوك كل مداهن، ومهادن، ومستسلم، وباحث عن مصالحه الشخصية، أو الفئوية، أو القبلية، او الجهوية، أو العرقية..
ولذلك،و تاسيسا للأتجاه الذي يسعى لاستحداث كتابة واعية للتاريخ الاجتماعي، والثقافي، حاولت في هذا المقال لتصحيح بعض المفاهيم التي اضحت من المسلمات لدى الباحثين في تاريخ نهضة المجتمع قي القرن الخامس هجري/ العاشر ميلادي، غير أن الباحثين، لم ينقبوا في تراثنا الثقافي بما، يكفي من اجل التمكن من تصحيح المعلومات التي ترسخت في الأذهان، وليس لها سند، او مبرر للتمسك بها، واول المحاولات تتعلق بتحديد دلالة المفاهيم، كمصطلح (المرابطون)، وتسمية المجتمع مذ قام بين ظهرانه النظام السياسي لنشر الاصلاح السياسي، وتأسسه للنهضة العربية الأولى في اقطار المغرب العربي مجتمعة، انطلاقا من تأسيسه لمشروعه السياسي، والاجتماعي والثقافي في بلادنا..
فلمن أحق بالرجوع اليه من مصادر التاريخ لمعرفة هذه النسبة( المرابطون)؟
وخلال قراءة استطلاعية في الثقافة العربية، استوقفتني كتابات [ القاضي عياض رحمه الله ] في ” التراجم لعلماء المالكية”، فوجدته عرض للدور التاريخي ل” عبد الله بن ياسين” رحمه الله تعالى،، وأسباب خلافه في رحلته الأولى نحو مجتمع الملثمين الذي استقدم إليه من طرف امير لمتونة عبد الله بن عمر، و نظرا لتركيز بن ياسين على الجانب الاصلاحي، فقد اختلف مع جماعة من المجتمع – كان لها ثقلها الاجتماعي على الأرجح – وذلك في الأمور التي تتعلق بالاعراف، والثقافة التي، تتناقض مع رؤيته الاصلاحية، ولذلك ثاروا عليه ، واحرقوا منزله، ورجع الى زاوية شيخه في منطقة “السوس” بالمغرب، وتلك الزاوية التعليمية أسماها[ القاضي عياض] ب ” الرباط”، وبعد مراسلة شيخ ” الرباط” الزاوية الدينية مع أمير لمتونة، ارسل الأخير وفدا، لاسترجاع عبد الله بن ياسين، وذلك بعد أن اخذ منهم شيخ الزاوية الدينية ميثاقا على الطاعة لابن ياسين..
وبهذه المعلومات الموجودة في كتاب القاضي عياض – كان على عهد [علي ] بن يوسف بن تاشفين قاضي القضاة في مراكش – تكون نسبة (المرابطون)، قامت على أساس المشروع السياسي الثقافي الديني، وليس على أساس المكان ” الرباط” باعتباره مكانا للمرابطة الافتراضية حسب تقدير معظم المؤرخين، وربما انهم بنوا تقديراتهم على قياس خاطئ، لانهم لم يفرقوا بين دعوة اصلاحية، مكان اهلها من الدعاة، هو داخل المجتمع، وذلك للتأثير في افراده، وليس خارجه في رباط منعزل، ووجه القياس المفارق بين الدعاة المصلحين، وبين الفاتحين الذين اقاموا رباطات عسكرية غير بعيدة عن المدن تمهيدا لفحتها ، ومن ذلك مدينة “ولاته” التي كانت رباطا عسكريا ل[أبي بكر اللمتوني] ، وجيشه الذي استقدمه لمحاربة ملك “غانا”، وكان الرباط يبعد 25 فرسخا عن” كومبي صالح”. حسب بعص المصادر التاريخية – وسأوثقها فيما بعد – .

والسؤال الذي اطرحه للنقاش، وابداء وجهات النظر، لمن له وجهة نظر، يمكن ان يفيد بها القراء في المواقع الافتراضية، هو :
هل سيتم التعامل مع هذه المعلومة الثقافية، والتاريخية بالثقة التي عند اهل الفكر بالقاضي عياض، لما عبرت عنه كقامة دينية سامقة بعلمه الواسع، وتآليفه العميقة، الأمر الذي سيترتب عليه تصحيح نسبة دولة (المرابطون) الى المشروع الاصلاحي السياسي، وليس الى المكان الذي زعم بعض المؤرخين، انه كان مركز انطلاق للمشروع الذي قاده عبد الله بن ياسين، الملهم السياسي للدولة التي اعتبرها الدكتور [ الدكتور أحمد محمود رحمه الله تعالى] من مصر في خمسينيات القرن الماضي، و [ الدكتور مصطفى الزباخ] في المغرب، وغيرهما كثير من كتاب الوطن العربي، بتوصيفاهم القيمة لحكم (المرابطون ). وكونه اظهر “صفحات مشرقة” من تاريخ الأمة في المغرب العربي نظرا لتأسيسخ – الحكم – للنهضة العربية الأولى في المغرب العربي – فضلا عن دفاعه عن الاندلس – بدلا من دولة الفاطميين قبله ودولة الموحدين بعده..
وهل موثوقية المعلومة الصادرة عن ” القاضي عياض” في كتابه المذكور ستوجه الباحثين في مجتمعنا، ليستقبلوها، او سيحصل العكس حين يرفضونها مع العجز عن تقديم ما يجرح شهادة القاضي عياض التاريخية هذه، ويؤثرون عليها ما ذكره كل من ” البكري” في” المسالك والممالك”، وكذلك “ابن خلدون” وغيرهما كثير عن” الرباط” الذين اعتقدوا، أنه كان في جزيرة، وتارة على ضفاف النهر، علما أن” البكري” لم يتنقل من مدينته ” الميريا” في الاندلس لجمع معلومات لمؤلفه، و” المسالك والممالك”، وذكر مصادره التاريخية، ومراجعه فى الروايات المتداولة التي وصلته عن البلاد الأخرى حينئذ، و من الأخيرة تلك المعلومات الشفوية عن( المرابطون) حيث كتب في الفترة السابقة على انتقال قيادتهم السياسية، والعسكرية من مجتمع الملثمين بعد اثنتي عشرة سنة، اسسوا خلالها نظاما سياسيا وفق دعوتهم الاصلاحية، كما نظموا شؤون المجتمع السياسية، واستجمعوا منه قوة عسكرية، توجهوا بها الى المغرب لاسقاط انظمة الإمارات، فوحدت المجتمع المغربي بحكم نظام سياسي كان عادلا تحت قيادة يوسف بن تاشفين السياسي العادل ، الحازم في مواجهة اعدائه الذين كان، يهزمهم حين يتوعدهم، كما فعل مع “الفونسو ” في الرسالة التي رد عليه بها، بأنه” سيرى، ما لم يسمع عنه”.

بينما كانت كتابات ابن خلدون،
التاريخية مجهولة المصارد، وهذا اضعفها في نظر المؤرخين القدماء والمحدثين، ومن عوامل ضعفها، أنها كتبت في القرن الرابع عشر الميلادي بعد خمسة قرون من سقوط حكم (المرابطون)، وما ذكره ابن خلدون عن رباطهم، يمكن ارجاعه الى قياس ابن ياسين، وهو داعية اصلاحي على جيوش الفاتحة في بداية الدعوة المحمدية – كما ذكر سابقا – فضلا عن محدودية ما كتبه عن تاريخهم، إذ لم يتجاوز الصفحتين في بعض المطبوعات من كتابه” العبر”.؟
(يتبع)

زر الذهاب إلى الأعلى