اعتذار تحت الضغط! …ا

اعتذار تحت الضغط!
…ا
اعتذر الطالب، “اجميلُ افْ ما يْعدَّلها”، ما من خيار أمامه.

لا أذيعُ سرا أن جيل اليوم فاسد اللسان، لا يعرف التوقير، وأنه جد مدلّل ومستريح ومعاق، وأنه يمارس العبودية المالية والعاطفية على ذويه.
لن أقول إنَّ المستويات ضعيفة، بل سأقول إنَّ ثلاثة أرباع من التلاميذ يعجزون عن تهجية سليمة، وإنهم يعانون صعوبة في التعبير وفي المهارات اللغوية وفي تجميع الأفكار، وإنهم لا يبذلون جهدا لفهم العلوم أو لتحصيل ثقافة عامة،.. هو يا سادتي سقوط حر في المستويات على كل المستويات ومنذ سنوات.
ومع ذلك، يواصل الأهالي عبث الاحتراق المالي والنفسي لتمويل منظومة تربوية فاشلة، ومافيوية،.. وأقول مافيوية لأن أباطرة سنوات الباكالوريا من أساتذة الأسماء اللاّمعة في سوق الاستنزاف العبثي يَزيد دخلهم الشهري على المليون، وأضعاف ذلك لأصحاب المؤسسات، مقابل تلقين التلاميذ المواد العلمية كما تُلقَّن المتون، وتحفيظهم تمارين الدورات السابقة بالتكرار الآلي ودون فَهْم يُذكر، لكن أيضا مقابل تبصيرهم في طرق الغش، والهائهم بالحصص المسائية وبلعبة التخرّصات والتنبؤات، لإيهامهم بمعرفة الأسئلة المحتملة للباكالوريا.. البكالوريا اليوم بزنس ضخم يستنفد قوة وقوت الأسر!

على سبيل المثال، تتقن المدارس الحرة في الخفاء فنَّ هندسة لوائحها حين ترقيمها للباكالوريا، فتُجلس تلميذا ضعيفا عمليًّا مع آخر مقتدر نظريًّا “ليتكاملا” في الغش، فكلاهما قد دفع رسوم “الرغبة العمياء في الشهادة”، ثم لترتفع نسبة نجاح طلابها دعائيا، فترتفع نسبة الإقبال عليها في العام المقبل…لقد خُرقت كل القواعد الأخلاقية في المنظومة التربوية، صار الغش وسيلة مطلوبة ومحمية للنجاح، بعد أن كان صنو الكذب والسرقة والخداع.
التلميذ يريد الحصول على مبتغاه بأي وسيلة، المهم دون جهد،.. يريد التفوق دون مقابل ذهني، للحصول على شهادة من غير جدارة علمية، توفّر عملا من دون وجه حق.. ولذا تَستغل المدارس بحرفية نقاط ضعف الأولياء أمام رغبات الأبناء في الحصاد السهل، فتحلبهم حلبًا دون شفقة، رغم أنَّ نسبة النجاح تُزاحم العدم كل سنة،.. لا يهم!، ما دُمنا لم نصنِّفها “نسبة مقلقة”، فهي من المسكوت عنه في مجالٍ يُفترض أن يكون حيويًّا كالأمن والغذاء والبقاء!.

هذا، وضَعُف الأستاذ أمام التلميذ وأمام مُشغِّله، لقد رَوَّضاه، فلَهُما عليه سُلطة المال وسَطوته، وقد يُعزَّرُ باليَد “امنين إكثر لخبار”، وأقصى اعتبار له، تضامن بعض ضُعفاء الفيس مُدَّة ساعات.

هل يُتوقّع في واقع كهذا أن يكون التحصيل التربوي من الأخلاق أفضل من التحصيل المعرفي؟.. التدليل السّام للمراهقين والعزلة المتزايدة مع الشاشات، واهمال الحوار، وسوء الإدارة الراشدة لاستبدادهم المزاجي على أهلهم، والافتقار أحيانا إلى السلطة الأبوية في ظل الانشغال بالكد، أو الهجر وفوضى الطلاق، قلَّص من قدرة التعاطي البشري بين الأبناء وأوليائهم ومحيطهم، وحدّ من التزود بالقيم السليمة في جو سليم، فانبعث جيل من الانتهازيين الاستهلاكيين، الجاحدين والكسالى.. مع سوء أخلاق نوعي.. أغلب هذا الجيل وقح!

قرأت اعتذار التلميذ المتهافت!، أي منطق يقبل أن تكون الإساءة تسلية أو تعبيرا مشروعا عن الضيق؟، اللهم إلا في بنية اجتماعية ونفسية مختلة،..
هذا التلميذ المتنمر باعتزاز الصوت والصورة، مرآة عاكسة لتربيتنا وتهذيبنا وتعليمنا .. والمرض يتعمّق.. لقد تقيأ المراهق غضبه حين أعيته الإجابة في الامتحان (الابتلاء السنوي)، متناسيا أنه ببساطة قصَّر واستسهل ولم يذاكر شيئا، واعتمد على تخرُّص مُبتَدع منسوب افتراءً للأستاذ، وبَدَل التَّحسر على إرادته المتعطلة، انفجر بذاءات على الأستاذ.. هذا المدلل يريد نجاحا مجانيا دون عرق!.

عذرا سيدي المصطفى ولد اگليب نيابة عن القيم التي تحتضر.

تحياتي.

الدهماء

زر الذهاب إلى الأعلى