شاهد من أهلها:كان صيدو” سياسي ومعارض بارز مكث 13 عاما في منفى اختياري في فرنسا.
شاهد من أهلها
“كان صيدو” سياسي ومعارض بارز مكث 13 عاما في منفى اختياري في فرنسا.
“صيدو” عضو مؤسس في جبهة تحرير الأفارقة الموريتانيين (افلام) وقد استقال من هذه الجبهة بعد خلافات مع رفاقه حيث اعتبر أنها لم تعد تنسجم مع أفكاره وقناعاته وأنها لم تتوصل إلى تكتيك مناسب لطرح قضية الزنوج.
هذه فقرة من مقابلة أجراها معه موقع “صحراء ميديا” سنة 2005 يبين فيها وجهة نظر الطرف الآخر
/
صحراء ميديا: كنتم أحد أقطاب حركة “أفلام” ثم أعلنتم مؤخرا تخليكم عنها وانضممتم لتنظيم “ضمير ومقاومة” لماذ؟
كان صيدو: أنا لم أكن مجرد عضو في حركة “افلام”، وإنما كنت عضوا مؤسسا. في النطاق الذي يأبى استمرار التباين العرقي، الثقافي اللغوي، السياسي الاقتصادي.
ظلت موريتانيا تمثل دائما بجزء واحد من هويتها. والحال ان الدولة الموريتانية – شئنا ذلك أم أبينا – مبنية في الأساس على مجتمعات مختلفة ومتكاملة.
إن بناء موريتانيا ينبغي أن يأخذ في الحسبان جميع ثقافاتها وحضاراتها ولغاتها وتاريخها ليشكل من من ذلك كله هويتها الحقيقية.
لماذا تعرضت موريتانيا، في رأيك، منذ نشوئها لما تعرضت له من مشاكل؟!
لم تكن مشكلتها في التموقع الاجتماعي والسياسي، وإنما في أن مجموعة من المواطنين وقعوا ضحية الوطنية الضيقة، وبدل ان تلعب الدولة دورها كحكم، تحولت إلى ركيزة تعتمد عليها الحركات القومية المأدلجة بأفكار تعبث بالبلد. ولابد من أن تكون الدولة فوق مستوى التناقضات، لتتمكن من الحكم بين الخصوم وتنظيم الحياة الاجتماعية. ولكن الدولة استقالت من مهمتها ، وتركت الساحة لصراع القوميات والقوميين فكان لابد لـ “الحر” من أن يولد ليطرح قضية العبودية، وللزنوج الأفارقة ، الذين ليسوا بالضرورة عربا من ان ينتظموا لينافحوا عن هويتهم مثل العرب الذين استطاعوا ان ينتظموا بشكل جعل هويتهم تؤخذ بعين الاعتبار.
ماذا يعني ذلك؟
إنه يعني فشل الدولة في الأخذ بزمام الأمر لتصلح ذات بين الموريتانيين، على أساس ما دعا له المختار ولد داداه مؤتمر ألاگ حين قال: “لنن” جميعنا الوطن الموريتاني. نحن حلقة وصل بين العالمين العربي والافريقي” فظهرت بوادر أزمة كبير جراء قولته، فهناك سياسيون رجعيون وغير وطنيين ينبغي من وجهة نظري عزلهم طفقوا ينسفون ما تم بناؤه
علينا ان نتحلى بالشجاعة، وأن ننظر في عيون بعضنا البعض، لنتصارح ونتصالح ونبني معا. ولنا مثال يحتذى في ذلك، فحكيمنا “ديلول” الذي رفض الهجرة مع اعل شنظورة وولد رازگه الى المغرب، ويقي بين ذويه من العرب والزنوج والبربر، قال لهم: إن بلادي التي أعيش فيها كبؤبؤ العين لا يستغني سوادها عن بياضها ولا بياضها عن سوادها، من أجل حصول الرؤية. فهذا التزاوج والترابط بين مكونات العين هو موريتانيا بالنسبة لي.
عن تاريخي الأسري، جعلني ذلك البياض، وجعلني كذلك ذلك السواد، فكيف لا تتفطر مهجتي لما يمزقنا فنحن جسر بين الحضارات نمثل الشرق والحضارة العربية الإسلامية والعالم الإفريقي، وحتى أوروبا التي غزوناها معا ، نحن المرابطين، وانتصرنا في معركة “الزلاقة” على “ألفونسو السادس” عام 1086. لقد شارك التكرور في هذه المعركة مع الجيش الإسلامي أسسنا معا حركة المرابطين بقيادة ملك التكرور المسلم “وارا جابي انجاي”، وفتحنا أوداغست، وفتحنا معا غانا 1076م ، وأسسنا مدينة مراكش، وقد بقي ابن “وارا جابى” “وليدي صال” مع يوسف ابن تاشفين في المغرب، بينما عاد الإمام “أيا كان” مع أبي بكر بن عامر، صحبة الإمام الحضرمي. لقد ارتبط تاريخ هذه الشعوب منذ أمد طويل وتشابك مصيرهم.
هذا التمازج هو ما جعل “بكار ولد اسويد أحمد” و”عبدو باكاري كان” وغيرهم يحملون السلاح للدفاع عن وطنهم ضد الفرنسيين.
لقد أقمنا دعائم هذا البلد معا، واليوم ونحن لا نتجاوز 3 ملايين نسمة، ونتوفر على ثروات هائلة، بإمكانها أن تغني كل المنطقة. الا يمكننا أن نتفاهم؟
ريما لأن هنالك أناساً لا يريدون الخير للبلد !
وهكذا أنشأنا “حركة الاتحاد الديمقراطي الموريتاني” التي تفككت فيما بعد إلى عدة حركات ثم ساهمت مع غيري في إنشاء “جبهة تحرير الأفارقة الموريتانيين” (افلام) ولكنها بالنسبة لي لم تتوصل إلى تكتيك مناسب لطرح القضية، فالطريقة التي كانت تطرح بها (افلام) قضيتها لم تناسب مطلقا مع قناعاتي وأفكاري، ولا أقول هنا إنهم لم يكونوا على حق فقد كان قمعهم دليلا على صدق توجهاتهم. لكن الطريقة التي اتبعوها لم تكن المثلى فكانت لها نتائج عكسية سلبية، ذلك أنهم في تلك الفترة اصطدموا برجل ينقصه الذكاء في التعامل بسلاسة وهدوء مع مثل هذه القضايا المصيرية، فهذه المسائل وجدت قبل وصول ولد الطايع إلى السلطة، وقد كان بإمكانه لو وُفّق أن يستشير الحكماء في كيفية معالجتها، أو عدم معالجتها أصلا ولكن القمع وتوجيهه بشكل عنصري همجي ضد عرق بعينه من الشعب الموريتاني لم يكن الحل البتة.
سأجيب على هذا السؤال: لقد كنت من اقترح تشكيل مجلس استشاري وطني في العام (1979) إلا أن تشكيلته أثارت خلافا حادا، حيث ضم 82 من العرب مقابل 18 الزنوج وكان ذلك خطأ فادحا .
لقد أردنا أن نجلس معا للحوار في ما بيننا، فالله خلقنا عربا وزنوجا، بيضا وسودا، هذه إرادة الله ومشيئته، وليس لنا سوى الرضى بقضائه وقد بين لنا الله قيمة الإنسان بقوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
فقد جعل الله مقياس الأفضلية بيننا هو درجة التقوى. فلماذا نظل عاكفين على أصنام العرق والطائفة والتراتب الطبقي، علينا أن نزيل كل ما له علاقة بالعنصرية والانطوائية والانعزالية، وأن نحطم أوثانها بكل شجاعة.
وعندما انسحبت من تنظيم (افلام) واصلت شق طريقي وفقا لقناعاتي وأفكاري، فكما أسلفت فأنا في تكويني الجيني حلقة وصل ما بين مكونات هذا الشعب كما هو الحال لكل فرد منا في هذا البلد.
وعندما أصدر تنظيم “ضمير ومقاومة” (إعلان العادلين) جاؤوا إلي يستشيرونني. بوصفى أكبر منهم سناً، فيما يمكن أن أقدمه للشباب الموريتاني، من إعطاء معنى للنضال من أجل موريتانيا حرة وديمقراطية وفي سبيل تحديد آليات رمزية لهذا النضال وبنفس الدافع ولد “التحالف الوطني” بعد سجن ولد هيداله وزملائه وبعد أن طالبنا قوى المعارضة بتوحيد مرشحها ، إلا أن التوافق لم يتم وفرّ كل واحد منهم على صهوة جواده، فما كان إلا أن تستبد إرادة ولد الطايع حين انبت حبل التواصل بين قوى المعارضة. ولد هذا التحالف في جو الاحتقان السياسي الذي عرفته الفترة ما بين يناير ومارس 2004 مشكلا من قوى مختلفة من الضباط والأطر ومن مختلف الأجناس والجهات، وقد دفع ذلك إلى طرح المسائل الجوهرية للنقاش وهو أمر إيجابي في رأيي فكل قضايا البلاد تعني الجميع، المسألة الوطنية والعبودية ومستقبل البلاد، فلا بد أن يشارك الجميع في حلها ، فأنا أرفض تقديم الحلول من طرف واحد.
…
كامل الود
سيد محمد