الصلاةَ عمادُ الإسلامِ وصلةٌ بينَ العبدِ وربّهِ وأوّلُ حقٍّ للهِ عزَّ وجلَّ يُسألُ عنهُ العبدُ يومَ القيامةِ
بسم الله والحمدُ لله والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين ، وبعدُ:
فإنّ الصلاةَ عمادُ الإسلامِ ، وصلةٌ بينَ العبدِ وربّهِ ، وأوّلُ حقٍّ للهِ عزَّ وجلَّ يُسألُ عنهُ العبدُ يومَ القيامةِ لقولِ رسولِ الله صلى الله عليه وآله
وسلمَ: (رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلاَمُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ)[رواه التِّرمِذِيُّ]، وتركُ الصلاةِ كفرٌ لقولِ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَ:(إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ)[رواهُ مُسلم] .
والصلاةُ محدَّدَةٌ بالوقتِ لقولهِ تعالى:(إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) [النساء:103].
ولو كانَ لأحدٍ أن يُعفَى من الصّلواتِ المكتوبةِ ، لأُعفيَ منها المقاتِلُ في ميدانِ القتالِ ، ولكنَّهُ أُمِرَ بصلاةِ الخوفِ وُجُوباً ، فغَيرُهُ أولى بإقامةِ الصلاةِ.
وجَعَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ الصلاةَ باباً للفرجِ والغُفرانِ ، لأنَّ العبدَ فيها يكونُ أقربَ إلى رحمةِ ربهِ وفضلهِ، فيُجدِّدُ لهُ العهدَ والميثاقَ ، ويسألهُ صلاحَ الدُّنيا والآخرةِ لقولهِ سبحانهُ : (واسجد واقترب)[العلق: 19] ، ولقولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ:(أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ)[رواهُ مسلم].
وإذا وقفَ العبدُ بين يدي ربِّهِ بحضورِ قلبٍ ، وحُسنِ توَجِّهٍ ، وبِخشُوعٍ وإخباتٍ، وتذَلُّلٍ وافتقارٍ ، ثمّ قرأ ما تيسّر لهُ من القرآنِ الكريمِ، وتدبَّرَ معانيَ الآياتِ والأذكارِ، واستشعرَ أنَّ اللهَ سبحانهُ يُخاطبهُ، ويأمرهُ وينهاهُ ليسَ بينهُ وبينهُ تُرجمانٌ.
كما قال عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضي الله عنهُ :” إذا سمعتَ اللهَ عزَّ وجلَّ يقولُ:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فأرعِهَا سَمعَكَ، فإنهُ خيرٌ يأمرُ بهِ أو شرٌ ينهَى عنهُ “[رواه ابن أبي حاتمٍ في كتابِ التفسير196/1].
فإذا استحضرَ العبدُ هذهِ المعانِيَ حصلت لهُ الخشيةُ وتعظيمُ أمرِ اللهِ عزَّ وجلَّ ، والاِتِّعاظُ بكلامهِ سُبحانهُ، فيقوى إيمانهُ ، وتقوى عزيمتُهُ على الاِنقيادِ لأمرِ ربِّهِ جلَّ وعلا ولاسِيما إذا ذَكَرَ الموتَ والبِلَى، وسُكنَى القبورِ ومُغادرَةَ القصُورِ، ومُفارقةَ الأحِبَّةِ والخُلَّانِ لقولِ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وآله وسلم:(إذا قُمتَ في صلاتِكَ فَصَلِّ صَلاةَ مُودِّعٍ)[رواه ابنُ ماجه].
وقد جعلَ اللهُ تعالى الصلاةَ عُنواناً للإسلامِ وللتَّوحيدِ والعبادةِ ، وشِعارًا للأُخُوَّةِ والوَحدَةِ والتَّعاونِ.
فالمُسلمُونَ يؤُمُّونَ مَساجِدهُم في أوقاتٍ معلومةٍ للصلاةِ والتعاونِ على صلاحِ دُنياهُم وأُخراهُم، وأهلُ الحيِّ الواحدِ بجتمِعونَ في الصلواتِ الخمسِ يوميًا، ويجتَمِعُ أهلُ الأحياءِ المُتقارِبةِِ أسبوعِياً في صلاةِ الجُمعَةِ، ويَجتمِعُ أهلُ كلِّ مدينةٍ مرَّتينِ في السَّنةِ في صلاتَي عيدِ الفطرِ وعيدِ الأضحَى، ويَجتَمِعُ حُجَّاجُ المُسلمينَ أيّامَ الحَجِّ الأكبرِ للصَّلاةِ في المسجِدِ الحَرامِ والطّوافِ بهِ، وتأديةِ المناسِكِ في المشاعِرِ المقدَّسَةِ، ولِيَشهدُوا منافِعَ لهُم كُلَّ عامِِ.
وعندَ إقامةِ الصَّلواتِ يرضى اللهُ عزّ وجلَّ، فتتنزَّلُ الرَّحماتُ والنَّفحاتُ، وتُدفَعُ الشُّرُورُ والبلايَا. ولِذلكَ شُرِعَتِ الصلواتُ لكسوفِ الشَّمسِ وخُسوفِ القَمرِ ، وللاستسقاءِ عندَ جدبِ الأرضِ ولغيرِها.
أمَا وقد رأينَا أثَرَ الصَّلاةِ في تجسيدِ الأُخُوَّةِ الإسلاميَّةِ، وتأثيرِها في ضَبطِ الظَّواهرِ الكَونِيَّةِ وانسِجَامِها بإذنِ اللهِ تعالى، وتأثِيرِها في حصُولِ المطالِبِ وبُلوغِ المقاصِدِ بإذنِ اللهِ تعالى، فكيفَ إذاً تنهى الصلاةُ عنِ الفحشاءِ والمنكرِ كما وردَ في قولهِ تعالى:(اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت:45]؟
نعم ، لقد وصفَ اللهُ تعالى الصلاةَ بأنّها تنهى عنِ الفحشاءِ والمنكرِ، ويتساءَلُ كثيرٌ منَ النَّاسِ متى ينتَفِعُ المرءُ بصلاتهِ حتّى تحجِزَهُ عنِ اقتِرافِ الذنوبِ والمعاصِي وتَحمِلَهُ على الطّاعاتِ والمَبَرَّاتِ؟
ولتحقيقِ مُرادِ اللهِ عزّ وجلَّ في هذهِ الآياتِ الكريماتِ فلا بُدَّ للمسلمِ أن يفهمَ أنَّ الصلواتِ الخمسِ في حقيقتِها مواعيدٌ رسميّةٌ(للهِ المثلُ الأعلى) خصَّصها اللهُ تعالى للمسلمينَ في أوقاتٍ محدَّدةٍ خلالَ اليومِ والليلةِ لتحقيقِ أهدافٍ عديدةٍ ، نذكُرُ منها أربعةً فيما يلي:
1- تجديدُ ميثاقِ الإسلامِ والتوحيدِ بين المسلمِ وربِّهِ عزَّ وجلّ، والالِتزامُ بالعملِ بِمقتضاهُ على منهجِ كتابِ اللهِ تعالى وسنةِ نبيِّهِ محمدٍ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلمَ لقولهِ تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) [الأعراف:173-172].
ولقولهِ سُبحانه:( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [الأحزاب:72].
2- ذِكرُ المُسلمِ لربِّهِ تعالى، ومُناجاتُهُ ، وطلبُهُ خيرَيّ الدُّنيا والآخرةِ لقولهِ سُبحانه:(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)[الفاتحة:1-5].
3- تنظِيمُ حياةِ المُسلِمِ ، وضَبطُ سلوكِهِ بينَ الصلواتِ الخمسِ، وأثناءَ أدائِها على الصِّراطِ المُستقيمِ حتى يكونَ عبداً صالحاً يُلحِقهُ اللهُ سبحانهُ بالذينَ أنعمَ عليهِم من النَّبيينَ والصِّدِيقِينَ والشُّهداءِ والصَّالحينَ وحَسُنَ أولئكَ رفيقاً لقولهِ تعالى:(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّال必利勁
ِّينَ) [الفاتحة:7،6]
4- مُحاسَبةُ المُسلِمِ لنفسهِ، ومُكاشَفَتُها بِشَفافِيَّةٍ وإخلاصٍ قبلَ الموتِ والعَرضِ الأكبرِ على اللهِ تباركَ وتعالى لقولهِ سُبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ . وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [الحشر:18-19].
ولقولِ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَ:(إذا قُمتَ في صلاتِكَ فصَلِّ صلاةَ مُودِّع)[رواهُ ابنُ ماجه].
ولقولِ سيّدنا عمرٌ رضي اللهُ عنهُ:”حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا ، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا ، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا ، أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ ، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ ، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ “[ابن كثير: تفسير القرآن العظيم213/8].
وللجوابِ عن الإِشكالِ المَذكورِ أقولُ: إذا أُدِّيتِ الصَّلاةُ على الوَجهِ الشّرعيِّ المطلوبِ فإنَّها تُحَصِّنُ صاحِبَها، وتَحجِزُهُ عنِ المُخالفاتِ في مِحرابهِ، وخلالَ حياتِهِ كُلِّها حتى يلقى ربَّهُ سبحانهُ بدليلِ:
(1)مُراقبةِ المُؤمنِ لربِّهِ سحانهُ فيما يأتي وما يَذَرُ لقولهِ تعالى:(ولَذِكرُ اللهِ أكبرُ)، (2)واستِشعارِهِ بشهادَةِ اللهِ على أقوالهِ وأفعالهِ لقولهِ جلَّ وعلا:(واللهُ يعلمُ ما تصنعونَ).
وقال أبو العاليةِ رحمهُ اللهُ تعالى في قولهِ عزّ وجلّ: (إنَّ الصلاةَ تنهى عن الفحشاءِ والمنكرِ) الآية، قال :” إنَّ الصلاةَ فيها ثلاثُ خصالٍ ، فكلُّ صلاةٍ لا يكونُ فيها شيءٌ من هذهِ الخِلالِ فليست بصلاةٍ : الإخلاصُ ، والخشيةُ ، وذكرُ اللهِ. فالإخلاصُ يأمرهُ بالمعروفِ ، والخشيةُ تنهاهُ عنِ المُنكرِ ، وذكرُ القرآنِ يأمرهُ وينهاهُ ” [ابن كثير:تفسير القرآن العظيم283-280/6].
وتلكَ هيَ مرتبةُ الإحسانِ التي قالَ عنها رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَ:(الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)[رواه البخاريُّ ومسلم]، وهِيَ المرتبةُ الثالثةُ من مراتِبِ الدّينِ ، ولا يَرقى إليها إلّا من تحقَّقَ بمَرتَبتَي الإسلَامِ والإيمانِ.
ولنضرِب مثلاً لمُراقبةِ المُؤمِنِ لربّهِ عزّ وجلّ كالآتي:
فعندما يؤدّي المسلمُ صلاةَ الصُّبحِ، ويخرجُ من محرابهِ إلى شؤونِ حياتهِ، ويُخالِطُ الناسَ، يأتيهِ الشّيطانُ يوسوسُ لهُ، فيدفعُهُ باستعاذتِهِ باللهِ منهُ، ويقولُ: عندي موعدٌ مع ربي في صلاةِ الظُّهرِ!! وقد تعَهَّدتُ في صلاةِ الصُّبحِ بين يديهِ سبحانهُ أن ألتزِمَ بأوامرهِ امتثالاً واجتناباً..فإذا خالفتهُ فبأيِّ وجهٍ ألقاهُ في الصلاةِ المُوالِيَةِ ، وبأيِّ لسانٍ أُناجيهِ، وهو يعلمُ السِّرَّ وأخفى ، وقد قال سبحانهُ:(مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا)[نوح:13].
– وقالَ تعالى عن شهادةِ الجوارحِ على صاحِبِها: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النور:24].
– وقال جلّ جلالهُ عن شهادةِ الملائكةِ الكِرامِ على بني آدمَ: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) [الإنفطار:14-10].
– وقالَ عزّ وجلّ عن شهادةِ المسلمينَ :(وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)[البقرة:143].
– وقال اللهُ تعالى عن شهادةِ الأرضِ على الناسِ:(يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا)[الزلزلة:4]، أي تَشهدُ على كُلِّ شخصٍ بما عملَ عليها من خيرٍ أو شرٍّ.
ثمّ يقولُ العبدُ: فأين المفرُّ من هؤلاءِ الشُّهودِ يا نفسُ! وأين الفرارُ إلاّ إلى اللهِ سبحانهُ!، يرى دبيبَ النّملةِ السَّوداءِ على الصَّخرةِ الصَّماءِ في الليلةِ الظلماءِ!
وكيفَ يُطيعُ المُؤمنُ الشيطانَ، وهُو عدوٌّ لهُ! ، وكيفَ تخدَعُهُ الدُّنيا وزُخرُفُها!، وقد علمَ غُرورَها وانقِلابَها بأهلِها! ولا يَصحَبُ مَيِّتَها شيءٌ من أشيائِها إلا كَفنٌ لا جُيوبَ لهُ! وقد قالَ الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر:6،5].
فعندما يستحضِرُ المؤمنُ هذهِ المعانيَ والحَقائِقَ في ليلهِ ونهارهِ، ويستصحِبُها في حركاتِهِ وسكناتِهِ ، فإنَّهُ يُقبِلُ على ربِّهِ عزّ وجلّ بيقينٍ وإخلاصٍ، ويزِنُ خواطِرَهُ بالقِسطاسِ ، ويُعمِّرُ أوقاتهِ بالطاعاتِ والقُرباتِ.
ثمَّ إنَّ العبدَ إذا سَمعَ الأذانَ لصلاةِ الظهرِ يقولُ: مرحباً بذكرِ اللهِ تعالى وموعِدِهِ، ويُبَادِرُ إلى مَسجِدهِ بسَكِينةٍ ووقار، وهو مُرتاح الضَّميرِ، ومُنشرِح الصَّدرِ لأنَّ اللهَ تعالى حفِظَهُ بين الصّلاتينِ، وَوَّفقهُ للوفاءِ بما تعَهَّدَ بهِ في صلاةِ الصُّبحِ من طاعةِ ربِّهِ ، واتِّباعِ سُنَّةِ نبيِّه مُحمّدٍ صلى الله عليه وآلهِ وسلمَ في اقوالِهِ و أفعالِهِ وفي معاملاتِهِ كُلِّها.
ثمَّ يقِفُ بينَ يديّ ربِّهِ بحُضورِ قلبِهِ ، ويُناجيهِ بخُشوعٍ وإخلاصٍ ، ويُجَدِّدُ عهدَ الإسلامِ وميثاقَهُ .. ثمَّ يخرجُ إلى مَهامِّ الحياةِ على نيَّةِ لقاءِ ربهِ في صلاةِ العصرِ .. وهكذا دواليكَ يكونُ حالهُ ومراقبتُه للهِ عزّ وجلّ بينَ الصلواتِ حتّى يصلِّيَ العشاءَ، ويدفعُ عنهُ الشيطانَ في كُلِّ وقتٍ بما دفعَهُ بهِ في الحالةِ الأولى.. ثمّ يخلُدُ إلى النومِ على نيةِ لقاءِ ربِّهِ في صلاةِ الفجرِ وهَلُمَّ جَرَّا عملاً بقولِ اللهِ تعالى:(قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:163،162].
هذا ما تيسر بيانه، فاللهُمَّ أعنَّا على ذكركَ وشُكركَ وحسنِ عبادتكَ.
وصل اللهم وسلم على نبينا محمدٍ وآله وصحبهِ أجمعين
الشيخ بحيد بن الشيخ