التشرذم..ام التشظي..؟/محمد أمين
التشرذم..ام التشظي..؟
كتب العميد محمد فال بلال عن توجسه من نتيجة الاقتراع المقبل ،
وأوضح خشيته من تشرذم الساحة السياسية..
وتوقع ان يفرز الاقتراع الوشيك نتيجة غرائبية فقال :
“..وتشير معظم الدلائل إلى أنه سيكون برلمانا مبعثرا ومشتّتا ومقطع الأوصال، فيه 20 رأس لائحة مختلطة – و 20 رأس لائحة نساء – و 11 رأس لائحة شباب – و 3 من لوائح كوبني – و 3 من امبود – و 4 من سيلبابي – و 3 من نواذيبُ – و 3 من كيفه – و 3 من كيهيدي – و 21 رأس لائحة في نواكشوط، أي ما مجموعه 91 من رؤوس اللوائح موزعة بين 25 حزبا. وهو ما يقارب ثلثي (2/3) أعضاء البرلمان..”
يا للهول..
ان اسباب هذه الحالة المرعبة محصلة لسلسلة تنازلات مفخخة قام بها الرئيس السابق لاستمالة محاوريه خلال ندوات وحوارات العشرية المنصرمة ،
وسيؤدي تفاقمها حتما الى حالة غير مسبوقة في التعاطي السياسي الموريتاني.
اعتقد : ان الوزير محمد فال بلال توقف عن نقاش الاهم من تبعات هذه الحالة التي يتوجس منها والتي توقعها بوضوح..
ومن السذاجة بمكان، عدم الاكتراث بخبرة وطيدة كخبرة محمد فال ولد بلال،
فالرجل خارج للتو من اعلى منصب في ادارة ورقابة الاقتراعات…
وقد شغل مناصب حساسة كمدير الصياغة في وزارة الداخلية..
وشارك في تاسيس احزاب..
وقاد حملات كثيرة..
وانتخب مرات عديدة..
ويتمتع بحدس سياسي يحسد عليه.
لذلك فعدم الاهتمام بملاحظاته امر اقرب للتهرب من الحقيقة منه لعدم الاهتمام بها.
لذلك سأمنح نفسي شيئا من الحرية والاستفاضة قليلا..بناء على ملاحظات
وتوقعات ولد بلال..لاستشراف ما نحن اليه مقبلون..
من المعروف قانونيا ان الحكومة ستقدم استقالتها فور انتهاء الاقتراع..
وسيجد رئيس الجمهورية نفسه ملزما بتكليف شخصية ما.. بتشكيل حكومة ستتعرض فورا لاقتراع منح الثقة …فقد فرضت التعديلات الدستورية نيل الثقة بالتصويت ..
تصوروا حكومة ستعرض للتصويت امام برلمان لا اغلبية فيه لاحد..!
سيكون بمقدور هذا البرلمان المرقع.. رفض الحكومة المقترحة بسهولة ويسر..
تماما كما رفض مجلس الشيوخ السابق التعديلات الدستورية التي شطبته من الوجود.. اذ خلال التصويت السري سيتذكر السياسي والسياسي غير المصنف مصالحه الخاصة.. وقناعاته الحميمة اكثر من اقواله وعهوده المنطوقة امام سطوة الحكم وهيلمانه…
نعم… سيكون عسيرا التفاهم مع كل نائب ، دخل حزبا سياسيا بيوم قبيل اغلاق ملفات الترشيح، دخله انسجاما مع قانون غير مدروس وغير منصف فرضه على تحزب زائف.
وحين يعي نواب الصدفة هؤلاء صلاحياتهم الدستورية..
سيقع الاستئساد والتورم ..
ان السيناريو المربك، بل والاكثر كارثية، يتسنى في ادخال البلاد في اتون ازمة غير معهودة.. خصوصا ان الدستور يحظر حل الجمعية الوطنية لمدة سنة..
وبذلك ستجد موريتانيا نفسها وحتى الانتخابات الرئاسية المقبلة في وضعية مضطربة وهشة من الناحية الدستورية والمؤسسية…
اذا تم الحصول على اغلبية ائتلافية من هذا الكشكول العبثي.. وتمكن الحكم من تأليف حكومة ما فانها ستكون مهزوزة.. حيث سيكون بمقدور اي عدد من النواب سحب الثقة برفض قانون هنا او هناك..
واقالة الحكومة في اي لحظة.
وينفتح بذلك الباب امام المماكسة المستمرة.. والمراوغة والتسيب الاخلاقي…
لن اخوض في تاثير هذه الوضعية على الاستقرار السياسي..
ولا على الولاية الثانية لرئيس الجمهورية الحالي.. الذي اظن بل اجزم انه ما زال يتمتع بمصداقية جلية ومقبولية كبيرة عند الموريتانيين..
هذا هو ما يستطيع العاقل قراءته من بين سطور الوزير محمد فال ولد بلال.
وهذا هو سبب توجسه وخشيته..
والشفيق مولع بالخشية ومسكون بالتوجس..
انه يخشى على بلدنا من وضعية مجحفة يحصل فيها الحزب الحاكم على اغلبية الاصوات ويخسر اغلبية المقاعد..؟
بسبب تنازلات ارتهن بموجبها حاكم طائش مستقبل الناس..
للحصول على تصفيقات آنية..
اذا تخيلنا ان الحزب الحاكم عجز عن اغلبية المقاعد.. او عن اغلبية مضطردة اي اغلبية يمكن استكمالها بحزب او حزبين… فسنكون امام حالة تشرذم تقترب من الثلثين كما توقع الاستاذ محمد فال بلال..
الوضعية ساعتها.. ستكون اقرب ما تكون.. للمنعرج العشوائي …
وضعية المنعرج العشوائي لا خاسر فيها ولا رابح…
لغط..ومساومات ..وهرج.
أمام هذه الوضعية فأنا اطالب رئيس الجمهورية.. واطالب كل النخب العاقلة والمسؤولة بتعطيل هذا الاقتراع او على الاقل تأجيل الانتخابات البرلمانية.. وحتى اجراء اصلاح دستوري يلغي النسبية نهائيا من قاموس السياسة الموريتانية واعتماد منظومة القوائم مكان المقاطعات وفتح الباب لحكامة مستقرة.
ان الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية تسمح له بالتوجه مباشرة لشعبه..
ومصارحته بخطورة الالغام التي ترك لنا نظام العشرية..
اذ لا اسمى من الحقيقة..
والحقيقة ان موريتانيا بلد متوتر ، ويقع في منطقة متوترة ، ولا يصلح لأن يكون حقلا لتجارب عدمية وغير مفيدة بتاتا…ومن يتغافل عن هذه الحقيقة الماثلة سيكون مسؤولا يوم غد عن تداعياتها..
وسيندم حين يكون الندم حسرة ووبالا..
بطبيعة الحال.. ساكون فرحا لو رافقت تلك المراجعة الدستورية تنقية ما للساحة السياسية من التنظيمات المحظورة قانونا.. كالاحزاب الفاشيستية الظلامية والعنصرية.
وبذلك يكون تأجيل البرلمانيات منعطفا تاريخيا في السياسة الموريتانية يجنبها المزالق والعثرات ويفتح الباب لمستقبل آمن ومزدهر..
ان الوضع الدولي الحالي يسمح بوقفة تأمل ..
ولنا في ذكاء شعبنا..ما يكفي لاحداث اجماع حقيقي حول ديمقراطية حاذقة ومستقرة.
ولله الامر من قبل ومن بعد..