برلمانيون مرعبون.. تعقُّبٌ أمنيٌّ سابق. ..
برلمانيون مرعبون.. تعقُّبٌ أمنيٌّ سابق.
…………ا
بعد المُحاولة الانقلابية لفرسان التغيير 2003 ، كُنَّا نمضي أغلب وقتنا في المكاتب في تقليب مَواجع الانقلاب، وكيف اقتحموا علينا خلوتنا يوم عطلة، حين جرَّب الفرسان أن يشتموا ولد الطائع بقاذفات الدَّبابات.
معلوم أنَّ المحاولة -رغم فشلها- كانت مرعبة في مدينة قَلَّما تُسمع فيها فرقعة الألعاب النارية، .. وخلَّفت أضرارا بشرية ونفسية سيئة على سكان انواكشوط، وفُوبيا من صوت الرَّصاص، .. لكن الفشل في القاء القبض على قادة الانقلاب خلَّف غصَّة رسمية، ورُعبًا شعبيًّا، امتزج بالكثير من الدّعاية السّلبية بوصفهم مجموعة دمويَّة مُسلَّحة تتنقل بين الأحياء الشعبية…
ظهرت صورة يتيمة لصالح ولد حننه بزيّ تمويه عسكري داكن، يحمل عُدَّة تدخين تقليدية، ولم ترتبط في خيالي بصورة البطل، بل ربما بصورة من يَطلبُ شهرة سَريعة التَّحضير .. أما محمد ولد شيخنا فاشتركتُ وإيّاه مرة في عمل مؤقت خلال زيارة رسمية وكان ضابطا رزينا صامتا، ويُقال إنّه مثقف جدا.
بعد أيام من الانقلاب كشف لي عنصر من الأمن مشارك في عملية “الإنبحاث” الجارية عنهم عن صورة “بورتريه” لعبد الرحمن ولد ميني، فحوَّل بها حياتي إلى جحيم، لم أسمع بالرجل من قبل، كانت صورة لرجل أسمر جدًّا، حاد النظرات، نابت العُنق، ووراءه خلفية من القماش الأحمر.
كادت الصورة أن تُسبِّب لي التهابًا في العقل،.. حيث بدأتُ أسقط ملامحه على كل رجل أسمر، وأحُدِّقُ بِبَلاهة مُخجلة في كلِّ مارٍّ، أعُدُّ فقرات عنقه وأقارنها بتفاصيل الصُّورة المنطبعة في ذهني…
تولَّد لديَّ في تلك الأجواء نوع من الخوف غير الحميد،.. خصوصًا وأنَّ زميلي وجاري في المكاتب، والذي هو من فئة هادم اللذَّات، ألْزَمَ نفسه بطلعة يومية على مكتبي، يقصفني في جِدِّ النَّكد بآخر الأخبار الخُرافيّة عن فرسان التّغيير،.. فأبادله التَّراشق ببعض الذخيرة الإيمانية، وأنا أنازع السكينة، و أتخيَّل من حديثه أنَّ القوم ينتظرون عند الباب ، فتكلَّس في دماغي رعب غريب منهم، لا يغِيب بالمطلق… ثم توالَدتْ المُتتالية الوهمية فتحولتُ من مُستمعة إلى مُوزِّعة لنفس الخُرافات.
رغم أنِّي أدركُ أنهم تحولوا إلى لاجئين عسكريين بين بيوت الأهل والأصدقاء، لكن شجاعتي كانت دون الطموح… وأحلمُ بذي القرنين وسدِّه المنيع.
عدتُ إلى بيتي مرة، وأثناء إغلاقي لباب السيارة رفعتُ رأسي فإذا بسيارة 190 بيضاء منطلقة تجاهي تَخْرج منها فوهة بندقية.. فصرختُ: «أشهد أن لا إله إلا الله»،.. على الأقل أموت على الشهادة… توقّفتْ السيارة عند أقدامي، و أنا ارتعد وانتظر خروج السَّفاح مُغمضة العينين، فإذا بالمهاجم يتكلم الولفية ويُخبرني أنه أحضر أنبوب المياه الحديدي الذي طلبتُ لاستبدال انبوب تالف في بيتي!.. ضغطت احشائي بشدة في تجاه الجاذبية، وكنتُ أسأل الله السَّتر والتّحكم في السَّبيلين.
حطَّت طائرة قادمة من فرنسا، وكان أول خبر نتلقاه على أعلى السّلم، إلقاء القبض على صالح ولد حنَنَّ في أحراش “لگوارب”، تنفَّس الجميع الصّعداء ودلفنا انواكشوط بإحساس الفاتح لعمورية.
أتفرَّج بعد حين من الدَّهر على فرسان التغيير، نوَّابًا في البرلمان، مُترشحين وفاعلين سيَّاسيين… ربُّهم كريم، وشعبهم طيب، مُسالم، يقبل بسهولة إعادة تدوير الجميع في لامبلاة يُحسد عليها…
تحياتي.
الدهماء ريم