حول الأمن القومي الموريتاني /محمد فال بلال
حول الأمن القومي الموريتاني
أحاول تناول هذا الموضوع في ورقتين منفصلتين: (1) الموقع الجيوسياسي والتحديات (2) المرتكزات الاستراتيجية للأمن القومي
– أولا: الموقع الجيوسياسي والتحديات
إنّ الجغرافيا السياسية تفرض نفسها في المقام الأول ضمن مرتكزات و محددات الأمن القومي بسبب كونها قضاءٌ و قدَر… لا مجال فيها للاختيار أو المناورة السياسية، ولا يعتريها التبدُّل، ولا التغيُّر، ولا التّرحال. فالموقع الجغرافي هو الذي يملي على الدولة من بين عوامل أخرى مثل الاقتصادي والاجتماعي والديموغرافي والبيئي ،،، يملي عليها مرتكزات وثوابت أمنها القومي.
وموقع موريتانيا في الخريطة السياسية معروف، ولن أطيل فيه.
إنها باختصار، جسر يربط بين شمال إفريقيا وغربها، وبين الصحراء الكبرى والمحيط الأطلسي، ما جعلها تؤثر وتتأثر من التبدلات والتغيرات التي تحدث في هذه الفضاءات. سنتحدث إذن عن:
* موريتانيا المغاربية * موريتانيا الساحل والصحراء * موريتانية النهر * موريتانيا المحيط.
– 1 – موريتانيا المغاربية
موريتانيا دولة محورية في المغرب العربي تتأثر في أمنها القومي بما يجري فيه. ليست بلدا محوريا فقط، بل هي نقطة الارتكاز و قوة التوازن التي بها قوام الهدوء القائم منذ أواخر تسعينات القرن الماضي في المنطقة. فهي المُضغة التي إذا صلَحَت صلَحَ الجسدُ المغاربي كلُّه وإذا فسدت (أو اختل أمنُها، لا قدر الله) فسَدَ الجسدُ كلُّه. يعني أن موقعها الاستراتيجي يعطيها دور القلب النابض في صنع السلام والاستقرار الإقليميين. إنها منفتحة على الجميع، و متنفّس للجميع. فهي الرئة التي يتنفس بها الكل عبر معابرها الدائمة في انواذيبو و شوم و ازويرات و بئر أم اگرين، إلخ،،، و ربما تكون هذه الحقيقة قد غابت عن الأذهان خلال العقدين الماضيين بسبب توجه واندفاع جل الدول المغاربية غربا باتجاه البحر الأبيض المتوسط طمعا في الشراكة مع الاتحاد الأوروبي .. أمّا وقد تراجعت أوهام الشراكة “الأورو – متوسطية” و رنّ جرس العودة إلى إفريقيا، بدأ الدور الموريتاني ينجلي ويتسع، ومكانتها تقوى وتتعزز، لأنها هي “البوابة” الحقيقية لدخول إفريقيا جنوب الصحراء،،، و موقعها الجغرافي يجعلها ركيزة أساسية للأمن العام و رافعة مهمة للتنمية في الفضائين المغاربي والغرب – أفريقي، حيث أنها ممرّ حتمي لكل المشاريع الطرقية الاستراتيجية التي تربط بين المنطقتين سواء منها ما تعلق بالطرق البحرية عبر الأطلسي مثل خط طنجة – داكار – ليغوس، أو الطرق البرية العابرة للصحراء بين الجزائر وغرب إفريقيا، أو مشاريع “طريق الحرير” الجديدة و مبادرة “الحزام والطريق” الصينية. كل الطرق المؤدية إلى أفريقيا تمر حتما من موريتانيا. ولهذا السبب أقول دائما إن أمن موريتانيا واستقرارها هو جزء أساسي من أمن واستقرار كل بلد مغاربي على حِدة…
– 2 – موريتانيا الساحل والصحراء
موريتانيا دولة فاعلة من دول شريط الساحل التي تعدّ اليوم بؤرة توتر ومصدر تهديد للسلم والأمن على المستوين الإقليمي والدولي. وفي نظرتنا للأمن القومي الموريتاني، يتعين علينا تبنّي رؤية جيوسياسية لمنطقة الساحل بامتدادها نحو الصحراء الكبرى، أي “منطقة الساحل والصحراء” التي تشمل قوسًا واسعًا من الأزمات يربط موريتانيا بالسودان مرورا بتشاد والنيجر وبوركينا فاسو ومالي، وامتدادها المغاربي باتجاه ليبيا وتونس حتى المحيط الأطلسي. وينطوي هذا الفضاء على تهديدات عميقة، متعددة الأبعاد، وطويلة الأمد. لذلك، لا بد من رسم خطة استراتيجية واضحة المعالم لمواجهة المخاطر والتوترات الخاصة بهذه المنطقة، ومنها: الأزمات الداخلية في مالي الشقيق وانعكاساتها المحتملة علينا، وموضوع الهويات والنزاعات العرقية والإتنية والإرهاب والجريمة المنظمة وعصابات التهريب وبيع المخدرات والسلاح والاتجار بالبشر، إلخ،،، بما يضمن لنا أمن الحدود والحوزة الترابية وحرية الرعي والانتجاع وحرية تنقل البضائع والأشخاص.
– 3 – موريتانيا النهر
ومن الناحية الجنوبية، فإن نهر السينغال و محيطه المباشر من دول الجوار مثل غامبيا وغينيا بيساو وصولا إلى ساحل العاج ودول خليج غينيا يعد منطقة ذات قيمة استراتيجية كبيرة من منظور الأمن القومي الموريتاني. ليس فقط بسبب الامتداد السكاني و حضور الجاليات والتداخل العرقي والثقافي والديني، وإنما بسبب الأمن المائي والمنشآت “الهيدر – كهربائية” المشتركة من سدود ومحطات توليد الطاقة، بالإضافة إلى التكامل الاقتصادي في مجالات جوهرية مثل الغاز وربما البترول.
– 4 – المحيط الأطلسي
أما الموقع من جهة المحيط الأطلسي، فيفتح لنا باب التشاور والتنسيق مع منظمة حلف الشمال الأطلسي ” “النيتو” في الشؤون الأمنية والعسكرية. و يؤهلنا أكثر من غيرنا لشراكة استراتيجية مع الاتحاد الأوروبي في محاربة الهجرة السرية وسد الطريق أمام تسلل الجريمة المنظمة، إلخ… هذا بالإضافة إلى تسهيل الولوج إلى العمق الأفريقي، و تدفق السلع والبضائع..
– ثانيا: المرتكزات الاستراتيجية لأمننا القومي
(يتواصل)