سائل ذكي سقط على خبير
سائل ذكي سقط على خبير
****
حدث الشيخ الضابط محمد يحي بن عدود جلساءه في منزل الأمير سيد بن أحمد بن الدَّيدْ العامر في الرباط، سنة 1993، بقصة مفيدة، سأحاول تلخيصها لتعم فائدتها.
خلال إقامة الشيخ الجليل محمد عالي بن عدود في محظرة شيخه يحظيه بن عبد الودود، كان دائما يقوم بزيارت إلى ذويه كلما سمحت ظروف الدراسة بذلك وذات مرة كان الفتى النابه يسلك طريق عودته، مفكرا في مسألة نحوية حيرته، فقرر أن يمر بشيخ محظرة ضليع في علوم اللغة والنحو ليلتمس منه الدعاء ويطرح عليه استشكاله، وحينما وصل إليه سأله سيد قائلاً: لقد فكرت في الأمثلة التي صاغها النحاة لتقريب قول الشيخ محمد بن مالك في الألفية:
وارفع بواو وبيا اجرر وانصب* * سالم جمع عامر ومذنب
فوجدت أن الصفات وردت كثيراً في كتاب الله تعالى كالقانتين والساجدين والمنفقين، كما وردت في كلام العرب وأشعارهم.، ولكن النحاة دائما يقتصرون في التمثيل للأسماء بكلمة “الزيدون”، فهل لديكم أمثلة أخرى على الأسماء، فأجابه الشيخ الذي كان مكبا على لوح يكتبه “هَذَا امْعَرَّمْ”، ثم بدأ يفكر في الأمثلة، لكن الذاكرة لم تسعفه، وطال الوقت ولاحظ الشيخ محمد عالي وجوم الشيخ وتصبب العرق من جبينه، فودعه، وواصل طريقه جنوباً.
مر الشيخ محمد عالي ببئر “الكِللي” فقرر أن يقضي يوما مع صديقه الفتى الأديب محمد باب بن امحمد بن أحمد يوره، وبعد تبادل التحية شرع محمد باب في مقدمات إعداد الشاي احتفاء بصديقه، فخاطبه محمد عالي قائلا: في انتظار أن يغلي “المَغْرَجُ” حبذا لو طرحت لي سؤالا على لمرابط امحمدْ، فقصد محمد باب خيمة والده وكانت بإزاء خيمته، وطرح عليه نفس السؤال الذي حير الشيخ السابق، فأجابه امحمد قائلا: انت اليوم أثر جاك صاحبك ول عدود؟ فهذا السؤال يشبه أسئلته الحصيفه، قل له إن “إلياسين” قراءة، ففرح محمد عالي بجواب امحمد على البديهة لسؤال طالما حيره، ثم طلب من صديقه أن يرجع إلى والده ويسأله مجددا هل كلمة “إلياسين” تعني أهل نبي الله إلياس، أم أنها تطلق على المومنين من قومه؟
فرجع الفتى محمد باب إلى والده وبعدما استمع للاستفسار قال لابنه، “كولو عنهم الثِّنْتَيْنْ” وعليه أن ينظر الصاوي.
انتهت القصة
وقد رجع الكاتب لهذه الأحرف إلى الصاوي على الجلالين، ونقل منه بالحرف تعليقه على كلمة (إلياسين) الواردة في الآية 130 من سورة الصافات.
(هو إلياس المتقدم ذكره ومن آمن معه، فجمعوا معه تغليباً، كقوله للمهلب وقومه المهلبون، وعلى قراءة آل ياسين بالمد أي أهْلِه والمراد به إلياس أيضا)
وتميما للفائدة، اطلعت أيضا على بعض أقوال المفسرين حول هذه الآية، فوجدت أن جمهور القراء يقرؤون “إِلْيَاسِين” بكسر الهمزة، بينما، قرأ المدنيون والشامي “آل ياسين” بقطع آل عن ياسين. متأولين بأنها تعني آل محمد، لأن ياسين من أسمائه صلى الله عليه وسلم، وقيل إنها تعني آل ياسين.
وجزم الطبري بأن المقصود ب “إلياسين” هو إلياس أضيفت إليه الألف والنون كما سمع في إدريس إدارسين،
أما القرطبي فقال إن المقصود بها إياس سمي إلياس، ثم سلم على آله من أهل دينه، ومن كان على مذهبه.
تعليق على القصة
– يدخل سؤال الشيخ محمد عالي ضمن التساؤلات البحثية التي يحاول الباحث من خلال إجابتها المساهمة في سد فجوة بحثية تتعلق بجزئيات الموضوع، فرغم أن إعراب جمع المذكر السالم قتله النحاة بحثا ونظما. إلا أن الطالب النابه محمد عالي وجد فيه جزئية ما تزال بحاجة إلى تعميق وتقريب.
– يعكس السؤال خلفية السائل، فلذلك عرف لمرابط امحمد، محمد عالي من خلال تميز سؤاله.
– إجابة لمرابط امحمد على البديهة لسؤال حير تلميذ يحظيه النجيب، تشي بذكاء امحمد واتساع دائرة معارفه وتركيزه على تقييد وفهم الشوارد.
– الإحالة لكتاب الصاوي، تؤكد أنه كان من الكتب المعتمدة لدى الشناقطة، كما أن عزو امحمد له فيه تنبيه للطلبة على أهمية الأمانة العلمية.
– إحالة الطالب إلى المرجع، طريقة تعليمية منهجية، ستمكنه من تعميق بحثه حول سؤاله.
– إحالة لمرابط امحمد إلى تفسير الصاوي في جواب نكتة نحوية، تؤكد أهمية المطالعة، ودورها في توسيع المعارف.
– أخيراً، “استهد افلكتوب” كان من شروط الفتوة عند أهل إكيد.
يعقوب اليدالي