عن النزالات السياسية المقبلة في بلدنا، سأتحدث اليوم !

عودة

عن النزالات السياسية المقبلة في بلدنا، سأتحدث اليوم !
و ذلك لما يشوبها من خروقات مزعجة : فيها حقيقة تشويه للعملية السياسية برمتها، و فيها كذلك إهانة عميقة للناخبين، و فيها أيضا، ظلم بواح للمنافسين المستقيمين إن وجدوا…

و لكن، بداية، و كي يجد رأيي هذا، حظا أوفر من القبول، أود لو ذكرت بهذه القاعدة : نحن في دولة وليدة، كان علماؤنا فيها و مرجعياتنا الدينية، إلى يوم قريب و قبل أن ننصهر في منظومتنا المعاصرة الدخيلة، يخبؤون أبناءهم عن مدارسها حفاظا عليهم من مشروع لا يجدون خلفياتهم الدينية المهمة جدا، فيه، و ذلك رغم تسميته المغرية…

اخترت ذكر هذه القاعدة في هذا المكان من النص لأنني قد أستغرب لاحقا، توظيف ديننا الحنيف كوسيلة – و هو بطبيعة الحال أكبر كثيرا من أن يكون كذلك – لتحقيق مآرب فردية دنيوية عادية في مشروع كان في البدء غريبا علينا…

****

أيها الساسة، المتهيؤون لحصد الأصوات، لابد من وقفة تأمل قبل التسابق…!

فحياتنا، و إن كانت متواضعة في ميزان الوجود و فانية في ميزان الخلود و مهانة في موازين القوى الظرفية الحالية، فلا يعني ذلك، و رغم ما نظهره من استكانة، أنها رخيصة بالنسبة لنا…!

هذا، و لأننا لا نحمل شعلتها إلا بمقدار لحظات قصيرة جدا، قياسا على عمر الكون، و لأنها متجددة مع كل جيل، فإن ذلك مما يجعلنا نثمن قيمتها عاليا…! و ذلك ما يجعلنا ندرك أن علينا صونها و الإبقاء عليها : مكرمة، مقدسة و محمية من أي يد عابثة…!

و السياسة التي أنتم مقبلون على جولة جديدة منها، هي حقيقة امتحان متجدد، نعرف من خلاله، ما إن كنا فعلا على قدر مسؤوليتنا. هذا لأنها، هي المدخل المتكرر للأيادي الغاشمة و العابثة إلينا… لاسيما في بلد حديث مثل بلدنا الذي لم يقف بعد على قوائم مؤسساتية صلبة تحصن شعبه من ساسته الذين لا يعملون للأسف، و ذلك منذ فترة، و إلى أجل غير مسمى في ما يبدو، إلا من أجل مصالحهم الشخصية و من أجل مصالح أسياد لهم قد يكون بعضهم خارج الحدود….

و هؤلاء الساسة، عودونا في ما مضى، على عدم الوفاء بعهودهم و ذلك على رؤوس الأشهاد، كل مرة كلما رغبوا في أصوات أهالينا…

و لم يثنهم تكرار عجزهم عن الوفاء بعهودهم هذا، لمراجعة جادة لأنفسهم يعترفون فيها أخيرا، بحقيقة سياستهم النفعية الهادفة لذواتهم. كما أنه كان عليهم أيضا أن يعترفوا أن أطماعهم الشديدة و تهافتهم السريع من أجل كسب رهاناتهم بكل الوسائل المتاحة و دون أي ردع، أفسدت علينا عملياتنا الانتخابية، التي كان يجدر بها أن تكون مبنية على القناعات، فصارت مجرد سوق تباع و تشترى فيه الذمم في تحدي صارخ لقيم المواطنة و للأسس التي تقوم عليها الدول المحترمة.
و لكن رغم الحاجة الماسة إلى تلك المراجعة، مازالوا يستمرون في التلاعب بعقول أهلنا، و مازالوا يعدونهم بجنان في باحة كل منزل من منازلهم…

حقيقة، إن استغلال هؤلاء الزائف و المتكرر لبعض نقاطنا الرخوة المتعلقة بتطلعاتنا من أجل حياة أفضل خديعة مزعجة في حقنا و ينبغي أن تتوقف…! فمتى سيصدق هؤلاء أهلنا في هذه الأمور ؟
و هل يدرك هؤلاء، أنهم أشخاص مثلنا : قد يسيؤون التقدير و قد يخطؤون و أنهم حتما سيفنون …؟
و هل يعلمون، أن أشخاصا أحب عليهم أهلنا منهم ارتأوا على أنفسهم التزام سلوك أكثر واقعية، يتميز بالتواضع في مقام هذا الكون الجلل و التريث أمام هذا الظرف الصعب الذي يشتد استياءه علينا، كلما اشتد غرور أهل الرأي فينا..؟

هذا و إن التلاعب بتطلعاتنا ليس فقط هو الديدن الوحيد الذي يلعبون عليه. إنهم أيضا يلجؤون إلى ما هو أخطر، باستغلالهم ل”تجليات الموت المتعددة” التي ترهبنا، لإخضاع أهلنا لمآربهم المتواضعة، و ذلك :

١. باستخدامهم للدين، مستغلين خوفنا مما بعد مآلنا المحتوم… و راكبين على أمواج غيبيات لا يعلمها إلا الله…
٢. باستخدامهم لخوفنا من مسببات الموت، مستغلين ضعفنا أمام الأمراض الفتاكة و راكبين، بنشاط، ظاهره خيري، أمواج ما يحوم حول تلك الأمراض من يأس معجل للأجل أو من أمل مؤجل له…
٣. و أخيرا وليس آخرا، باستخدامهم للمال و السلطة و الجاه، مستغلين عوزنا و ضعف حيلتنا، راكبين أمواج الإحساس الزائف بالتغلب على الوهن و الفناء…

و الأطم، أن لا يتورى منهم، من شاءت الأقدار أن تكون كل تلك النقاط أعلاه في متناوله، عن استخدامها مجتمعة، لكسب مبتغياته ضد منافسين له قد لا يكون هو، أفضل منهم…

هذا و من ناحية أخرى، و في سياق متصل بالنقطتين : ١ و ٢، أساسا ؛ ألم تثبت الأيام الخوالي زيف بعض التشبثات ؟

****

رجاء إذا، لنلعب سياستنا الريعية كما نريد و لكن لنحترم على الأقل عقول أهلنا.. فلا أحدا منا صراحة، يستطيع التأثير على مسار تطلعاتنا في الظرف الحالي. و لا أحدا منا يستطيع ضمان أرزاقنا و تأمين عافيتنا في الدارين غير خالقنا…

هذا، و إن كانت حياتنا، لحظات فانية فإنه ينبغي أن نستحضر أيضا أنها حقيقة، حياة أطفال بطعم الجمال و البراءة… يضحكون في كل صباحات الدنيا، بكل أفواههم مشرقين على سماوات من الآمال لا حدود لها…
و ينبغي أن نستحضر أيضا أنها حقيقة، حياة شباب مفعم بالنشاط و الطاقة حامل لأحلام بحجم فضاءات ضحاوات الربيع الفاتنة…
و ينبغي أن نستحضر أيضا أنها حقيقة، حياة شيوخ أجلاء، تشكل سكينتهم في ظلال المساءات، لوحات حية لا يتطلع على قيمتها العالية إلا المختارون منا، و هي ملآ بزخارف الكون و بأصداف التجارب بكل ألوانها…

نحن أحبتي، يا ساسة الجولة القادمة، و بكل اختصار، كون من الحياة الراقية، أعظم من أن يكون لعبة بيد أي إنسان..!

الدكتور :سيد احمد ولد البشير

زر الذهاب إلى الأعلى