يسأله ويكذّبه (ضعف الثقة في الطبيب) الدكتور/عبد الله ولد بيان
يسأله ويكذّبه (ضعف الثقة في الطبيب)
أورثت الإشكالات المزمنة، التي يعاني منها القطاع الصحي في موريتانيا، لدى المراجعين ضعف ثقة (ولك أن تقول غيابها) في جميع الأطباء تقريبا. وهو أمر تجاوز الرؤية النقدية للطواقم والخدمات الصحية، وأصبح له تأثير سلبي على صحة بعض المراجعين أنفسهم.
وصفات طبية يأخذ منها المريض ما يشاء ويترك، تعليمات يضرب بها عرض الحائط، ترحال دائم بين الأطباء، استعجال للنتائج الإيجابية لعلاج أمراض متشابهة الأسباب يحتاج تشخيصها الدقيق استبعادا لاحتمالات متداخلة (أو سبرا وتقسيما، على لغة أهل الأصول)… يأتي المريض إلى هذا الطبيب فيجري عنده فحوصات كثيرة، ثم يسمع عن آخر فيذهب إليه ليعيد نفس الكرة، وهكذا حتى يتمكن الأخير من تشخيص مرضه بناء -ربما- على استبعاد الاحتمالات التي طرحها زملاؤه من قبل.. وقد يتعب المريض وييئس في منتصف الطريق. وقد ينتظر حتى تسوء حالته.
فعلى الرغم من كون الأخطاء الطبية في بلدنا كثيرة، إلا أن ضعف الوعي الصحي للمواطنين جعلها تعظم في عين المرضى بشكل خرافي. فأول ما يجلس المراجع أمام الطبيب يبدأ بتحميل مسئولية مشكلته الصحية لطبيب سابق. وعبثا تحاول إن قلت له عكس ذلك، أو أثنيت على خبرة ذلك الطبيب . “نزع عني الجراح الفلاني المرارة وبعدها بأسبوع لاحظت التسوس في نابي اليمنى”، أو “حفر لي طبيب أسنان آخر ضرسا ما فبدأت جميع أسناني بالحركة”، أو “أعطاني ذاك دواء للمعدة فبرزت أسناني إلى الأمام”… حكايات في غاية الغرابة والبعد عن المفاهيم الصحية السليمة! خيطها الناظم غياب الثقة في الأطباء وتحميلهم اللوم في أي خدمة طبية يقدمونها.
فيا إخواني وأخواتي، وكما ذكرت في تدوينة سابقة، تخيّروا في الأطباء والمصحات الجيدة ما استطعتم. ولكن توقعوا أن يعطيكم الطبيب دواء ما مثلا فيسبب لكم حساسية تستدعي العودة إليه لتغييره، أو تعانون من إنتان “Infection” بعد تداخله لكم جراحيا، مما يضطركم للمراجعات غير المتوقعة، أو لا يستهدي الطبيب على التشخيص الصحيح لمرضكم خلال أول زيارة… والأهم من ذلك أن الأفضل لكم جدا أن تعودوا له هو نفسه، إن حدث شيء من هذه الاختلاطات أو العقابيل، بدل أن تذهبوا لطبيب آخر.
لنا جميعا، حتى نحن الأطباء، تجارب استشفائية مع زملائنا لا تدعو للثقة. ولكن يجب أن لا يخرج ذلك عن العقلانية فيضر أكثر مما ينفع. فمن لم يجد من يثق في رأيه الطبي بمستوى ما، حسب اعتقادي، فالأفضل له أن لا يطلب رأيا طبيا سيأخذ منه ويترك تبعا لهواه، يجادل صاحبه ويرفض توصياته، يسأله ويكذّبه.. فتأثير ذلك على صحته قد يكون سلبيا جدا. وقد رأيت عدة نماذج من هذا القبيل. من آخِرها مريض (بمرض عضال) ترك أخذ أدويته الموصوفة له بحجة أن أطباءه “لا يعرفون شيئا” لأنهم أعطوه أدوية كثيرة دون أن تكون له بها حاجة، و “ثقلت عليه”. فقد قال له اثنين من معارفه إن لديهما مشاكل صحية مشابهة وأمورهما جيدة بدونها. فأدى له تركه لأدويته مضاعفات صحية كبيرة، شفاه الله وعافاه.
#تطبيب_الطبابة