شخصيات حول “سَيْنِي”،/محمد فال ولد بلال
شخصيات حول “سَيْنِي”،
إيسى لو .. Eussa Lo
في الصورة، بيت صغير من غرفة واحدة ضيق جدا، حوالي 5 أمتار في 6، بلا سور ولا شرفة، مغطى بالزنك. يقع مباشرة قبالة مقر “سيني”. في أول وهلة يحسبه المارون سكنا للحارس، أو “ميشلان”، أو حلاق، أو مغسلة صغيرة، أو ما شابه ذلك؛ ولكنه في الواقع “مؤسسة” و “منشأة” أكثر أهمية من ذلك بكثير. إنه يأوي واحدا من أكبر مطاعم العاصمة وأكثرها ازدحامًا وأعلاها رواجا، تبارك الله. في ساعات الذروة، بين 2 و 3 ظهرًا، يغص المكان بمئات الزبائن الراغبين في شراء وجبات جاهزة من “تيبودين” “thiéboudène” مارُ و الحوتْ. وهو الطبق الوطني السنغالي المصنوع من الأرز المكسور بالسمك والخضروات. يُقال إن هذا الطبق يعود إلى القرن التاسع عشر، وقد اخترعته طباخة ممتازة من مدينة “اندَر” بالتعاون مع مهندس زراعي فرنسي كان يعمل في مشروع استعماري يرمي لاستبدال الحبوب التقليدية بالحبوب المستوردة!
كل يوم بعد الزوال مباشرة، يبدأ التدافع والنطاح على مشارف سيني CENI. يغلق الشارع تماما، وتتوقف حركة المرور. وحين ترى ازدحام الناس والسيارات والدراجات النارية عند باب المطعم يُخال إليك أنك أمام مكتب اقتراع ساخن أو مركز من مراكز الحملة الانتخابية في أوجها. اللهم لا يضر. أخذت هنا الغداء أكثر من مرة. و لاحظت أن الوجبة تتكون من 100 اغرام من الأرز المكسور ، وفوقه 3 قطع من سمك “اتيُوف” في الغالب أو “الدوراد”، وبصلة حمراء، وحبة فلفل، و 3 جزر (كاروت) متوسطات، و2 حبة بطاطا حلوة، و 1 من “سُوپَّمَ”، و الكل مطبوخ في زيت فول مغلي، و وعاء صغير فيه “صلصة” (صوُص)، عبارة عن خليط من الطماطم المركزة، والزيت، و قطع صغيرة من ذيول الأسماك، و الفلفل الحار، وشريحة من الليمون، و نكهة قوية من “ماجي”. والصلصة هذه، أعني “الصّوص” تسمّى “سَيْنِ”.
جلستُ ذات يوم غير بعيد من السيدة “إيسه لُو Isseu LO” مديرة المطعم شاكرا سعيها ومباركا جهودها ونجاحها، وسألتها عن سبب كل هذا النجاح تبارك الله.. قالت ببساطة: “إنه من بركات سَينِ!”
أرض الله واسعة.
تعلمت من تجربة السيدة “إيسى لو” أن المشاريع لا تستمد أهميتها من رأس المال؛ ولكن من الإنسان. ولا تنجح و تنمو بالبذخ والمظاهر الزائفة؛ ولكن بالجدية، والمثابرة، والعزيمة، والإرادة، والعمل.
هذه السيدة وصلت إلى ما وصلت إليه بلا ضجيج، ولا صخب، ولا دعاية، ولا ترويج، ولا تلميع. اكتسحت الساحة فقط بالخِبرة والإتقان وجودة المنتوج. عندما تجتمع خبرة المدير واحترافية الفريق والمراقبة والتحكم.. فإن النجاح مؤكد بإذن الله.
وِداعا سيدتي،
محمد فال ولد بلال