فكروا بمستقبل الوطن…
مستقبل الوط
بيزنطة (Byzantium) مدينة إغريقية قديمة تقع على مضيق البوسفور، جعلها الامبراطور قسطنطين في عام 335م، عاصمة للإمبراطورية الرومانية البيزنطية، وأصبح يطلق عليها القسطنطينية(إسطنبول).
شُغف مواطنو بيزنطة بالجدل، ودرجوا عليه في مجالسهم، واحتدم ذات مرة ليصل لنقاش “ما إذا كان المسيح ذا طبيعة واحدة أو طبيعتين، ومسائل عقدية أخرى مماثلة” مما أدى بالإمبراطور قسطنطين الثاني ـ في محاولة لإخماد ذلك الجدل ـ إلى إصدار مرسوم إمبراطوري عام 648 م بحظر الجدل وفرض عقوبات متنوعة على من يخالفه، وصلت إلى طرد الرهبان والقساوسة من الكنيسة، وفصل موظفي الدولة عن وظائفهم، ومصادرة الأملاك، والعقاب البدني، غير أن ذلك لم يُجدِ نفعًا، واستمر الجدل في الإمبراطورية البيزنطية حتى القرن الخامس عشر.
وفي القرن الخامس عشر الميلادي، وعندما حاصر السلطان العثماني محمد الثاني (محمد الفاتح) القسطنطينية، كان مجلس شيوخ المدينة مشغولًا بمناقشة (جنس الملائكة أهم من الذكور أم من الإناث)، و(حجم إبليس، هل هو كبير بحيث لا يسعه أي مكان، أم صغير بحيث يمكنه العبور من ثقب إبرة).
وبينما كان الجدل محتدمًا في قاعة مجلس الشيوخ ـ والإمبراطور قسطنطين الحادي عشر يحاول صرفهم عن الجدل ، كانت جيوش محمد الفاتح تفتح القسطنطينية وتقتحم مجلس الشيوخ الغارق في الجدل العقيم.
ومن يومها أصبح “الجدل البيزنطي” يطلق على كل نقاش لا طائل من ورائه، يتناقش فيه طرفان دون أن يقنع أحدهما الآخر، ودون أن يتنازل أحدهما عن وجهة نظره، كحال نخبنا اليوم في غرقها في توافه من قبيل هل بيرام عميل أم مرتزق وما حظوظه في الانتخابات القادمة؟!
إن المشكلة ليست مشكلة بيرام، بل قضية مكون اجتماعي يشكل أغلبية سكان البلد عجزت النخب والحكومات المتعاقبة عن إيجاد مقاربة وطنية لمعالجة مظلوميته وتحسين وضعه وتأهيله ليكون عنصر نماء يملك العلم والمال ويشارك عن طريقهما في ازدهار الوطن.
لقد ظل ذلك العنصر طبقة هشة معزولة في مثلث الفقر وآدوابه وأحزمة الفقر حول العاصمة والمدن الكبرى، لاتعليم لا صحة ولا تأهيل ولابنى تحتية، وفي مواسم الانتخابات تتناوشه المبادرات من خلال مساعدات تقدمها الدولة على شكل إعانات بمبالع مالية زهيدة وبعض المواد الغذائية طمعا في أصواتهم، ووعود براقة يقدمها أبناء جلدتهم المتاجرون بقضيتهم ومظلوميتهم التاريخية يجعلون منها حائط مبكى لترهيب الداخل وابتزاز الخارج.
لقد آن الأوان كي تنسحب النخب من خشبة المسرح التجريدي لتقف على خشبة الواقع وتقدم مقاربات واقعية للحل والتمييز الإيجابي والعدالة الاجتماعية ونوعية التعليم وتوزيع عادل للثروة.
المهدئات تخفف الألم لكنها لا تستأصل الداء.
تكمن المأساة في أن حكومات العسكر منشغلة بجمع الثروة، ونشطاء لحراطين يستغلون وضعهم لخدمة أنفسهم والتربح على حسابهم، وحركة افلام التي تسعى للتقسيم تجد مصلحة بضرب مكون بمكون، والنخب غارقة في جدلها البزنطي، وبين هذا وذاك ضاعت الحقوق.
إن التلويح بالعنف وتأزيم المجتمع من خلال (فوكولات) الواتساب لاتخيف أحدا فهي صراخ في واد سحيق ومصارعة لطواحين الهواء لاتقدم ولا تؤخر، وبيرام وجنده لايشكلون رقما في المعادلة، فالرقم الأكبر في المعادلة هو ذاك السواد الأعظم المهمش الذي يزداد وعيه بحقوقه يوما بعد يوم.
كما أن اللجوء للعنف هو خيار شمشون الذي انهار المعبد عليه وعلى أعدائه.
لكن سياسة النعامة ودفن الرأس في التراب ليست حلا كذلك.
الحل يتطلب قرارات جريئة وشجاعة، ونخبا ليست هيّابة تصدع بالحق وتدعو للوحدة والعدالة والاندماج وتكافئ الفرص والتوزيع العادل للثروة ومكافحة الفساد، ويتطلب حكومة تملك زمام المبادة وتتملك القوة والهيبة وفرض القانون والنظام وتتسم قبل كل شيء بالعدالة المدعومة بالقوة.
فكروا في مستقبل هذا الوطن فهو لنا جميعا، ولا وطن لنا غيرة فهو ليس ثوبا يخلع إذا ضاق وليس دارا نرحل عنها أو (انبدلو لمراحْ)، إنه المستقر والمأوى.
والأوطان إنما تبنى بالعدل.
كامل الود
سيد محمد