من معالم الهوية الوطنية /الدكتور :عبدالله ولد بيان
(9) – الاقتباس الأخير
[من معالم الهوية الوطنية الجامعة التي توصي بها الورقة]
“ب- قابلية استيعاب التعدد الثقافي والاجتماعي. طبعاً، التعددية ليست هوية وطنيّة بحد ذاتها، “ومن يقول بذلك كمن يقول هويتنا أننا بدون هوية”(33)، على حد تعبير فوكوياما. فالهوية في جانبها التعريفي الوطني تعني الخصوصية الوطنية الجامعة. ولكن يشترط في هذه الهوية أن تكون في نفس الوقت مستوعبة للتعدد الثقافي والاجتماعي ومؤسَّسة عليه.
ج- الانطلاق من إسلامية الدولة كأساس جامع. (…) فالإسلام ركن منيع في هويتنا لو أحسنا استخدامه. مثلا، رغم أن مجموعة الملايو في أندونيسيا كانت تشكل عشية الاستقلال نسبة 5% فقط من عموم السكان (ومع أن الجفانيز آنذاك كانت اللغة الأم لحوالي 50% من السكان – النسبة الأكبر)، إلا أنه تم الاتفاق على اختيار اللغة الملايوية (اللغة الأندونيسية الحالية) كلغة وطنية جامعة يومها. وكان من أهم أسباب ذلك أنها كانت ’لغة الدّعوة’ التي انتشر بها الإسلام(34).
د- حسْم موضوع اللغة [أو اللغات]، فهي أيضاً عنصر أساسي من عناصر الهوية الوطنية للدولة الحديثة. فبالرغم من أن الثورة الفرنسية شكلت أول وأبرز انتقال إنساني نحو ’دمقرطة الكرامة’ إلا أنها في نفس الوقت رفعت شعاراً وطنيا آخر للدفاع عن ’وطن الأجداد’ La patrie (35)، ولا تزال إلى الآن هويتها الوطنية العقائدية ملهمة للديمقراطيات الليبرالية. وقد كان لتوحيد اللغة دور بارز في ترسيخ تلك الهوية كما هو معلوم. حيث قامت الثورة الفرنسية من خلال مرسوم 20 يوليو 1794، وتحت شعار ’أمة واحدة، لغة واحدة Une seule nation, une seule langue’، بتجريم التدريس والتداول الرسمي لغير الفرنسية (الباريسية) من اللغات المحلية(36)، كوسيلة لبناء الهوية الوطنية الموحّدة. طبعاً، اللغة الفرنسية الحالية هي اللغة الباريسية التي كان يتحدثها بطلاقة عشية ثورة 1789 حوالي 13% فقط من السكان (37)، إلى جانبها لغات إقليمية أخرى عديدة مثل: البروفانصال، البريتان، الفلميش، البيكارد..
ه- تعزيز السرديات التاريخية الوطنية داخل مناهج التعليم، العصرية والتقليدية. هذا بالإضافة إلى الاهتمام بقصص حب الوطن ورموز البذل والتضحية داخل مختلف فئات المجتمع. والتي يجب أن تُروى ويتغني بها [بدءًا من عموم الشعب وانتهاء بالسلطة الحاكمة، وليس العكس] (…) من قبل الفنانين والشعراء والمؤرخين والممثلين والمواطنين العاديين.
و- إلزامية الخدمة العمومية، عسكريّة أو مدنيّة، لعقود على الأقل. يتعلم خلالها الشباب، من مختلف ’الهويات الفرعية’، التضحيّة من أجل بعضهم البعض، والعمل سويّة، متعالين على تبايناتهم الفردية، لأجل وطن مشترك تجمعهم فيه أخوة الدين ووحدة المصير.”
عبد الله بيّان: سياسة الهويّة في موريتانيا: رسائل الخارج واستحقاقات الداخل
—-
(33) – فرانسيس فوكوياما (2018): الهوية – مطلب الكرامة وسياسات الاستياء، ص 159.
.Francis Fukuyama: Identity: The Demand for Dignity and the Politics of Resentment. (2018). First Edition. P 159
(34) – أبرام دي سوان (2001): لغات العالم، ص 81-95.
Abram De Swaan, A. (2001). First Edition. Words of the World: The Global Language System. Cambridge: Polity Press. P 81-95.
(35) – جيمس أندرسون (2007): الحياة اليومية خلال الثورة الفرنسية، ص 211.
Anderson, James Maxwell. 2007. Daily Life During the French Revolution. Greenwood Press “Daily Life Through History” Series. Westport, Conn: Greenwood Publishing Group. P 211.
(36) – غابريل باركر (2000):التخطيط اللغوي والإدارة اللغوية. فرنسا نموذجا.
Parker, Gabrielle. 2000. “Language Planning and Language Management: The Case of French.” International Journal of Francophone Studies.
(37) – أريك هوبسباوم (1917): الأوطان والوطنية منذ 1780. الطبعة الثانية. ص 60.
Hobsbawm, Eric J. 1917. Nations and nationalism since 1780: programme, myth, reality. 2nd ed. P