الدعوة المختلة/سيد محمد ايده
الدعوة إلى محاربة “القبيلة والحدِّ من بسطتها وقوتها” مقابل السكوت وغض الطرف عن “الشرائحية” دعوةٌ مختلة، وفكرة معتلة، لأن “الشرائحية” أشد ضررا، وأعظم خطرا، وأبعد أثرا من “القبلية” لأنها عصبية لعرق، وتحيُّزٌ للون، تحدوهما نقمة على الأعراق والألوان الأخرى، وإحساس بالظلم والغبن، وتلك هي الحالقة التي تحلق الدين، وتفرق المجتمع أيدي سبا، وتمزقه شر ممزق، وتزرع فيه البغضاء والشحناء، فتتباعد القلوب، وتتنافر النفوس، وتتناكر الأرواح، وتتقطع الأرحام…
أما القبيلة، فقد أنكر الإسلام التفاخر بها، والتعصب لها، وأقرّ ما فيها من فوائد، فهي وسيلة للتعارف، وحاضنة لحفظ النسب، وفيها صلة الرحم التي يجب أن توصل، ومنها العاقلة التي تعقل الدية عن القريب إذا جنى وقتل…
أما الأعراق والألوان والأجناس.. فلم يرتب الشرع عليها أي حكم ، بل جعل التنوع والاختلاف فيها آية من آيات الله تعالى الدالة على عظمته وحكمته، فقال سبحانه:”ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين” وقد قُرئت الآية قراءتين سبعيتين، فقرأها جمهور السبعة بفتح اللام “للعالَمين” وقرأ حفص عن عاصم “للعالِمين” بكسر اللام، وهو جمع عالِم.
إن الذين يرفعون لواء “الشرائحية” -على اختلاف نياتهم وأهدافهم وأفكارهم ووسائلهم- سواءٌ في مخالفة منهج الإسلام الذي أبطل هذه العصبيات، وأنكر الاعتزاز بها، وسواءٌ في الإسهام في إشعال الفتنة بين المسلمين، وسواءٌ في محاربة “استعلاء البعض على البعض” بتحريض فئة على أخرى، ولا ريب في أن كثيرا منهم جعلوا ذلك وسيلة للاقتيات والاسترزاق…
والمنهج القويم والصراط المستقيم المخالف لذلك كله هو منهج الإسلام، الذي امتنّ على المؤمنين بأن ألّف بين قلوبهم، وجعلهم إخوة، ودعاهم إلى المحبة والمودة، وساوى بينهم في الحقوق والواجبات، وجعل العدل بينهم واجبا لكل أحد على كل أحد في كل حال، وحرّم الظلم بينهم تحريما مطلقا، فلا يباح قط بحال من الأحوال…
سيد محمد ايده