بناء الهويّة الوطنية العقائدية/الدكتور :عبد الله ولد بيان
بناء الهويّة الوطنية العقائدية:
يمكن في أي لحظة أن يجد المواطن نفسه في مدينة قسّمتها الحدود مثل كوباني أو رفح أو سراييفو، أو حتى في ضواحي عين بنتيلي أو امبانيْ، ملزماً بحمل السلاح ’بفخر’ ضد أخيه أو ابن عمه الذي شاءت الأقدار أن يفصل بينه وإياه فاصل حدودي ما، نفسي بالأساس. “إن الهوية الوطنيّة تتطلب شيئاً أكثر من مجرد التسليم بالنظم والقوانين.”(31) وبمعنى أوضح، كما يقول فقهاء السياسة: لا بد لنجاح الدولة الحديثة من ارتباط المواطنين بها بشيء من عدم العقلانية، من خلال مشاعر الفخر والاعتزاز وحب الوطن. ويتأكد هذا الأمر في ظل انتعاش سياسة الهويات الفرعية.
وبالنسبة لنا في موريتانيا، للأسف، ثقافة المواطنة ضامرة في محيطنا الإقليمي، الذي يتقدم علينا في مجالها أصلاً. وكلمة Citizen (أو Citoyen بالفرنسية)، والتي نترجمها بشكل غير دقيق ’مواطن’، لا توجد لها مرادفة عربية أو في لغاتنا الوطنية المحليّة. ومن عوائق بناء الهوية الوطنية العقائدية لدينا: غياب السابقة المدنية، والجراح والتعثر الذي طبع المسار التاريخي، بالإضافة إلى كون أغلب الفاعلين السياسين حاليا (…) تربّوا، عصريّا أو تقليديّا، على يدي جيل تضعف لديه أهمية الرموز والشعارات والسرديّة الوطنية.
وعلى العكس من ذلك، يبدو الجيل الشبابي المدني الحالي، الذي نشأ في ظل تلفزيون وطني ورموز ونجاحات وإخفاقات باسم الوطن، أكثر ارتباطا بهذه المعاني التي كادت تقتصر في الماضي على أبناء المؤسسة العسكرية. فمثلاً، لو استثنينا الدكتور محمد المختار الشنقيطي، بسبب حضوره الإقليمي، لوجدنا أن أكثر ما يجمع الخمسة الأوائل الأكثر متابعة وتأثيراً في الفيس بوك في الوقت الحالي على مستوى موريتانيا، ليس التدوين الفكري أو العلمي أو الدعوي، وإنما حضور الهوية الوطنية في ما يكتبون، رياضة وسياسة ودعاية ووقوفاً ضد ’الإساءات’ الموجهة للعناوين الوطنية (32) (وليس من بين هؤلاء أي ناشط سياسي حزبي، بالمناسبة. وتلك ملاحظة تستوجب التوقف هي الأخرى).”
عبد الله بيّان: سياسة الهويّة في موريتانيا: رسائل الخارج واستحقاقات الداخل
——
(31) – فرانسيس فوكوياما (2018): الهوية – مطلب الكرامة وسياسات الاستياء، ص 162.
.Francis Fukuyama: Identity: The Demand for Dignity and the Politics of Resentment. (2018). First Edition. P 162
(32) – الحسن لبات (إعلامي موريتاني): إحصائية منشورة على حسابه على الفيسبوك 17 سبتمبر 2019.