الفتوى اجتهاد انتقائي ترجيحيٌّ

الكلام الذي سجله ولد الشاه، وتوهم أنه “ردٌّ” على فتوى الشيخ العلامة محمد الحسن بن الددو، و”إبطالٌ” لقول الحنفية الذي استند إليه الشيخ: دليل ناصع، وبردان ساطع على أنه غريب على هذا الفن…
فقد توهم الرجل أن “الظن” لا يكون في الفتوى الشرعية، وغاب عنه أن هذه الفتوى اجتهاد انتقائي ترجيحيٌّ، وأن الاجتهاد سواء كان مطلقا أو مقيدا هو “بذلُ المجتهدِ الجُهدَ واستفراغُه الوسعَ ليحصل له ظنٌّ بحكم شرعي” هكذا عرّفه علماء الأصول، وبهذا التعريف عرّفه الشيخ العلامة سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم في المراقي، فقال:
بذلُ الفقيه الوسع أن يُحصِّلا * ظنًّا بأن ذاك حتمٌ مثلا.
كما غابت عن الشاه قاعدة “تحرير موضع النزاع” وهي قاعدة منطقية مهمة، ينبغي استحضارها عند الردود، فعلماء الحنفية والشيخُ الذي أفتى بمذهبهم مُسَلِّمون بحرمة الربا، ومتفقون على أنه من كبائر الإثم ومن الموبقات السبع، ولكن ما المقصود بالربا؟
حين يشترط الحنفية في حرمة الربا أن يكون في بلاد الإسلام، وأن ما يقع منه في بلاد الحرب -على عادتهم في تقسيم البلاد إلى بلاد إسلام وبلاد حرب- ليس داخلا في مفهوم الربا، فحينئذ لا يُعتَرَض عليهم بأدلة تحريم الربا، فهم مُسلِّمون بها، ولكنهم لا يرون أن هذه المعاملة داخلة في حكمها، لذلك ينبغي أن يُناقَشوا في الشروط التي اشترطوا في حرمة الربا، وفي الاستثناءات التي استثنوا منه، فذلك هو الرد العلميُّ، الذي يتبع قواعد المناظرة، ويراعي طرق الترجيح…
ما سوى ذلك يبتعد صاحبه عن موضع الخلاف أبعد مما بين المشرق والمغرب، ويسوق أدلة، ويحكم أحكاما لا علاقة لها بموضع النزاع، فهو وهي لا يتواردان على محل واحد…
سيد محمد ولد ايده