عمار كائن بشري يفيض خيرا ولطفا

عاشرت عمّار عجول لاكثر من عشرين عاما لم تشبها ثانية من كدر وما لقيته عن قرب او حادثته عن بعد الا احسست بدمائي تتجدد كاني ملأت رئتيّ بأول الاوكسيجين الصباحي في حديقة برية !

عمار كائن بشري يفيض خيرا ولطفا مثل نخلة كريمة تنوء برطبها الجَني فتنثره من حيث تدري ولا تدري…

مساجلاتنا الادبية الخاصة و’السرية’ احيانا كانت من اجمل اللحظات.

هذه المرة أبان لكم بعضا من ذلك التاريخ الجميل:

فكتب :

عمار عجول……….
ورطتي مع شاعر موريتاني عظيم
Mohamed Vall
في أواخر العام ألفين وواحد هبطتُ في الدوحة صحفيا في قناة الجزيرة، فكان أن استقبلني وأكرم وفادتي أيما إكرام.. ومن حينها كان يناديني يابن أم …

إنه محمد فال، عالم جليل ومجتهد مثابر في كثير من العلوم، وناطق فصيح في عالم الصحافة باللغتين الإنجليزية والعربية مما أهله ليكون مراسلا بارزا ومحللا لشؤون الفرنجة على شاشة الجزيرة الإنجليزية

كنا في بداياتنا نتراسل متراشقين بأبيات من الشعر مزحا وتأملا وربما فضفضة …

حينها أدركت بأن هذا الموريتاني شاعر كبير ، وأنا لاعب صغير في مضمار الشعر وكان لابد لي أن أسجل فيه هدفا انتقاميا ،

أذكر أنني احترت وأنا أُجاريه في معارضاتٍ سينية، حينها طار مني عجز البيت ولم أجد بدا من أن أخترع شخصية وهمية فجاء العجز :

*كذا قال الدمشقي الألوسي*

فسألني فال عن هذا الدمشقي الألوسي فقلت له يا فال ألا تعرف الدمشقي الألوسي ؟ كيف هذا وأنت شاعر كبير ضليع في أخبار العرب وآثارهم؟ …

فثار لنفسه وذهب متنقلا بين مكتبات الدوحة حينها حيث لم تكن مصادر الإنترنت كماهي عليه الآن،
سهر باحثا عن الدمشقي الألوسي منقبا من ( البداية إلى النهاية) واستعرض جميع كتب التراجم والسير وكأنه يحي ابن معين يمعن جرحا وتعديلا كما تلميذه البخاري وهو يسوح في التاريخ الكبير، فلم يترك سيرة للنبلاء أو الوضعاء إلا سبر غورها وقتلها نقدا متمثلا الذهبي وهو يزن الرجال باعتدال.

وبعد كل هذا الجهد جاءني وقال لي لم أجد هذا الدمشقي الألوسي… – في نفسي قلت: وأنت صدقتني أيها البريء؟ – وبما أن هذا الدمشقي الألوسي شخصية خيالية فقد وجهته بأنه في السودان سيجده هناك ومن ساعتها سافر فال إلى السودان ولايزال يبحث عن الألوسي هذا بلا جدوى. لكنه رجع فوجده في مسقط رأسه الطنطان في أرض الموريتان فأخذ منه الحكمة وعلم الزراعة وانطبقت عليه مقولات ( الخيميائي ) فزرع الأرض في ديار شنقيط تلك التي كانت كنزا تحت قدميه وحول الطنطان إلى مهجع سياحي ومعلم تنموي وطبق حكمة بطل رواية كانديد حين جاب العالم طولا وعرضا باحثا عن السعادة ليجدها فقط في مزرعة فريدي الطنطان …

قبل يومين استدعى فال إلى حائطه القصيدة السودانية الشهيرة صه ياكنار وهي من عظيم الشعر السوداني.. فانفعلت وعدت إلى ضلالي القديم في مقارعته شعرا بحسب قواي المتواضعة فيه وعلقت له في صفحته :

تحية إلى فال وموريتانيا

وعرفت (فالا) صائدا للؤلؤ
ومسافرا عبر الفضا
من أمسه وإلى الغد
نشد العلا في بحثه متأملا
يسمو يصول بفكره المتجدد
عشق المعارف فانبرى لهمومها.
فلقد وجدتك ثابتا في الفقه،
مزهوا بشعر الحكمة المتوقد
مستصحبا للعلم والتاريخ
والكلم الجميل المرشد
قاتِل بفكرك وانطلق متفحصا
واهنأ بعقل ليس بالمتجمد
وتحيةً يا(فال) من خرطومنا
للشيخ ألددو والشناقط كلهم
تغشى نواكشوطا وطنطانا
وأهل المحتد
لئن انبهرتَ بنيلنا وكنارنا
فبعلمكم وبفضلكم نغدوا نسير ونهتدي
أخوك عمار عجول

فرد (فال) بقصيدة عصماء لا قبل لي بها :

حياك من اعطاك كلّ السؤدد
يا صاحب الذِكر الجميل الامجدِ
يا ابن الاكارم قد غمرتَ مسامعي
دفقا من الشعر القوي المزبد
ونظمت من درر الكلام قلائدا
كاللؤلؤ الصافي يزين المرتدي
اسكرتني وبهرتني وتركتني
مترنحا ببيانك المتجددِ
لا غرو اذ ابدعتَ شعرا باذخا
كخصالك الجلّى بنبل المقصد
عمّار حسبك من تكون حصافة
وصحافة وفصاحة للمقتدي
ولقد اضفت من الخصال رزانة
وسماحة وبسالة في المشهد
زانت بك السودان غرة عزها
وببربر أسست ملكا للغدِ
وبدوحة العز الاثيل مكرّما
نلتَ المنى وصنعت خيرا باليد
نم ما تشاء او اصح واحلم ماترى
فلك الذي ان شئت نحوك يهتدي
وازرع وداو بما حبتك غلالها
ارض العطاء تفوح بالخصب الندِي
فلك السهول الممطَرات ونيلها
من وادي حلفا الى تخوم المجلدِ
ولك امتداد الكردفان ودونه
سهل الجزيرة كالبساط المُمْدَدِ
ما نيل ارض النيل منك بأكرم
فامدد يدا بيضا لارضك تسعدِ
وانعم بفضل الله انك حائز ما تدّعي وبحمد ربك فاسجدِ…
انتهى
،،،،،
وهنا أعلنت عن استسلامي وتركت ساحة الشعر فكل من نازل بني موريتان فيها مُني بالخسران.

فخاطبته قائلا:

قد تبت واستسلمت
ثم نأيت عن خيماتهن
الملهمات الشعر عذب المورد
مزقت أوراقي فلست بحاجة
من بعدِ شعر (الفال) أفضح مشهدي
يابن الثريا والسرى عذرا فلستُ بخائض في الشعر أو بمردد
لملمت أقلامي، قصاصاتي، فليس يكون لي
في أرض عبقر من مبيت أو قِرى أو مقعد
بل طار عقلي هائما وفمي تبكّم ساكتا ومشيت لا ألوِي كما المتبلد
هل ياترى يدنو الثرى أو يشرئب منافسا ومساويا للفرقد ؟
بايعت (فالا) بيعة شعرية هي مثلما
أدى لشوقي حافظٌ من دون نقصان ولم يترددِ
(فالٌ) أتيت مبايعا وعشيرتي
هذي عيون النيل تتبع مقصدي
بَرْبَرْ تقاسمني الهموم تسائلي
من لي وطنطانٌ نقوم بنهضة
من غير حزن أو نشيج تنهد
أبشر أخي (فالا) فأنت الشعر قافيةً تمور
موشحا بالوزن سيفا قاطعا ملء اليد….
انتهى.

وهل يتوب الشعراء؟ ..إلا الذين آمنوا .. اللهم اجعلنا من الذين آمنوا

عمار عجول ………

زر الذهاب إلى الأعلى