النيزك الغاضب في المدار البعيد..
بعيدًا عن السياسة ومتاعبها والحروب ومخالبها، وعن أحداث أوكرانيا والملف النووي الإيراني وسجالات أوروبا مع الغاز الرّوسي.. سأستعيدُ بعض ما وثّقته منذ سنوات عن إمكانية ارتطام نيزك بالأرض، وهو ما يمكن للفضوليين أن يعثروا عليه بتفاصيل مملة لدى الشيخ جوجل. يتتبعُ العلماء سير هذا النيزك الغاضب في المدار البعيد.. فهل يوجدُ بين النّاس من يأخذ الأمرَ على محمل الجدّ أم يعتبرونه مجرّد فذلكة علميّة لا غير. تقول مصادر كثيرة أن الأرض ستشهد حدثا غير مألوف في اليوم 26 من شهر أكتوبر/تشرين الأوّل من العام 2028؟، وعندما أقول غير مألوف فلأنني أريد أن أخفف عليكم وعلى نفسي هول ما سأرويه على لسان خبراء الفضاء والفلك والكوارث الطبيعية، هذا الحدث ينسي الناس جنون البقر، وأنفلونزا الطيور، والسارس، وكورونا وما شابه ذلك من آفات وأوبئة.. فالأمر يتعلق بنيزك أطلق عليه العلماء اسم ” XF “(اكس أف) يقولون إنه سيصطدم بالأرض ويحدث فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.. ويقول آخرون إنه نيزك صغير لن يكون له تأثير كبير. والغريب أن هذا (الإكس آف)، كان في أول الأمر قد اختار مدارا يجنّبه الاصطدام بالأرض، لكن فجأة تبين للعلماء أنّ النيزك، جادٌّ في فعلته، إذ أخذ مدارا جديدا يتجه صوب كوكب السبعة ملايير من بني آدم، فكان لسانُ حالِ هؤلاء العلماء وأغلبهم من أتباع بوذا، وكونفوشيوس، وعبدة الشمس والكواكب، يقول على فطرته: “حسبنا الله ونعم الوكيل”، واعتبروا ذلك عقابا من الله للبشر المنحرفين عن سواء السبيل.. إنه لعنة السماء هكذا شخّــص الصينيون، واليابانيون، والألمان الظاهرة!
هكذا قالوا.. وصاموا عن التصريحات والتأويلات خوفا من أن يتسبب ما يرونه يجري في الفضاء من هلع كبير في أوساط البشر، فيشعرون أنّ القيامة على الأبواب.. لكن هوليوود لم تنتظر طويلا واستبقت ذلك بأن أنتجت فيلما جميلا جدا، شاهدته مرات عديدة لجاذبيته كفكرة وإنجاز، إذ حاول الفيلم أن يصوّر حيرة العلماء والخطر الدّاهم للنيزك بإبراز تلك اللحظة التي تتدخل فيها العناية الإلهية بواسطة العلم فتقوم بعثة مختصة في الحفر (..) بالسفر إلى الفضاء بهدف زرع قنبلة نووية في جسم النيزك وتفجيره قبل أن يخترقَ المجال الجوّي..
لا أكتمكم أن الفيلم يعيد لمن يتملكهم الخوف كثيرا من الأمل، فقد نجح الممثل البارع بروس ويليس في (هرمجدون) وهو عنوان الفيلم الخيالي من تأكيد التفوّق العلمي على الظواهر العلمية القاسية التي تشكل امتحانا للعقل البشري..
و(هرمجدون) كما تقول كتب التاريخ والسرد الديني في الإنجيل والتوراة، هي الموقعة التي يخوض فيها المسيح حربه على غوايات المسيخ الدجال في القدس.. أي لحظة العودة المرتقبة لنبيّ الله عيسى عليه السلام، ويقول العلماء المتابعون لهذه الظاهرة المخيفة إن التطور العلمي للبشرية سيبلغ مداه في العام 2025، أي قبل وصول النيزك بثلاث سنوات، فما معنى هذا التطور؟، وما هي احتمالات التخلص من كارثة اصطدام النيزك بالأرض؟.
تقول التقارير إنّ العلماء يبحثون منذ سنوات في أسلوب علمي لإنقاذ كوكب الأرض من كارثة لا نجاة منها إلا بمعجزة. والحل في ثلاثة خيارات، الخيار الأول أن ينجح العلم في تعطيل حركة النيزك، وهو غير كاف لأنه لا يمكن تقديم ضمانات علمية بأن النيزك قد يتحرر من تعطيل مؤقت فينطلق بسرعة لا تنفع معها أي وسيلة للحدّ من خطر اصطدامه بالأرض، والخيار الثاني هو تغيير مسار النيزك نحو مدار آخر، وهو على واقعيته، يظل صعب التحقيق، فليس من السهل تحويل جسم يتحرك بسرعة مذهلة وبحجم يقارب حجم كوكب أو اثنين، ولأن الأمر لا يتعلق بنقل جبل كليمنجارو إلى صحراء سيناء.. أو اقتطاع جزء من جزيرة مدغشقر ونقله إلى خليج المكسيك (..) مثلا، وهو أمر يمكن تنفيذه قياسا إلى تحويل مسار نيزك غير عادي، وأما الخيار الثالث فهو الأقرب إلى المنطق العلمي والواقعية، ويتمثل في تفجير النيزك قبل بلوغه المجال الأرضي بواسطة قنابل نووية تزرع في جسمه، ويتم تفجيرها عن بعد (..)، ولكن من يعلق الجرس في رقبة الأسد؟.
يبقى الاحتمال الثالث هو الأكثر ورودا في أجندة العلماء والخبراء في البلدان المتابعة لهذه الظاهرة، وأعني بها أمريكا والصين واليابان وألمانيا.. لأن بقية بلدان آسيا وأوروبا الشرقية مشغولة بأنف الإوزة (الأنفلونزا) ومتحزوّرات كورونا، ولم تنتبه إلى هذا الوافد المحيّر من نهايات الكون.
ورغم أنني أدرك جيدا أنني تسللت عن قصد لفضاء الأستاذ أنيس منصور الذي خاض طويلا في هذه الظواهر المحيرة، وإلى عالم الدكتور فاروق الباز الذي يقضي ثلاثة أرباع وقته معلّقًا في الفضاء وظواهره الغامضة.. فأنا أعرف أن من واجب الإنسان أن ينبه إلى خطر داهم ولو على بُعد خمس سنوات.. ولا نملك إلاّ الدعاء للنجاة من نيزكٍ مُنفلتٍ لا يعنيه عُطارد أو الزّهرة أو.. الأرض!
صحيح هناك من الشعوب من يعيش على وقع كثير من التنبؤات التي يصل مداها إلى الحد الذي يضبط فيه اليوم والساعة لخروج الدابة، وظهور الدجال، و يأجوج ومأجوج.. ولا جدال في أنّ لله حكمتُه في كلّ ما جاء كُتبه السّماويّة.. لكنّ الذي يجعلُ مخاوف النّاس تزيدُ بشكل مُفرط، ليس مخزون القنابل النووية التي تشير الأرقام إلى وجود ما يفوق 13 ألف رأس نووي كفيل بإبادة الأرض وسكانها.. بل إن هناك من النّاس من أغلق الأبواب والنوافذ في ليلة رأس السنة من العام 1999، أي ساعات قبل ولوج العام 2000 مصدقا أن القيامة ستكون في الساعة الصفر من اليوم الحادي والثلاثين ديسمبر.. وانتظر الناس لعل الذي تنبأ به العرّافون يحدث، لكنهم وجدوا أنفسهم في الدقيقة الأولى بعد منتصف الليل من اليوم الأول من شهر يناير/كانون الثاني 2000 أحياء يرزقون ويتفرجون على التلفزيون ويتابعون أخبار البورصة، وآخر أخبار صدام والقاعدة وطالبان، والانتفاضة وأشياء أخرى.. ولم يحدث الذي انتظروه إلى أن جاء يوم 11 سبتمبر/ أيلول ليعيشوا قيامة نيويورك الصغرى.. فقال بعض العرافين والدجالين “هذا ما قصدناه..”. وتكرّر المشهد يوم 21 ديسمبر 2012 حين بشّرت قبائل المايا بأنّ القيامة قادمة.. ولم يحدث أيُّ شيء، فقال الخبراءُ إنّها مجرّد حسابات خاطئة..
ولأننا لا ننكر ما ورد في القرآن الكريم والسنة الشريفة من إشارات إلى علامات القيامة الصغرى والكبرى، أذكرُ أنني تابعت قبل سنوات برنامج “الوعد الحق” الذي استطاع فيه الدكتور عمر عبد الكافي أن يجعل الناس أكثر استعدادا لهذا اليوم، فقدم مشاهد القيامة كما لو أنها ستحدث بعد يوم أو يومين، بلغة سلسةٍ ومؤثرة، تجعل مشاهد فيلم (هرمجدون) مجرد خيالٍ سينمائي يتسلى به الإنسان أوقات فراغه. فإذا كان المؤمنون مطالبين بأن يُعدّوا العدة ليوم الحق.. فماذا أعدت وكالةُ الناسا للنيزك الذي سيحل ضيفا ثقيلا على الأرض بعد أقلّ من 2000 يومًا؟.. ربّما وضعت ساعة رمليّة وحولها خبراء يبحثون عن حلّ إن لم يأت من الأرض سيأتي من السماء.. والله أعلم..
عز الدين ميهوبي