العلامة :محمدّو السالم ولد الشين اليدوكي في خانة الساطع “رجال في الموقع”

محمدّو السالم ولد الشين اليدوكي

يقول أحمد بن عبد الله الحسني (الذيب الصغير) رحمه الله:
سقى الله الربوع بذي العلندى :: من الوسمي نثرة أو ذراعا
ودارا من يفاع بني سعيد :: عهدناها تكنّفت الذراعا
وأسقى ذا النقيّ وما عهدنا :: بقاعا ما نود بها بقاعا
وأطلال “الأحيمر ما” اللواتي :: حوت قدما على الدمن ارتفاعا
كما حوت ارتفاعا في الزوايا:: “بنو المختار” أطيبها طباعا
وأوفاها وأحلاها جوارا :: وأنداها وأسطعها شعاعا
أولاك القوم من كرم السجايا :: تذعذع مالهم والعرض ذاعا
فكم قد أسمعوا حكما فصاحا :: وكم قد أشبعوا كرشا جياعا
ونحن العربَ من بين الزوايا :: ونحن أشمها في المجد باعا
لنا العربية الفصحى وإنا :: أعم العالمين بها انتفاعا
فمُرْضَعنا الصغير بها يناغي :: ومُرضِعه تكوره قناعا
فنأخذها من الكتب اعتمادا :: بما فيها ونأخذها ارتضاعا

في قرية انكرمدي 18 كيلومترا شمال شرق اركيز، 80 كيلومترا جنوب طريق الأمل و100 كيلومتر شمال طريق روصو، ولد محمدُّو السالم ولد عبد الله ولد الشين اليدوكي نسبا في الحي من أخواله من إدابلحسن “أولاد بوالمختار” سنة 1865.

درس القرآن وأتقن علومه على يد أفراد أسرته وبعض المشايخ الحسنيين وأخذ عنهم الفقه ومصطلح الحديث والعقيدة والسيرة النبوية والفقه والنحو والمنطق، وعلوم اللغة ودرس ديوان الستة الشعراء الجاهليين وديوان ذي الرمة غيلان وبعض دواوين الشعر العربي في عصوره المختلفة، ثم ارتحل إلى عدد من المحاظر.

نبغ محمدُ السالم في اللغة حدثا وعرف أسرارها وشواردها ودرس أبوابًا من ألفية ابن مالك قبل أن يذهب إلى سيبويه زمانه يحظيه ولد عبد الودود ليدرس عليه الألفية والطرة والاحمرار ولامية الأفعال لابن مالك مع طرة ابن زين، ورجع إلى أخواله وكان عليه المدار في اللغة والنحو لفرط براعته في علوم الآلة.

وكان محمدُ السالم متصوفا ونشب خلاف بينه مع القوم في أمور تتعلق بالتصوف وبعض المسائل فبدأ رحلته مطوّحا نحو أفق بعيد.
صحبه في رحلته أخواه حبيب الله وعبد الله، ذهب عبد الله إلى المغرب وتولى القضاء هناك ودفن في الدار البيضاء واكتنف الغموض حياته وأخباره.
ولازم حبيب الله أخاه محمدو السالم في رحلته حيث ظلا يحملان عصا التسيار حتى وصلا سنة 1946 إلى بلاد الحوض، وبالخصوص محظرة العلامة الشيخ المحفوظ ولد بيه.

يرجح الأخ ابهاه بن أحمدبن يوسف أن ولد الشين وصل إلى الحوظ قبل هذا التاريخ بزمن طويل.

وصل محمدو السالم ولد الشين الحيّ ضحى، ووجد الشيخ المحفوظ ولد بيّه في درس التفسير عند قوله تعالى “ولهم فيها أزواجٌ مطهرة” فبيّن الشيخ المحفوظ أن الأزواج جمع زوج بلا هاء في اللغة الفصحى، وأن الزوجة بالهاء لغة لا لحن كما زعمه البعض ، ففي حديث أنس الذي أخرجه مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم : “إنها زوجتي”
ومن شواهده قول الفرزدق:
وَإِنَّ الَّذِي يَسْعَى لِيُفْسِدَ زَوْجَتِي :: كَسَاعٍ إِلَى أُسْدِ الشَّرَى يَسْتَبِيلُهَا
فسأل أحد الطلاب وما معنى يستبيلها؟
قال الشيخ المحفوظ: أي يتخذها إبلا
فقال محمدُّو السالم: ذاك ما هُ هوّ إلّ عدْنا بيه هك شور لخيام!
فجلس الشيخ المحفوظ وكان مضجعا وقال ذاك اشكيفو؟
فقال محمدُ السالم يستبيلها أي يطلب بولها
قال في اللامية: “باستفعل اطلب”
ومن دوِن أبوالِ الأسود بَسالةٌ :: وبَسْطةُ أيدٍ يمنَع الضَّيمَ طُولُها
ويقول الأحوص:
وإن الذي يجري لسخطي وريبتي :: لكَ الويلُ ريحَ الكلب إن كنتَ تعقِلُ
لكالمُسْتَبيلِ الأُسْدَ والموتُ دون ما :: يحاول من أبوالها إذ تَبَوَّلُ

أمره الشيخ المحفوظ أن يقترب منه وسأله عن نفسه ومن أين قدم وتباحث معه في اللغة والأدب وأساليب العرب وأشعارها وأيامها فإذا هو منجم من الأدب وبحر لا ساحل له من العلوم فطلب منه الشيخ المحفوظ البقاء معه فقبل وألقى عصا التسيار و استقر به النوى، ودرّس ابني الشيخ المحفوظ ولد بيّه، عبد الله وأخوه محمدو، ذاع صيته فأقبل عليه الناس وأحبه العلماء والوجهاء هناك وأقبلوا على الاستفادة منه، واتخذه أمراء مشظوف (أهل لمحيميد) قاضيا اعتمدوا أحكامه.

وممن جالسهم وتدارس معهم الشيخ المحفوظ والشيخ يربانّ بن الشيخ الطالب اخيارالقلقمي، ومن طلابه بيّه ولد السالك الذي لازمه والشيخ محفوظ ولد محمد الأمين مفتي الإذاعة رحمه الله والعلامة محمد بن البخاري بن عبد الرحمن السباعي والشيخ سيدي محمد ولد محمد الأمين ولد عيسي ولد اعبيد التنواجيوي و القاضي محفوظ ولد لمرابط وغيرهم كثير وقل من علماء ونابهي الحوضين ولعصابة من لم يدرس عليه العربية والنحو.

وكانت الجهة الشرقية تعتمد في سندها في علوم العربية على مدرسة أهل الشيخ سيدي المختار الكنتي, و في مطلع القرن العشرين انتعشت العربية في الجهة الشرقية على يد العلامة المحقق محمدُ السالم الذي وصل سند المدرسة الشرقية بسند المدرسة الغربية الجنوبية عن طريق شيخه يحظيه ولد عبد الودود عن الحسن ولد زين عن عبد الودود ولد عبد الله عن بلا ولد مكبد عن المختار بن سعيد بن بونه رحمهم الله جميعا.

ومن طريف ما يروي عنه وهو الماهر في اللغة أن بعض معاصريه نظم أبياتا يذكر فيها أوجه العِرض بكسر العين وذكر فيها أنه يثلث وعزى ذلك للقاموس فقرأها بعضهم على محمدو السالم فنكس رأسه لحظة ثم قال مسكين إنما هي: ويثلب يعني أن صاحب القاموس ذكر العِرض وذكر أنه ما يُصان من الإنسان ويُثلب فحرفت الكلمة إلى يثلث واعتمدها ناظم الأبيات جريا على عادة توما الحكيم مع النقطة الزائدة في كتابه الحبة السوداء التي أفقدت المريض عينيه حين توهّمها توما الحكيم الحية السوداء.

كان رحمه الله آية في حفظ اللغة و النحو؛ وله الكثير من التآليف و الأنظام والشروح والاستدراكات ولم يبق منها اليوم إلا ما هو في صدر تلميذه الشيخ العلامة عبد الله ولد بيّة حفظه الله أو بعض المخطوطات المتفرقة في المكتبات الأهلية.

ومن أهم مؤلفات العلامة محمدو السالم: شرح لديوان غيلان ذي الرمة في جزأين، وشرح ديوان كعب بن زهير، وشرح على ملحة الإعراب للحريري، وشرح نظم السلم في المنطق، ونظم في مصطلح الحديث وله في اللغة: البرق والأباريق وما للعرب فيهما، وما يروى بالعين والغين من كلام العرب، وله منظومة و شرحها في الفعل الثلاثي المثلث، وله مكتوبان في نطق الجيم وله نظم الأضداد في اللغة العربية، وله أنظامٌ كثيرة مطوّلةٌ في الأضداد والأبدال وجمع الجموعِ وغير ذلك من المسائل ، وله شرح للامية ابن مالك على الأفعال بزيادات مطولة منظومة بنفس روي اللامية على احمرار ابن زين عليها “تكميل تكميل ” مزجها بالاحمرار واللامية كما مزج ابن زين احمراره باللامية ووضع طرة على ذلك كله سماها وهذه مفارقة غريبة ” ابن الشين على ابن زين ” .

وفي الشعر له ديوان كبير، يقول عبد الله ولد بيه في إحدى محاضراته:
الأدب مجال نضبت أنهاره، وغارت بحاره، وهو كما قال فيه شيخي المعمّر محمدُ السالم بن الشّين رحمه الله:
حين خلت من أهلها الأطلالُ :: وقَعدت تنشد فيها الحالُ
“أمربع الغصن أذي أعلامُهُ ؟ :: لا هو هو لا و لا أيامُهُ”

كان ابن الشين شاعرا مطبوعا نظم في الفخر والمديح النبوي والرثاء والهجاء، ومنحه عمره الطويل مساحة من التأمل والتفكير أنتجت خيطًا من الحكمة تجلى في أشعاره، له في مديح الرسول صلى الله عليه وسلم :
أمن منزلات رسمهن دريسُ :: بَلابلُ منها لاعج ورسيسُ
كأن مجاجات القلام مرقم :: بها فوق مغناها الدريس طروس
عهدت بها جملا إذ العيش خافض :: واذ جُمْلُ فيها بالعشي تميس
شوامس عن قيل المريب كأنها :: شموس وفي أجيادهن شموس
تظل بروضات القلوب رواتعًا :: تداوى نفوسٌ أوتعادٌ نفوس
تركب في حب القلوب إذا رنت :: نصال سهام ما لهن فؤوس
لعمر سليمى والليالي التي مضت :: ليال ولا أيامهن نحوس
ولا جيد أسماء المليح وعينها :: إذا غاب مغيار علي عبوس
بأحسن منها عين ظبي وجيده ::إذا راعه بعد الخلاء أنيس
فلا أنسَ أيام النقيّ ولا ضحى :: به هن من فوق النقيّ جلوس
تهب علينا الجُربياء وهبها :: يهز ثمامات النقى فتنوس
فتبدو لنا الرزحاء وهي مليذة :: بعجزاء منها والمجن يميس
فتنثر من در القرائح لؤلؤا :: فيضرب منها في النسيب نفيس
ولا قولها العذب الذي بسقاطه :: يساء جليس أو يسر جليس
تذكرت يومي والضريح وهوله :: ونارا لها يوم الحساب حسيس
وأن ليس يجدي غير توبة ناصح :: إذا كان يوم لا يرد عبوس
فزعت إلى من وضح الدين بالهدى :: وأقمر ليل الشرك وهو غميس
إذا عد فضل أي فضل فإنما :: لأحمد فضل فوق ذاك رسيس
قضى الله أن الرسل أفضل خلقه :: وليس له في المرسلين لبيس

وله في التوجيه :
لعمرك ما المروءة في رياط :: محبرة البنائق والجيوب
ولا الترجيل في لمم عواف :: ولا صفوِ الشبيبة للشبيب
ولا الخيلاء ترفع في إزار :: وإحضار النجيبة والنجيب
ولكن المروءة في التزيّي :: بزي المصطفى أدبِ الأديب
ملازمة السكينة في وقار :: ورعي الخمس في الوقت الرحيب
على أن لاتخلّ لها بشرط :: بإخلاص تمكن في القلوب
عليك قواعدَ الإسلام فالزم :: وجانب للمضِيع لها المريب
وحصّل علم ذلك إن عارا :: جهالته على البر المنيب
ولاتك مثل من يرضي بجهل :: والاستغناء بالحسب الحبيب
فما الآباء تنهض ذا خمول :: وراض بالبطالة والذنوب
وقل ” أنا ذا ” ولا تلفى مصابا :: بداء تبتغيه يدُ الطبيب
وبادر للمكارم والمعالي :: مزاج الماء باللبن الحليب
وكن في الدهر أنت وكل مخز :: ومَخزاة كقائبة وقوب
ولا يك ربُكَ المالُ المنمَى :: وكن ربا لمالك في الخطوب
ولا تنمل تحرش بين هذا :: وهذا، للتدابر والحروب
ولايشغلك عيبُ أخيك عما :: بنفسك من قبيحات العيوب
ولوحَكَ إن لوحكَ خير إلف :: يزينك في المجامع والقلوب
ولاتتركه خلف البيت تسفي :: عليه السافيات من الجنوب
ولا يُدرككَ شيبٌ خدنَ جهل :: لأن الجهل يَقبُح في المشيب
عليك الجارَ إن الجار حق :: وحقُ الضيفِ توصية الحبيب
ولا يك في سماء منك أنف :: وأستك ويك في طين رطيب
نعم لاتزهُ زهو المَلك يوما :: وحالك حال مسكين حريب
ومجلس ريبة لاتجلسنه :: فتمسي عرضة للمستريب
وأهل العلم لازمهم وبادر :: إلى مرضاتهم لرضى الرقيب
فإن لم تدر وجه الرشد فاطلب :: لأمرك مرشدا صافي العيوب
ولا تظلم فإن الظلم مرٌ :: عواقبه مررن على عتيب

وكان يقول الهجاء وكان الناس يهابونه ويحسنون قِراه، وقد هجا الأشخاص والمدن، ويرى تلميذه الشيخ عبد الله ولد بيه أنه تورع عن الهجاء في آخر عمره.

وكان العلامة يحظيه ولد عبد الودود معجبا بذكاء ابن الشين، وذات مرة ذكر ابن الشين في مجلس يحظيه وكان ذلك بعد رحيل ولد الشين بفترة فقال يحظيه: هح يذاك اطفل إچكوچي.
فقال الشيخ محمد ولد آبوّ الحسني: هح باط يذاك اطفل إداب لحسن.
وكان إداب لحسن لايقبلون بانتزاع ولد الشين منهم لخؤولته منهم وتوطنه فيهم.

ومن طريف ما يحكى أن الشاعر الرمز أحمدو ولد عبد القادر قال للعلامة المؤرخ المختار ولد حامدٌ عندما سأله عن ولد الشين، فقال أحمدّو:
أمّه علمه وشعره منا، وجسمه من نازعنا فيه تركناه له.

توفي محمدو السالم في تمبدغة سنة 1967 عن عمر زاد على المئة، تغمده الله بواسع رحمته.

كامل الود

سيد محمد

زر الذهاب إلى الأعلى