محمدن وجمال/سيد محمد

محمدن وجمال

محمدن.. هو الابن الأكبر للعلامة المؤرخ المختار ولد حامدٌ.
كان عالما وشاعرا، وأديبا وديبلوماسيا، وعلى خلق عظيم.
تولّى إدارة جريدة الشعب في نشرتها العربية، فشهدت نقلة نوعية على يده.
كما عمل محمدن دبلوماسيا في الرياض، وكانت له علاقات طيبة بأعيان المملكة.
عاد للمنتبذ القصي، وتولى قطاع الثقافة، وعمل أستاذا في المعهد العالي ، فحمد الطلاب سيرته واعجبوا بعلمه وأخلاقه وأناقته.
كان عالما ومثقفا وشاعرا ومن يشابه أبه فما ظلم.
حين مدح محمدن أهل بير البركة، بقصيدته التي مطلعها:
عرّج على البير بير اليمن والبركة :: حيث السكون لوجه الله والحركة
أعجب والده المختار “التاه” بهذا البيت، وقال لمحمدن، لقد اعتصرت هذا البيت منك.
والاعتصار في لغة الفقهاء هو رجوع الوالد في هبته لابنه.
ويشترط المالكية للرجوع في الهبة أن يكون للأب أو الأم فقط ، وذلك مصداقا لمجموعة من الأحاديث كقوله صلى الله عليه وسلم: “لا يَحِلُّ لرجُلٍ أن يُعطِيَ عَطيَّةً، أو يهَبَ هِبَةً، فيرجِعَ فيها، إلَّا الوالدَ فيما يُعطِي وَلَدَهُ”.
ومن توظيف ذلك قول العلامة الصالح امحمد ولد أحمد يوره:
كنّا بميمنة الميمون في طربٍ :: نجني من اللهو ما شئنا و نهتصرُ
ولليّالي رجوعٌ في مواهبها :: (كأنّها الأبُ يعطي ثمّ يعتصر)

في الرابع والعشرين من نوفمبر سنة 1988 توفي الأستاذ محمدن ولد المختار ولد حامد، في حياة والده العلامة المؤرخ المختار (التاه) الذي كان مجاورا بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
لم تكن وسائل الاتصال متيسرة بين المنتبذ القصي والسعودية، ولم يكن كل أحد مؤهلا لإبلاغ المختار بنبإ عظيم كهذا، فالأمر يحتاج رجلا أريبا حصيفا.

تمّ إعلام العلامة الدكتور محمد المختار ولد اباه (بابَ) حفظه الله بالأمر ، وكان حينها الأمين العام المساعد لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة.
حين جاء (بابَ) إلى (التاه)..
علم الأخير أن (بابَ) لم يزره في وسط الأسبوع وفي غير موسم أو مناسبة ويتجشم عناء السفر من جدة إلى المدينة إلا لأمر جلل، تبين له حين سأله (باب) بعد أن أوغلا في الحديث:
محمدن هذا أمّالّو بارْ؟
أجابه التاه:
غفر الله له وألحقه بالصالحين، حگ نحنَ الموتْ سِرْ فينا!

كان محمدن صديقا حميما لجمال وجاء جمال يحمل مرثية للوالد التاه وهو يعلم أنه يحمل تمرا لخيبرِ ويعزّي رجلا مؤمنا يعلم الناس التأسي والصبر، فقرأ عليه التاه أبياتا قالها في رثاء ابنه محمدن:
يارب أثوِ محمدا هذا في :: جناتِ عَدْنٍ -خالدًا- ألفافِ
ضاعفْ له الحسناتِ واغفر ذنبَه :: واخلفْه في خلَفٍ هناك ضعافِ
أما الفقير فأغنه أما الضعيـــــف فقوّه أما السقيم فعاف
والطف بهم يارب والشرَّ اكفِهم :: أنت اللطيفُ وأنت نعم الكافي

فسأله جمال ولد الحسن عن كلمة “هذا” هل هي مقصودة فضحك المختار وقال: عرفت أن ذلك لن يفوت عليك.
وكان من أخلاق أهل إيگيدي أن لايذكر الرجل ابنه ولاينسبه إليه وإنما يقول فلان هذا.
وكلمة “هذا” هنا أيضا هي أسلوب حساني بليغ، فالرجل يقول عن ابنه فلان هذا للتقريب، ولعل البلاغيين يضيفون هذا الأسلوب إلى أساليب القرب.

يقول جمال ولد الحسن في رثاء محمدن وتعزية والده المختار:

جميلُ صبركَ يُغني عن تعازينَا :: وبعضُ شعركَ إنْ كانتْ قوافِينا
ونورُ وجهِكَ وضَّاحا منارتُنا :: إليْه نعشُوا إذا تدجُو دياجينَا
وطودُ إيمانِك الراسي مثابتُنا :: إليه ناوِي إذا تعدُو عوادينَا
وركنُ أنسِك بالرحمان آخيَةٌ :: تشدُّنا حين تسْترخي أوَاخينَا
ودون مبْسمك الراضِي بما فعلتْ:: أقدارُ سيدهِ تَدمى مآقينَا
داينتَ ربَّك بالْعلق النفيسِ على:: أجرٍ سيَجزيه أوفَى دائنٍ دينَا
ذخيرةٌ تلك يُرْبِيها الشكورُ غداً :: إذْ يَمحقُ الحقُّ أموالَ المُرابِينَا
ونعمَة نلتَها فضلاً وتكرِمةً::من ربنَا لو فهِمناها تُربِّينَا
عُلَّمتَ ما لم نكن ياشيخُ نعلمه::فاستغفِرنَّ لنا واعذُرْ بواكِينا
إنْ نفقِد ابْنًا فإنا جازعون على::أب أخٍ وحمٍ ذي وُدِّنا فينَا
وشيْخنا وفتانَا – ليس كلُّ فتًى::شيخاً ولا العكسُ – داعِينا ومُفتِينَا
جمعٌ بدا مفردًا من حيثُ رتبتُه::ومفردٌ قد حوَى جمعًا أفانينَا
فكان مهْما اختلفْنا فهْو يجْمعنا:: وكان أنَّى ذهبْنا فهْو نادينَا
الصدرُ والوردُ والوجه البشوشُ إلى::كلِّ الثلاثة نادِينا يُناديِنا
في مجْلس لا يحُل الهُجرُ ساحتَه::نسْتنشِق الراحَ منهُ والرَّياحينَا
تراهُ يُملي ويملاَ الطِّرسَ يُنشد أو::يُنشِي وما شانَ في شأْْن ولا شِينَا
يَمشِي على الأرضِ هوْنا مَن رآه رأىَ::في حُر طلْعته وسْمَ المصلِّينا
خُلقا كقُلة مُشتارٍ وسمتَ هدى:: كسُنة الْخائفينَ المُطمَئِنِّينَا
يبُاسطُ الخَلقَ يَخشى الحقَّ يسبح فِي::ذكْر وفِكرٍ فوَادِينا ووَادِينَا
ياربِّ فاجْعل فقيدَ الخَمسِ في نزُل::من الفراديسِ يرضِيه ويرْضينَا
واحفَظ بنيه لنَا واجعلْهمُ خَلَفا::مِن كل أسْلافهم نجْبا ميامينَا
لا زالَ في ذلك البيْت العتيقِ هدىً::للطَّائفينَ وأمنٌ للْمُلِمِّينَا
ودام معمورَ ساحاتِ الْمهابة بِالـ :: ـداعينَ منهم إلَى الْحق المُلبِّينا
صوادِقُ الودِّ قد يُبطئنَ عن خفَرٍ::لكنَّهنَّ إذا يَاتين ياتِينَا

كامل الود

سيد محمد

زر الذهاب إلى الأعلى