وخز الذاكرة /سيد محمد سيدي مولود

وخز_الذاكرة

كأنْ لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيسٌ ولم يسمر بمكةَ سامرُ !!

زرتُ هذا البيت اللطيف قبل أيام، وآخر عهدي به كان قبل ربع قرن حيث سكنته أيام الدراسة سنوات الإعدادية مع ابن أختي وابي رحمه الله أغلب وقته عندما يكون في المدينة حيث عمله، وهو بيت من منزل متواضع لخالي سيد احمد ولد النينين رحمه الله في مدينة النعمة غرب المدرسة رقم 3، إذ لم نكن نملك منزلا في المدينة لأننا من ساكنة الريف.

كان تأثيث البيت عبارة عن “خبطه” صغيرة ووسادة في شقه الشرقي يمين الداخل من الباب هي فراش الوالد، وفي جانبه الغربي حصير بسيط من “كاوتشو” ووسادتين فراشي انا ويسلم، ورداء للباس وفيه نصف قدر كبير للماء، كان لباسي وابن اختي غالبا في “زازويات”. لماعين والكدحان كانت تُحفظ في نوافذ البيت الصغيرة، وهي نوافذ مغلقة بالطين لا يمكن فتحها اغلب اشهر السنة، إنما يتم فتحها خلال فترة الحر وغالبا لا تغلق بشكل جيد إلا بعد انقضاء الصيف.

نظامنا الغذائي كان عبارة عن “جيره” متواضعة تعدها سيدة بمقابل شهري أظنه 4500 اوقية قديمة طبعا، كان شقيقي الراحل شيخنا يوفرها لها، لقد كان معلم مدرسة ابتدائية رحمه الله. كنا “نشعشع” بعض الأحيان عندما نذهب إلى اجريف _ 20 كلم _ مشيا على الأقدام خلال عطلة الأسبوع، فنحصل على بعض علب الصردين، وبعض الأحيان على كيل أو اقل من دقيق اللبن “سَفتِ” غالبا نجلبها معنا، فيتوسع النظام الغذائي ويتطور ليشمل أطاجين اظح بخبز لحطب والصردين، ويزداد بازريك من “ميو” كما نسميه او “سفتِ”.

كانت الإنارة عبارة عن مصدرين نبادلهما حسب فصول السنة حيث نستخدم “اللمبه” عندما يعتدل الجو أو يميل إلى البرد، ونستخدم “السندل” ايام الصيف.

كنا في فترات العطل نذهب إلى المحاظر، حتى أيام الابتدائية، ولم نكن نملك وسائل نقل. لم يدخل علينا في حياتنا الدراسية اي معلم او استاذ في البيت، ومع ذلك كنا نتفوق غالبا، طبعا كان هذا حال اغلب أصدقائنا من ابناء الريف الفقير، وربما عاشت الأجيال التي سبقتها ظروفا أصعب.

كثيرا ما اتساءل ما الذي أصاب أغلب أطفال المدينة اليوم ممن يدرسون في مدارس حرة، ويزورهم معلمون في البيوت، وتوفر لهم ظروف حياة مريحة ولو بدرجات متفاوتة، ثم تكون مخرجات كل ذلك ضعيفة وبعض الأحيان رديئة!

اللهم إنا نسألك نزول البركة وحسن الخاتمة

سيد محمد سيدي مولود

زر الذهاب إلى الأعلى