الواجب التربوي للمرأة / د. رقيه أحمد منيه

قبل الحديث بشيء من التفصيل عن الموضوع لا بد من التعرض لحقيقة مفردات العنوان وتفكيكها؛ للتمكن من التعرف على ماهيتها، والمرور عبر قانون اللغة نحو الاصطلاح لتحديد نطاق المقالة.

أ‌- المرأة: أصلها في اللغة من “مرأ”؛ يقول: « هذه مرأةٌ صالحةٌ ومَرَةٌ أيضا بترك الهمزة وبتحريك الراء بحركتها».[1] ويقال: «والأنثى: امرأة بهمزة وصل، وفيها لغات أخرى: مرأةٌ، وزان: تمرة ويجوز نقل حركة هذه الهمزة إلى الراء، فتحذف وتبقى مَرةٌ، وزان: سنة، وربما قيل فيها: امرَأٌ بغير هاء اعتمادا على قرينة تدل على المسمى، قال الكسائي: سمعت امْرَأَةً من فصحاء العرب تقول: أنا امْرَأٌ أريد الخير، بغير هاء، وجمعها: نِسَاءٌ وَنِسْوَةٌ من غير لفظها».[2]

ب- الواجب: « وجب الشيء، أي لزم، يجب وجوبا. وأوجبه الله، واستوجبه، أي: استحقه».[1] « والواجب في عرف الفقهاء: عبارةٌ عمَّا ثبتَ وجوبُه بدليل فيه شبهة العدم، كخبرِ الواحدِ، وهو ما يثابُ بفعلهِ، ويستحقُّ بتركِه عقوبةً لولاَ العذرُ حتَّى يضلل جاحدُه ولا يكفُر به..والوجوبُ الشَّرْعيُّ: هو ما يكونُ تاركهُ مستحقاً للذَّمِّ والعقَابِ».[2]

ت-  التربوي: « من رَبَّيْتُهُ تَرْبِيَةً وَتَرَبَّيْتُهُ، أي: غذوته، هذا لكل ما ينمي كالزرع ونحوه».[3]

وبعد..فليس الغرض الأساسي من هذه الكلمات وضع وزر انحراف الأولاد أو حمل التربية كلا على الأم، لأنه لا يخفى على ذي لب أن العملية التربوية الأسرية مهمة مشتركة بين الوالدين، ولكن العلاقة الجبلية بين الوالدة وولدها تشير إلى تحمل الأم الثقل “مثقلة” حتى قبل الولادة، وملازمة أعباء التربية في المراحل الأولية، وتبعا أيضا للحاجات المتجددة للأبناء والبنات..

ثم إن ما أودعه الله من الرحمة والحنان في قلب الأم أهلها لوظيفتي التربية والحضانة للأبناء؛ فتتحمل ثقل الحمل رغم ضعفها بكل طيب نفس وانتظار للفرح بالمولود، قال الله سبحانه: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾.[1]

 يقول الزمخشري: « والمعنى: أنها تضعف ضعفا فوق ضعف، أي: يتزايد ضعفها ويتضاعف، لأن الحمل كلما ازداد وعظم، ازدادت ثقلا وضعفا».[2]

 ومن لطائف الإشارات القرآنية في معاني الرحمة الجبلية للأم؛ قوله تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾.[3]،

يقول صاحب التحرير والتنوير: « وجملة يرضعن خبر يراد به التشريع، وإثبات حق الاستحقاق، وليس بمعنى الأمر للوالدات والإيجاب عليهن».[4]، فعبر بفعل المضارع دون الأمر تنبيها على الحنان الخَلقي للأم، وفي حق الوالد عبر بفعل الأمر دلالة على الوجوب؛

يقول القرطبي في تفسيره: « وفي هذا دليل على وجوب نفقة الولد على الوالد».[5]،

 وإذا علم أن الواجبات الأسرية في الشرع الحنيف وزعت بعدالة وتكامل، وأن الأوامر لا تتعارض؛ فإن الواجب التربوي يناط بالأم، والقيام بالنفقة والرعاية يناط بالأب.

 ومن ثم فإن الواجب التربوي  يجعل المرأة تتولى أشرف الأعمال وأنبلها؛ ألا وهو بناء شخصية الطفل والعناية بسلامة فطرته، وغرس القيم والأخلاق الفاضلة في النفس، ولها الدور الأبرز في صيانة تماسك الأمة وصلاح الأجيال الناشئة، والحماية من الانزلاق نحو الهاوية أو التردي في مزالق الرذائل..

وعلى ما تقدم فإن المرأة المسلمة لا تقل عن الرجل المسلم في التكليف وإنما يختلفان في المهام، ولا يتفاوتان في المكانة وإنما يتمايزان في اختلاف أعباء تكوين النواة الأولية للمجتمع، هذا من حيث الأصل.

ثم إنه من المسلمات أن وظيفة المرأة الأساسية هي إعداد أبنائها إعدادا ملائما، وهذا من أبرز واجباتها، بل إن أول ما يتبادر إلى الذهن من واجبات المرأة الأسرية، هو العناية بالأبناء، فالأم: هي المدرسة الأولى للطفل.[6]

 إن الداعي الملح للتطرق إلى الموضوع؛  أن الأسرة اليوم تواجه تحديا تربويا فارقا، تتجلى أبرز ملامحه المعتمة في انتشار المنصات الرقمية غير المراقبة والمتاحة لكل الأعمار، ولا تراعي إلا ولا ذمة في عقول الناشئة الغضة، تبث السموم القاتلة للفضائل والقيم، إن أجيال الألفية الرقمية تتقاذفها ثلاثية الهدم.. “البابجي”..و”التيك توك”.. وثَالِثَةُ الأثَافِي “النت افليكس”..التي لا تبقي شعورا بالمقدس ولا تذر باعثا على برور الوالدين ..أشبال..تمت تربيتهم من قبل وسائط مؤثرة جدا في كل النواحي الحياتية.. هادمة لكل القيم والأخلاق..تزرع بذور العنف والانحلال..وإذا لم يتم تدارك الأمر وسد الفراغ الحاصل في أوقاتهم..فقد لا نجد منهم من يتواصل مع مجتمعه في قابل الأيام.. فعلى الجميع القيام بمسؤوليته التربوية..وقبل ذلك وبعده ملازمة الدعاء للأبناء بالهداية والصلاح..

 اللَّهمَّ اهْدِهم وائْتِ بهم.

 والله من وراء القصد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

وصلى الله وسلم وبارك على الحبيب الشفيع سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

زر الذهاب إلى الأعلى