بمناسبة اليوم العالمي لإلغاء الرق

اطلعت قبل قليل على أنّ اليوم هو اليوم العالميّ لإلغاء الرقّ، فأردتّ بهذه المناسبة ذات البعد العالميّ أن أسجّل النقاط التالية:
١- أنّ معظم الشعوب المتخلّفة والمتحضّرة مارست الرقّ حتّى عهد قريب، وبأبشع الصور .
٢ – أنّ ممارسته سبقت الإسلام، فليس الإسلام، ولا المسلمون مسؤولين عن وجوده، ولا تكريسه.
٣ – أنّ الإسلام اتبع فيه ما اتبعه في الظواهر الراسخة في المجتمعات من سياسة التدرّج، وقد تمثّلت سياسته في التعامل معه فيما يلي:
– تخليق الموروث منه قبل الإسلام بإخضاعه للأخلاق والقيم والأحكام الإسلاميّة ( توفير الضرورات، تهذيب التعبير )
– التشوّف إلى التخلّص من الموجود منه عن طريق الترغيب والإلزام بإدراج تحرير الرقاب في الكفارات، وعن طريق الكتابة لمن يريدها مع إسهام المجتمع في تسديد فاتورة الكتابة (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم)
– سدّ منافذ الاسترقاق السائدة ظلما.
– الإبقاء على الرقّ خيارا من ضمن خمسة خيارات للتعامل مع أسير الحرب ( المنّ، الفداء بأسرى، الفداء بمال ، القتل، الاسترقاق)
والحرب في الإسلام لا تعلن على العدوّ إلّا حالة الخوف من مكره: (استقراء الأنشطة العسكرية في العهد النبويّ) وبعد رفض خيار الإسلام أو الصلح.
ومن المعلوم أنّ قوانين الحرب استثنائيّة سيّالة تخضع لمنطق الضرورات، على أنّ الإسلام يبقي على الأخلاق مهما كان تأزّم الوضع( ولا تعتدوا ) ولا يلغيها في معمعان الحرب.
إذن فربط الإسلام الاسترقاق بالحرب المتحرّكة برهان على أنّه لا يسعى إلى جعل الرقّ حكما ثابتا، وإنّما هو متغيّر بحيث لو اتفقت شعوب الأرض على إلغائه فإنّ الإسلام الذي يتشوّف إلى الحرّيّة و يسمّيها ملكا (وجعلكم ملوكا )سيكون أوّل الساعين إلى إبرام هذا الاتفاق، والمرحّبين به، والواقع خير شاهد ، دعني من ظهور حالات معزولة في هذا البلد أو ذاك، فلذلك علاجه فليترك للبيت الداخليّ.
وبالمقابل لو رجعت – لا قدّر الله- البشرية في المستقبل إلى استرقاق أسير الحرب فإنّ الإسلام سيكون له خياراته ومنها خيار المعاملة بالمثل ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) ولذلك فإنّه قد يأخذ بخيار الاسترقاق و يفعّل ترسانته الفقهيّة المرتبطة بالموضوع بعد تخليصها من بعض الاجتهادات البشريّة التي لا يسعفها الدليل.
ولو فتحت البشرية أبواب الرق الظالمة فإنّ الإسلام سيحمل راية تخليص المستضعفين المستعبدين ويغلق تلك الأبواب كما فعلها من قبل.
٤ – وجود أخطاء ، بل خطايا في الممارسة من بعض المسلمين عبر التاريخ، وهي خطايا من الخطيئة ربطها بالإسلام.
٥ – أنّ للمسلمين في عهودهم الأولى منقبة عظيمة تمثّلت في الدمج المرن للموالي ( الارقّاء السابقين ) حتى أصبحوا قادة الأمّة في مجال العلم والأدب و السياسة وو..
٦ – لعلّ من مناقب سلف الأمّة سعيا إلى إرضاء الشرع في تشوّفه للحرّيّة أنّه لم يوجد فيه – حسب علمي القاصر – تلاد الرقّ ( استرقاق عدّة أجيال ) فقد كانت ماكينة التحرير سريعة الإنتاج.
والخلاصة أنّه لا مزايدة على الإسلام في مبدإ إلغاء الرق، وأنُه يجب التخلّص من عقدة الربط بين ما جاء به الإسلام وبين ممارسة مسلمين ليسوا شديدي العناية بتمثّل الإسلام.، ويجب على المناضلين الحقوقييّن المسلمين أن ينطلقوا من مبادئ الإسلام وأحكامه وقيمه وهم يقومون بعمل نبيل إن خلّص من بعض العوارض التي تعكّر نبله.
تلكم – إخوتي الكرام- نقاط يقدّمها من يزعم أنّها صواب، فإن كانت كذلك فمن الله، وإن كانت خطأ فمنّي ومن الشيطان، والخير أردت ، وما توفيقي إلّا بالله عليه توكّلت وإليه أنيب.

سيد محمد  محمد المختار

زر الذهاب إلى الأعلى