مـنْ لِــطًـريق الْأمَـــلِ ؟ / الطيب سيد أحمد

 

كان طريق الأمل ــ كما نسميه اليوم ـ حلما بعيد المنال في عقد الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي غداة الاستقلال ؛ كما كان مخاضه عسيرا ؛ شأن الأحلام الغامرة والآمال الجسام عادة ؛ إلى أن يسر الله وقدر فكان طريق خير وبركة ؛ ومنا وسلوى ؛ في بلد صحراوي مترامي الأطراف نخر الجفاف جسمه ؛ وبرى عظمه ؛ وقـطّـعت التضاريس أوصاله أو كادت .

يعمره مجتمع بدوي حديث عهد بالمدنية والتحضر .

ربط طريقُ الأمل رأس هذا البلد المتخلف حضريا وثقافيا؛ الفقير اقتصاديا ؛المترامي جغرافيا ربط رأسَه بأبعد أطرافه منه وأكثرها كثافة سكانية وحيوية اقتصادية عبر شريط مسفلت سالك؛ أمتطى صهوة الرمال الزاحفة ؛ ومهد مهامه الصحاري الموحشة ؛ وحطم الحواجز الفاصلة ؛ فـنحت الجبال الصلدة وداس على التلال والهضاب والنجاد والأودية والأغوار فسوى الجميع بساطا سويا وطيئا تنساب فوقه الحركة انسيابا على طول ألف ونيف من الكلمترات سبيلا إلى لم شتات وطن مبعثر ؛ ربط بواديه بحواضره وقراه بمدنه والمدن بالأقاليم المترامية في عقد بديع مرصع بجغرافيا بشرية متناغمة ؛وتضاريس طبيعية متنوعة مثخنة بجراج الجفاف وعوامل التعرية ؛ وبطش الإنسان ؛ تحكي هموم أمة أسهمت في التاريخ من قبل؛ ولا زال ينتظرها المزيد .

وطن تتربص به عاديات الزمن وهوس السلطة ونهم الثراء الغبي المدمر؛ ورواسب البداوة وتخلف الاقطاع وعبث السيبة وأطماع الاستعمار ؛ فضلا عن التجاذبات الإقليمية والدولية .

لكنه ظل ثابتا يتحدى الجميع ؛صامدا صمود الأبطال شامخا شموخ راسيات الجبال مرفوع الرأس ؛يتحين بناة مخلصين أكفاء يعيشون مع الناس همومهم وانشغالاتهم ؛ يؤثرون على أنفسهم في السراء والضراء؛ لا تأخذهم في خدمة وطنهم لومة لائم .

جلب طريق الأمل هذا السعادة والهناء للبدوي والحضري والمسافر والمقيم والصحيح والسقيم والتاجر والمستهلك ونـفث في حياة المجتمع زحفا جديدا وتطلعا إلى غد أفضل .

يسر التواصل والعلاج والتبضع والتعلم؛ وجسد وحدة عضوية حية مشهودة لبلد كان بأمس الحاجة إليها ؛ وما كان ليحلم بها إلا الساسة النابهون ؛ كما أرسى جسر تنمية خالدا عابرا للزمن إذا ما أحسنت رعايته وصيانته وتطويره ؛ فكان بحق طريق أمل وقنطرة أمان.

أما وقد أشرق الأمل واعدا؛ وتجلت مزايا طريقه ماثـلة في مختلف مناحي الحياة ؛ وتسارعت عجلة التنمية؛ واشتدت الحاجة إليه؛ وتعددت المصالح في تعزيزه بل تطويره مواكبة لدواعي النمو الحضري وزحم الحياة النشطة الجارف؛ فكيف بنا نـنكفئ عنه؟ وندير له الظهر؛ ونسلمه لعاديات الزمن ؛ حتى يستحيل كابوسا مزعجا؛ يضر من حيث يجب أن ينفع ؛ ويسيء من حيث ينتظر منه أن يحسن؛ ذلك بما بات يتسبب فيه من حصد الأرواح وتلف الأموال وضياع وقت المسافرين المساكين علاوة على ما يجلب عليهم من وعثاء السفر؛ وربما سوء المنقـــلب ــ أعاذنا الله وإياكم من كل مكروه ـ

لقد أصبح السفر عبر هذا الطريق الرمز مخاطرة يحسب لها ألف حساب كما استحال عبءا على التنمية بعد أن كان رافعة حيوية لها؛ وكان السفر عليه سياحة ممتعة .

ما بال الجهات المختصة تتفرج على هذا المرفق العظيم وهو يتداعى ويتآكل مقطعا مقطعا كأنها لا ترى ما يراه الناس جميعا ؛ ولا تكتوي بلظاه كما يكتوون به

أبا مسلم ما طول عيش بدائم ** ولا سالم عما قليل بسالم
صحيح أن هذا الواقع المزري هو نتاج تراكمات مزمنة من اللامبالاة الفجة؛ طفح بها الكيل؛ لكن الواجب الفوري لمن يتقـلد المسؤولية عن القطاع يتمثـل في رفع التحدي بما يلزم أولا بأول((اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)) .

إن مجرد التفكير اليوم في السفر بين نواكشوط وبتـلميت يشكل هما مزعجا فما بالك بالسفر بين نواكشوط وألاك ؛ والحبل على الجرار …..

يخيل إلى المرء أن ما يسمع عنه ويرى من مظاهر الترميم والصيانة هنا وهناك مجرد (( أضغاث أحلام)) أثبتت الأيام عدم مصداقيتها ؛حيث تمر الشهور والسنوات وأنت لا تكاد تلمس ولا ترى أي أثر يذكر لأشغالها؛ بينما عوامل التقادم  وضغوط الاستخدام المفرط وعوامل التعرية تنهش فيه على أشدها؛ فإلى متى ؟

طفح الكيل وأيم الله

متى يدرك المعنيون حجم الحدث ومستوى التحدي وخطر التفريط والإهمال الذي يطال هذا المرفق العظيم.

عسى فرج يأتي به الله إنه ** له كل يوم في خليقته أمر

زر الذهاب إلى الأعلى