نيران الإعلام البديل / محمد تقي الله الأدهم

بين الفينة والأخرى نطالع نقاشات وآراء بشأن تغطية وسائل الإعلام لدينا للمستجدات الإخبارية ،ونجاحها أوفشلها في بناء جسر ثقة يؤدي إلى المتلقي الذي بات في متناوله أكثر من خيار، وبين يديه سبل أخرى ليروي ظمأه ويأخذ حقه كاملا غير منقوص من الإخبار والتثقيف والترفيه، إن لم يسقط  ضحية للتضليل والخداع.

والواقع أن تناولا جادا للموضوع ،يتجاوز القشور إلى الجوهر ، يحيل لا محالة إلى ضرورة مراجعة واسعة وشاملة ، أعتقد أن الحاجة الماسة إليها وطابعها الإستعجالي دفعا الدولة ممثلة في رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني إلى دعوة الإعلاميين لنقاش مفتوح وإنشاء لجنة مكلفة بتقديم رؤية متكاملة لإصلاح القطاع.

أكملت اللجنة عملها وقدمت توصياتها وخلاصة مقاربتها وسط مباركة وتثمين وحديث من القطاع الوصي عن تدرج زمني في التطبيق والشروع في إعدادومراجعة النصوص ضمانا للنجاعة وتجنبا لمآلات التسرع.

لم أطلع على ترتيب الأولويات في نظر اللجان المكلفة بالملف ، لكني أعتقد جازما أن النقاش المشار إليه أعلاه يتطلب رفد الإعلام التقليدي بملامح رؤية جديدة مغايرة تمكنه من التمسك بخاصية “المصداقية”،وتكسر لديه -في الآن ذاته-حاجز الخوف من السقوط في أوحال التسرع وتقديم الأخبار الزائفة(fake news).

صحيح أن “المادة الكاذبة”باتت صناعة براقة قادرة على التأثير  جراء الطفرة التقنيةالمذهلة ووفرة المنصات الافتراضية ، وانتشارالفاعلين المشاركين “الهاكرز” في مختلف أنحاء العالم، لكن الأمر لم يصل بعد إلى لحظة إعلان موت “المصداقية” و هيمنة التشويه والتلفيق والخداع ، والعجز عن كشف ألاعيب وترهات تقنية “التزييف العميق “

أدرك حجم الهلع الذي ينتاب سكان المعمورة حيال التقنية المذكورة ، وتحذير (FBI) من إمكانية استخدامها ضمن هجمات سبرانية في المستقبل المنظور..بيد أن الغرض من تدوينتي هذه هو لفت النظر  إلى ضرورة حث السير في اتجاه تجاوز الفواصل بين الإعلامين ” التقليدي” و “البديل” ووضع خارطة طريق كفيلة بأخذ آخر الخلاصات في هذا المنحى بعين الإعتبار.

 ومن أبرز تلك الخلاصات :

– لامعنى ولاقيمة لوسائل الإعلام التقليدية (الصحافة المكتوبة،الإذاعة ،التلفزة …) إذا تمركزت حول ذواتها ،ولم تفتح أذرعها لاحتضان الإعلام البديل عن طريق إقصاء غثه وامتطاءسمينه وامتلاك آليات تنقيته من الشوائب .

– يجب على الإعلام العمومي والخاص أن يضع نصب الأعين تكوين ممتهنيه ومنحهم أبجديات العمل المهني ذي المصداقية في مواجهة التزييف وتقنياته .

– يقتضي التأثير الفاعل في الجمهور العريض نشر وبسط الثقافة الإعلامية ، وزيارات ميدانية يؤديها إعلاميون لمؤسسات التعليم وهيئات المجتمع المدني والأحزاب السياسية – تخليدا لليوم العالمي للصحافة مثلا-بهدف إشاعة وسائل وأدوات التحصين من داء التزييف .

– يتطلب نجاح المسعى السعي -ولو بتؤدة-في اتجاه “تنقية “الحقل ، وتضييق الخناق على المتطفلين .

– المضي في بناء رؤية ثاقبة واضحة شاملة مانعة بشأن الحرية والالتزام ، تجنبا لتبعات الطرق الملتوية والتأويلات المؤدية إلى التلاعب بالثوابت.

وعموما ينبغي أن يدرك الإعلام التقليدي أنه بات في مرمى نيران الإعلام البديل ،مما يقتضي إعادة النظر في الشكل والمضمون والأسلوب..

زر الذهاب إلى الأعلى