* الفهم … والتفاهم /محمد فال بلال

خواطر،
* الفهم … والتفاهم
إن الإنسان أياً كان بحاجة إلى “الفهم” للوصول إلى “المعرفة”.. بحاجة لأن يفهم الأحداث من حوله و يفهم كلام الآخرين: كلام الأستاذ أو المعلم، كلام العمدة أو النائب أو الوزير… الإنسان بحاجة “للفهم”، و إلّا كان مثل العميان. هذه الحقيقة نعلمها جميعًا؛ و لكن هناك حقيقة أخرى نجهلها أو نتجاهلها ؛ وهي حاجتنا “للتفاهم” .. أقصد التفاهم بين البشر. التفاهم بيننا، بين الأجيال، بين اللغات، بين الفئات، بين الجيران، بين الرجال والنساء، بين الطبيب ومريضه، بين الأستاذ و تلميذه، بين رب العمل و العامل، إلخ… نجهل أو نتجاهل حاجتنا إلى فهم الآخر؛ أعني الشخص القريب والشخص البعيد، والشخص المماثل والشخص المختلف. وهذا التفاهم بات أمرًا ضروريًا وملحًا نظرا لما ينتشر من سوء التفاهم في جميع مناحي الحياة، في الأسرة وفي المدرسة وفي المكاتب وفي المزارع وفي الأسواق وفي المساجد بين الإمام والمؤذن وبين الجيران، إلخ.. إننا نعيش عصر “سوء الفهم” الذي يولد “سوء التفاهم” والتنافر والتباعد والمرارة والغضب والعنف. ومن أسبابه الرئيسية:
* التعصب والفردية المتمحورة حول الذات والغبن والإقصاء. والفردية تعيق حتمًا التفاهم بين البشر لأنها تطور الأنانية وتعزز التبرير الذاتي وكل واحد منا يحمل في داخله نزعة استعلاء فرعونيّ (أنا ربكم الاعلى)، ويميل للعب الأدوار الأمامية وتهميش الآخر، خاصة عندما يكون هناك جدال، أو صراع، أو خلاف. ومن هنا تنشأ حالة نفسية أطلق عليها الإنجليز اسم “خداع الذات”، أي الكذب على النفس، وهي حالة شائعة أكثر مما نعتقد. عندما نكذب على أنفسنا، فإننا لا ندرك ذلك وينتهي بنا الأمر إلى تصديق الأكاذيب التي صنعناها على أنفسنا.
* المعرفة .. والتعارف
من المفارقات العجيبة أن “سوء التفاهم” هذا يتسع وينتشر على الرغم من أن الجميع يقول إننا في عصر “الفهم” و “المعرفة”.. مما يدلّ على أن “الفهم” لا يفضي حتمًا إلى “التفاهم”، و “المعرفة” لا تفضي حتمًا إلى “التعارف”. صحيح أننا اليوم في عصر التواصل والاتصال؛ وصحيح أن كل شيء في عالم اليوم يدفع إلى التواصل والتلاقي والتعارف: وسائل الإعلام، الهواتف الذكية، الإنترنت، شبكات التواصل الاجتماعي، إلخ…و مع ذلك، لا تفاهم و لا تعارف! لماذا؟ لأن الإعلام و المدرسة و الأسرة والحياة لا تنقل لنا ما يخدم التفاهم والتعارف؛ بل تنقل لنا غثاء كغثاء السيل يدك مسامعنا بسرعة البرق، ولا نجد لأنفسنا دقيقة لالتقاط الأنفاس والتفكير والتدبر؟ ..
أين الحل؟
* الحل الوحيد هو أن نزرع التفاهم والتعارف بيننا، و نبني جسورًا وخطوطًا سريعة و طرقات و مدارج للربط بين الإنسان و الإنسان. فبقدر ما نطالب بإصلاح طريق ألاگ – بوتلميت، و نواكشوط – روصو، و امبود – سيلبابي؛ علينا أن نطالب بمدّ جسور المحبة و شق طرقات التآلف و التراحم بين قلوب الناس، بين الضمائر و المشاعر و الأفكار و إصلاح ذات البين و تعزيز الوحدة الوطنية. علينا أن نبدأ فورا في بناء هذه الممرات و الطرقات، و نرفع على جنباتها لافتات مضيئة ومنارات روحية و علامات فكرية ودعائم قانونية لا نضل معها و لا نشقى. هذه الطرقات موجودة فطريا و تاريخيا؛ إنما تحتاج إلى إعادة بناء و ترميم و أعمال صيانة..
لا خير في “فهم” لا يفضي إلى “تفاهم”، و لا خير في “معرفة” لا تفضي إلى “تعارف”.
قد يقول معلق إن هذا كلام إنشائي زهيد؛ وأقول له: صدقت، لكنه مع ذلك قابل لأن يتحول إلى فعل مفيد متى توفرت الإرادة و حصل الاقتناع به. و الطرق أو الجسور المطلوب بناؤها ما هي إلاّ كسائر الطرقات و الجسور تحتاج مهندسين و بناة و مختبرات و آليات و ضوابط.. والمهندسون هنا هم الإدارة و الأئمة و العلماء و الأحزاب و منظمات المجتمع المدني و اتحادات الشباب خاصة، والمختبرات و الآليات هي الأسر و المساجد و المدارس؛ و الضوابط هي القوانين و الأخلاق و التراث الثقافي و المصير المشترك.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ..
صدق الله العظيم

محمد فال ولد بلال

زر الذهاب إلى الأعلى