بين ضفتي العدم
بين ضفتي العدم
بين ضفتي العدم تطوي مراكبنا بحار العمر في رحلة قصيرة ، نبتعد عن ضفة لنقترب من أخرى فيُطوى كتاب العمر.
سريتَ إلى جيحانَ من أرض آمدٍ :: ثلاثا لقد أدناكَ ركضٌ وأبعدا
ونحن على مشارف الضفة الأخرى نظل نحِن ونتوق إلى الضفة الأولى ، حتى أن الطفولةَ ما زُمت حقائبُها
ما زال فينا أخو لَثغ تشاغبُه :: وما يزال بنا طفلٌ يشاغبُها
إذا به فجأةً شيخًا يمرّ بها :: على حياءٍ، فتُبكيه ملاعبُها
الله.. كم دهشة كانت تؤرقنا :: سنامُها صار للذكرى وغاربُها
الله.. كم فرحا عشنا له وبه :: أمسى دموعا على هون نغالبها
هذا هو العمر.. أنهار مشعشعة :: تجري بنا، دون أن ندري، زغاربُها
كنا على الدهر فتيانا نغير بها :: ولى فتاها، وظل الآن شائبُها
وما تزال بنا تغري أعنتها :: وألف توق إلى الماضي يجاذبها
عجلى، وفي لحظة نرنو لها جزعا :: مستغربين.. متى جفت مساربها
نكاد نبكي على ساعات وحشتنا :: لو نحو ذاك الشجى عادت عقاربُها
نمضي من المبتدأ لنكون خبرا للآتي بعدنا ، لكننا في المنتبذ القصي ، نترك المبتدأ دون خبر ، حيث نمضي بتجاربنا بأسرارنا ودروسنا المستفادة من الحياة والتي هي الجزء المتم الفائدة ، نمضي بها فيغمرنا النسيان وتعصف الريح برماد العمر.
كل شخص تشكل شهادته خيطا في النسيج العام للذاكرة الجمعية.
كل شهادة تمثل جزءا من الصورة ولبنة في بناء ذاكرة الدولة ذاكرة الأجيال.
بالطبع لايوجد تاريخ واحد بل عدة تواريخ وتلك التواريخ هي الروايات والشهادات التاريخية لحدثٍ أوعصر أو حقبة واحدة بعيون ورؤي متعددة بتعدد الرواة الشهود.
عندما تسجل شهادات العصر ، و تجتمع شهادات العصر ، يمكن لللباحث أن يخرج بمقاربة لاتدعي الكمال لكنها تعطي صورة عامة ثلاثية الأبعاد لتاريخ الأمة.
وفي المنتبذ القصي يرحل شهود العصر فتضيع حلقات كان يجب أن لاتضيع من تاريخ اللأمة.
مأساة الشهود عندنا أنهم ينتظرون مالايأتي وهو الوقت المناسب للإدلاء بالشهادة والزمن الملائم للبوح.
يراهنون على الزمن يحاولون تمديد الوقت الإضافي واحتسابَ وقتٍ بدلَ الضائع ، يخادعون الزمن فيخدعهم في الأخير..
يحمل كل شاهد أسراره ويمضي في صمت..
محمد مولود ولد داداه ، أحمد باب مسكه ، محمد المصطفى ولد بدر الدين ، محمد يحظيه ولد ابريد الليل ، أحمد ولد الوافي ، فياه ولد المعيوف ، حبريل ولد عبد الله…مثالا لاحصرا.
شكلت مذكرات الرئيس المختار ولد داداه لبنة أساسية في بناء الذاكرة الوطنية ، وأجمع الناس – مع تحفظ البعض- على أهميتها رغم أنه سكت عن أشياء ورغم ما يقال عن تصرف مريم داداه في بعض التفاصيل تحويرا وحذفا..
إن لدى الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد ولد الطايع الكثير ليقوله ـ ولن يكلفه ذلك أكثر من آلة تسجيل وكاتب سيّر محترف ، فيؤدي بذلك خدمة للذاكرة الوطنية بدل اهتمامه بـ (نجاة العرب)!!
على الشهود الأحياء البدار البدار قبل فوات الأوان..
يقول الكاتب الروائي عبد الرحمن منيف في روايته “عروة الزمان الباهي” عن صديقة الكاتب محمد الباهي (محمد فال (أبّاه) ول الننيه) :
“إن الموت الذي أخذ يعصف قوياً مستبداً بأعداد كبيرة من جيل الباهي، لا بد أن يقدم درساً نموذجياً لما يجب أن يعمل الآن… وقبل فوات الأوان!
فالفسحة تضيق، والأرض تميد تحت الأرجل، أما انتظار الوقت المثالي، الأكثر أمناً، للإدلاء بالشهادات وتدوين التجارب فإنه تعويل على السراب.
كما أن العزوف عن قول الحقيقة كالمساهمة في إخفائها أو التواطؤ عليها. ومن هنا تترتب على كثيرين مسؤوليات لا بد أن ينهضوا بها، وإلا أصبحوا من النادمين”.
نحن في المنتبذ القصي لانعي أن فعل الكتابة يمنحنا عمرا ثانيا أطول وأبقى.
فنحن نكتب لنكون فالكتابة ممارسة وجود.
السرد حياة أخرى ونقش على جدار الزمن لايَعيه البدوي
البدوي يكتب على الرمل معوّلا على الريح
وخطــطنا في نـقى الرمل فلم :: تحفظ الريحُ ولا الرملُ وعَى
كامل الود
اكس ولد اكرك