الينسكو:الكسكس من التراث الانساني بالمغرب العربي
اقرت المنظمة العالمية للتراث الانساني اعتبار وجبة الكسكس وجبة عالمية من التراث الانساني لمنطقة المغرب العربي ونتناول اليوم طرفا من أدب شنقيط الجميل الممتد لجذوره العربية الأصيلة، وذلك من خلال تصفح رسالة أدبية نفيسة طريفة تحمل بين طياتها نكت عجيبة ، وعلم غزير كما ورد في مقدمتها ، وهي (رسالة ” الفيش ” بين كسكس والعيش) من تأليف الأستاذ محمد محمد فال بن عبد اللطيف .
يقول الأستاذ : وقد اعتمدنا في هذه الرسالة على حجج سمعناها وأحاديث تلقيناها وليس لنا فيها إلا التهذيب والجمع والترتيب ، وما سوى ذلك فأقوال الأئمة من أولياء الطعام وحجج الجهابذة من أهل الكلام وعلى الله المعول وعليه نتوكل .
قال أهل العيش : العيش أفضل الأطعمة على الاطلاق لأنه مشتق من العيشة ، قال تعالى (فهو في عيشة راضية في جنة عالية)
وأي مرتبة أعظم من هذه ، ولم نعلم أن العرب وضعت لفظا للطعام مثل العيش إذ جعلته مرادفا للمأكل كأن لا مأكل إلا هو، وهذا يدل على فضله ( لا سيف إلا ذوالفقار ولا فتى إلا علي ) ولا شك أن هذه المزية لا يشاركه فيها كسكس ولا غيره،وقد قيل إذا التبست الحقائق فحكموا الحدود،ونحن نقول إذا التبست الحدود فحكموا الأسماء،فلو لم يكن العيش هو الذي به المعاش حقيقة وحكما لما سمي عيشا،لأن الذات إذا لم يقم بها معنى فلا يمكن أن يشتق لها منه وصف، وإليه يشير قول الشاعر :
ومايدعونه بالعيش إلا * لكون عشائه خير المعاشي
وفي هذا البيت زيادة نكتة إذ جعل العيش مشتقا من العشاء،ولا يخفى أن العشاء هو أشرف الواجبات وصلاته قد قيل أنها الصلاة الوسطى،وقد يعبرون بالعشاء عن المأكل سواء كان غداء أو عشاء،يقولون: فلان يروح عشائه، كقوله عليه الصلاة والسلام:( الحج عرفات ) ، ولا يعد والعيش أن يكون مشتقا من العشاء ، أو العيشة ، والكل له فيه مزية ليست لغيره .
قال أهل الكسكس: جل معتمد حجج أنصار العيش هو أنه مشتق من العيشة وفيه نظر لأن العيش مصدر والمصادر جامدة .
فغاية ما يمكن أن يقال: أن العيش علم منقول من مصدر عاش ، والنقل في الأعلام لا يدل على أي علاقة بين المنقول والمنقول منه ، وإذا سلمنا جدلا أن العيش مشتق من العيشة فإن العيشة لفظ عام على جميع المعيشات ، والمعيشات منها ماهي راضية ومنها ماهي ضنك قال تعالى: ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ) ،فمن أي هاتين المعيشتين يكون اشتقاق العيش ، وحمله على احداهما بدون دليل تحكم ، بل الذي يترجح أن العيش مشتق من العيشة الضنك وهي الضيقة ، لأن المطلقات تصدق بأقل ماتتحقق به الماهيات ، وهو أقل ماتدل عليه المسميات ، فبان أن العيش هو أخس الأطعمة ، فهو اللقيمات التي ذكرت في الحديث ( بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ) ، وهذا بخلاف الكسكس فهو الثريد الذي هو طعام الملوك والسادات في الجاهلية والإسلام ، قال الشاعر :
عمر الذي هشم الثريد لقومه * ورجال مكة مسنتون عجاف
وقال صلى الله عليه وسلم: ( فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الأطعمة ) ، فلا ينكر فضل الكسكس إلا رافضي والعياذ بالله ، ثم إن الثريد كان من مأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم نسمع في كتاب ولا حديث ولا سنة ولا أثر أنه صلى الله عليه وسلم أكل العيش فهذا فضل واضح للكسكس على العيش لا ينكره إلا مكابر سقطت مكالمته ، فإن الأمر إذا وردت به السنة فلا عبرة بما تأتي به البدعة .