المخابرات تحمي الدولة لكنها لا تبني الأوطان!

حزب المخابرات (2)
المخابرات تحمي الدولة لكنها لا تبني الأوطان!
المخابرات في كل بلدان العالم هي الدولة الحقيقية، وهي أجهزة ضرورية ومن دونها لا توجد دولة، لكنها تنحرف عن مسارها حين تختلط بالسياسة والمصالح الشخصية وتجعل الرؤية الأمنية هي كل شيء.
يتم اكتتاب الأذكياء والأكفاء من الشباب والرجال في ميادين التحليل أو العمليات، ويخضعون لتدريبات شاقة، في الداخل أو في الخارج، ويتحولون إلى أشخاص “بلا ملامح” و بلا قلب، أي روبوتات في أيدي من هم فوقهم، من أجل الصالح العام، لكنهم يكتشفون في النهاية أنهم فقدوا ضمائرهم وحتى صحتهم، السبب أنهم يعملون في بلد تائه وتقوده أنظمة بلا رؤية وتحكمه النظرة الأمنية التي تدس أنفها في كل قطاع لكنها تفسد أكثر مما تصلح لأن الأمن ليس كل شيء.
تجنيد فاشل!
ذات يوم سنة 1996 دعاني رجل دولة محترم وأنيق إلى مكتبه، وقال لي الرئيس معاوية يريدك أن تكون في أعلى مرتبة من الاستخبارات الوطنية لا يصلها رجالها الأكفاء والثقات إلا بعد 25 سنة، قلت له ولم هذا التكريم المميز، يعني ما سببه، قال: معاوية قرأ ملفك وأعجب بشخصيتك وقال هذا الشاب الذي لا يخضع للنساء هو من يصلح، قلت له ومن قال له ذلك؟، قال: جمعت له المخابرات تفاصيل حياتك حتى دقائقها وما يقال فيك من حق ومن باطل حتى ورقة ميلادك في طب لعيون وجدناها قبل رميها مع أكداس قديمة!
ثم قال أيضا: وأنا ـ وهو رجل استخبارات من أعلى المراتب ـ دعمتك بالتزكية، قلت له ولم، قال: لأنني أقدرك وأحترمك. قلت له: هذا ليس سببا كافيا ، لأن النيات الحسنة لا يمكنها تفسير هكذا عون في هكذا عمل، فلم يرد ونظر إلي نظرة غامضة، عرفت بعدها بفترة أنه كان يريد توريطي في ثقب المخابرات الأسود ليجعلني تحت وصايته وربما خشية أن تجري الرياح مستقبلا بما لا تشتهي السفن!
رفضت العرض بالطبع ونفذت بجلدي من تلك المتاهات و بالطبع واجهت المشكلات والعراقيل في دخول الجامعة ثم في ميادين أخرى لكل منها حديث مخصوص.
الرجل حي يرزق (راصو حدجه) وأرجو له العافية والسلامة وبالطبع لن أقدم اسمه ولا صفته.
توظيف لم يكتمل!
وذات مرة أيضا استدعاني ديدي بن اسويدي يرحمه الله وقال لي معاوية رآك في التلفزيون تتحدث وأعجب بلغتك وكلامك ويريد منك أن تؤلّف عنه كتابا وسيقدم لك ما تريد من مناصب ومكاسب (الي اطرحت اعليه أيدك) فاستغربت الطلب وظننت الكتاب من قبيل السيرة الذاتية وأن أكون ما يسميه الإنجليز الكاتب الخفي (Ghostwriter) فرد قائلا: لا؛ إنه يريدك أن تكتب عنه كتابا (تمدحو فيه وتشكرو)، فقلت لا أستطيع، فقال: والدولة لن تقدم لك شيئا، فراجعته بعد ذلك متأكدا، فكرر قائلا: الدولة “لازم حد يتنازل لها عن شي” . تذكرت مباشرة العبارة الدارجة عن الجن (أهل لخل) وأنهم لا يتعاملون إلا بذات الشرط وهو التنازل عن شيء ما قد يكون حقيرا في نظر الشخص لكنه كاف لحصول الشرك بالله.
الشهود على القصة أحياء أولهم من أقارب المرحوم وربما يقرأ هذه السطور ويتابعها.
ولله الأمر من قبل ومن بعد

الدكتور حماه الله ولد السالم

زر الذهاب إلى الأعلى