الشيخ الخلِــيل النَّـحوِي ومختَصَـر الشيخ خليل

  • الشيخ الخلِــيل النَّـحوِي ومختَصَـر الشيخ خليل

    :

يقُـول الخلِـيل النحوِي:
وقدْ دخلَ المختصَـر في الحيَـاةِ البوميَـة للنَّـاسِ منْ أوْسَـع الأَبوَاب، حتى استعملتْ مصطلَحاتهُ استعمَـالَ مفردَاتِ العاميَة، وجرى النَّـاسُ علَى التَّـخاطبِ بها خارِج حلقاتِ الفقْـه، وعبروا بهِ عمَّـا يختَلِـج في صدُورِهم، واتخذُوا منهَـا أمثالاً ورموزاً وإشارات.
المنَـارَة والربَـاط (1/202) .
——

ادعَـى بعضُ إخوتِـنَا عفا اللهُ عنَّـا وعنهُـم أنَّ الخليلَ النَّـحوي دعَا إلى تجاوزِ مختصَر خلِـيل وتركِ تدرِيسِـه، وهذَا ادعاءٌ زائِـف كلياً، وقدْ وجدَ فيهِ البعض غرابَةً ووجدوا منه نفورا، وفهِمَ منه البعض استهدافاً لرجلٍ رفع شأن هذه البلاد – على صمته وزهدهِ – في عشرات المحافل، وعُرِفت المحضرة عالميا به.
شخصياً درستُ مختصر الشَّيخ خليل على خمسة شيوخ في عدَّة محاضِـر وسمعته مسجلا من علماء أجلاء، لكنَّـنِـي وللَّـه الحمدُ لمْ أجدْ أكثرَ فهماً أو إفهاماً للفقه ولدقائقِ المختصرِ منَ الشَّيخ الخليل، على قلَّة فراغِـه وضيقِ وقتهِ، وقدْ مكثتُ فترَة أعالج: التهمَة: (بيوعَ الآجال) لبلادتِي وقلة فهمي، ولجأتُ إلى شيوخِي كلهم فلم أستوعب شيئا، حتَّى شكوتُ أمري إلى الشيْـخ الخليل فمنحني خلاصةً خفيفَة، ولا أنكر أنَّـني وجدتُ في تلكَ الخلاصَة خلاصاً لفهمِـي الضعيف.
وقدْ كنتُ سألتهُ مرَّة عن قولِ خليل: “وجَازتْ مبَـادلَة القليل المعدود دونَ سبعَة بأوزَن منه” وهي يومئذ “كتبَتي” مستشكلاً التفريقَ بينَ القليل والكثير في فرعٍ حسَّاس يتسرَّب الربا إليه بيسر، فأخبَرنِـي أن الفقهاء يشترطونَ في ذلِك شروطا عديدة، وأن من بينِ تلكَ الشروطِ: أن تكونَ المبادَلة على قصدِ المعروفِ لا علَى قصدِ المبَايَعة، فيرتَفعُ الإشكال.
ولو كانَ الخليل على حرجٍ منَ الفقهِ الميت: لما قبلَ أن يشرحَ لي هذه المسألة التِي لا يوجَد لها مثيلٌ في عالمنا المعاصر.
وعلى أنَّـنِـي أقرُّ أنَّ هذهِ الشهَادَة قد تكونُ مجروحَة، إلَّا أنه لو صحَّ عن الخليل أنه نهى عن تدريسِ خليل ورأى فيه فقها ميتا، لمَا درَّسه لمنْ هوَ بمثابتِي منه، وهذا أمرٌ بدِيهي.
ومع ذلكَ فنحنُ لا ننكِر أنَّ الشيخَ الخليل يرَى كما يرَى عشراتُ العلمَاء أن الفقهَ وصناعَة الفتوى يتجدَّدان بتجدُّد أفهام النَّاس ومعاملاتهم، وأن الناسَ تحدثُ لهم أقضيَة بقدْر ما أحدثوا، وأنَّ الشَّيخ خليلا علَى فضله وعظَمة شأْنِـه، لم يستوعِب أزمانَ النَّاس ومعاملاتهم، ولو تركَتْ النهضَة البشريَة دونَ مواقف فقهيَة مستوحاة من صلبِ الشريعَة ومقاصدِها الشاملة لظلَّ الناسُ تائهينَ بلا أحكام، ورجعتِ المعاملاتُ البشريَة سيبَة، ولجمدَ في أذهان الناس منبعُ القياسِ الذِي لا ينضب.
وقدْ كنتُ معَ أخي سيدي محمد نلجأ إلى الشيخ الخليل إذا طرقتنا في المختصَر مسألة نراهَا منَ الفقه الذِي لا اعتبار بهِ في الحاضِـر، فيقلبهَا لنا فرعيَة تسلط الضوءَ بجلاءٍ على أقربِ الأمور إلينا في عالم اليوم، فنفهمها أكثَر.
وبالتفصيل الممل: الشَّيخ الخليل لم يطلب محو المختصَر وتقديم مختصر جديد، ولم يطلبْ حذفَ آياتِ الرِّق كما أشارَ إلى ذلِك بعضُ الإخوَة عفا اللهُ عنَّا وعنه، بلْ ظلَّ معظماً للشيخِ خليل محباً له، لكنَّه رأى أنَّ العالَم يحتاجُ إلى الانشغال بفتاويه المعاصرَة وعدمِ الجمودِ على أحكامِ الرقِّ التِي لم يعد لها من حضورٍ في الواقِع، وهذا أمرٌ لا يراهُ الشيخ الخليل بمفرده.
ومع ذلكَ فالخليل قدْ قرأ كلَّ ذلكَ، وقدْ عرفَه العَالم في كلِّ محافله لا يردُّ مسألة في الفقْه ولا في اللغة، وقدْ قالَ عنهُ الشيخُ عصامُ البشِـير: حينَ سأله طالبٌ من طلبَة دكار: عنْ عويصَة فقهيَة، فأجابه:
– عجباً لكمْ معشرَ الموريتانيين: تسألوننِـي وفيكمْ الخليل النحوي.
هذَا إلَى أنَّ المحظَرَة الموريتانِـية التي يعتبَر مختصر خليل: ركناً ركينا فيها، قد عرفت منذ زمن قديم في كل رحاب العالم بعلمائها البررة، لكنَّها لم تعرفْ للمكتبَة العالمِـية بتأليف منفرد عنها وعن أحوالها وطبقاتها ورجالها قبلَ كتابِ الشيْخ الخليل النحوِي الجامع: الذي سماه: المنَـارَة والربَاط، فلوْ كانَ الشيْـخ الخليل محرجاً من المختصَر لما تكلفْ أن يكتبَ عن المحضرَة التي لا تقوم لهَا قائِمة دونَ المختصر.

فتَـبينُـوا.
عذَرتُ البزلَ إن هي خَـاطَرتنِي == فمَـا بالِي وبال ابنَي لبُـونِ.!

عبد الرحمن الدوه

زر الذهاب إلى الأعلى