هنا امبود ..حيثُ ما تزالُ المدرسة مضيعة للوقت
هنا امبود ..حيثُ ما تزالُ المدرسة مضيعة للوقت
يعي الرئيس ولد الغزواني أنّ المدرسة التي يُعطي منها إشارة انطلاق العام الدراسي تمت إعادة بنائها بالكامل.. أقسامٌ جميلة بمقاعد نموذجية.. لمّا يغادرها العمالُ بعد، وربما لن يغادروها قبل وصول الرئيس.. رائحة الطلاء، ذي النوعية الجيدة، تفوح منها الآن..
ليسَ من الوارد أن يفتتح الرئيس العام الدراسي من غيرها، فحاجة جل المدراس للترميم واضحة هنا، أما الفصول الدراسة في بعض مدارس “آدوابه” فتحتاجُ كل شيء.. يبدو أنها كانت مهجورة تمامًا منذ موسم الأمطار المنصرم.. تتمتع المقاطعة الآن بطواقم تعليمية كفاية، غير أن بعض آباء التلاميذ يتخوف من كونها وضعية مؤقتة في انتظار الرئيس.
مقاطعة أمبود واحدة من بؤر الفقر، وساكنتها من أكثر المجتمعات هشاشة في موريتانيا (يجب أن يُركز عليها مستشار رئيس الحزب الحاكم المُكلف بالهشاشة) ولهذه الوضعية القديمة المُتجددة، ما يُبررها من انحسار الري القادم من سد “فم لكليته” عن قرى وبلدات ذات كثافة سكانية يقتصر مورد أقواتها على الزراعة..
لا تصل مياه السد منذ سنوات إلى بلدات “باشات1″ و”باشات2″ ولا للمجمع القروي الذي دشنه الرئيس السابق وتعهد له بالدعم، ولا يصل الرّيُ إلى حي العدالة، وكل هذه القرى في محيط السد طبعاً.
شركة السكر حولت الأراضي إلى حنظل، فلا هيّ تستغلُها ولا تُعطي الإذن في استغلالها، مما جعلها أرضية لتكاثر الأشجار والنباتات، وبؤرة للباعوض، ومع أن شركة السكر تؤجر كل هكتار من الأرض التي تحتلها بمبلغ 18 أوقية، تُسلم نقداً لمُلاكِ تلك الأراضي، إلا أنها لم تمتص البطالة كما كان مُتوقعاً ” مطلبنا الأول للرئيس ولد الغزواني هو ترحيل هذه الشركة عنّا، أو تشغيلُها وفقَ ما كانَ مرسوماً لها ومطلبنا الثاني هو الماء الشروب، الذي سمحوا هذه الأيام بوصوله إلى قرى العدالة والباشات فقط”.”يقول شيخنا ولد القطب ولد يحفظُ، الذي يصف نفسه بأنه أحد أطر فم لكليته، مع أنه مجرد بائع لبطاقات رصيد الهاتف، وبرأس مالٍ متواضع جداً.
يفسر مُحاوري شيخنا انتماءه لمسمى الأطر قائلا: لكي تكون إطاراً في آدوابه لكليته، لا يتطلب الأمر منك مستوى دراسياً معيناً، فبعضُ الأسر هنا لم يبعث بأبنائه إلى المدرسة” ويُضيف “نحتاج الأطفال والكبار في الزراعة.. قد نموتُ جوعاً عندما لا نعمل جميعاً في الحقول.. ثمّ ما الضامن لاستمرار دراسة الأطفال؟ وما الفائدة من الدراسة؟ أعرف الكثير من الموسرين هنا لا يرسلون أطفالهم إلا للمزارع (الموسرون في تقديره هم من يملكون بيتاً من الاسمنت وعشر بقرات وسيارة نقل في أحسن الأحوال).
ليست الحياة معقدة في هذه المنطقة، إذ الكاف غاية “الحراطين” وهم الأغلبية..منهم عُمد ثمان بلديات من أصل تسع تابعة للمقاطعة، لكن إطاراً آخر من أطر امبود الفقراء حاولَ أن يُجيبني على السؤال: من أين اكتسبوا صفة لحراطين إذا كانت تطلق على العبيد السابقين؟ يُجيب الحسين ولد أعليّ، وهو بائع رصيد ومن أشهر موزعي الصحف في نواكشوط “صحيحٌ، نحن لم نعرف الرق في فترة من الفترات، ربما اكتسبنا التسمية بلون بشرتنا أولاً ولتمييزنا عن (شرفة أمبود) وعن لكور في فم لكليته، حيث نتعايش هنا منذ أمد بعيد باللون ذاته وبالحسانية كلهجة جامعه ..عندما يُخاطبك الكوري هنا بالحسانية تجد أنه بمستوى فصاحتك فيها”.
يتذكر الحسين بمرارة رحيل الشريف ماء لعينين ولد الشريف، ويؤكد أن فترة تصدره للمشهد السياسي كانت فترة رخاء واهتمام بآدوابه الفقيرة، ويقول ” لم نعرف بعده منتخبين ولا وجهاء يهتمون لشؤوننا، وحتى الساعة ما زلنا نطرح مشاكلنا على شرفة امبود”.
يُدلل الحسين ولد اعليّ على أهمية المرحوم ماء العينين قائلاً ” في إحدى المرات أوقفت دورية من الدرك سيارة نقل تُقل عددا من أهل امبود، فسألتهم عن بطاقات التعريف، ولم يكن منهم من يحملها، فسألهم الدركي :انتوم موريتانيين؟ فأجابه كبيرهم: لا؟ فضحك وقال أنتوم باط من أي دولة: فقال له: نحن من دولة امبود؟ فسأله: ومن هو رئيس هذه الدولة فأجابوه بلسان واحد: رئيسُنا ملعينين ولد الشريف”.
بالمحصلة، يأتي افتتاح ولد الغزواني للعام الدراسي من مدينة امبود في مسعى لإعطاء دفعة معنوية للتعليم وأهميته في هذه المنطقة، بموازاة مع جهد كبير لتغيير ظروف تعليم الأطفال هنا، أملاً في أن تتغير النتيجة.
يعي ولد الغزواني قطعاً أنه بدون تحسين وسائل العيش هنا ، سيستمر آباء الأطفال في الاعتقاد بأن المدرسة مضيعة للوقت.
عبد الله اتفقا المختار