أسير بهدوء رياح الوطن

أسير بهدوء رياح الوطن التي تراقص طرف ملحفتي ويداي قبالة الخصر في أزقة نواكشوط كأن كل درب ينادي باسمي ليفتح أمامي دفاتره القديمة!

أحتاج إلى قهوة، أحتاج حبر و ورق فالشمس ترتفع قدر رمح وتعكس أشعتها على الشارع المؤدي إلى السفارة حيث أقف على الأطلال لكن ما بال الحروف أبت أن تخرج من شفاه الحبر؟ ما بال الحبر يرفض أن يذرف دموعه على صفحات المعاناة ؟ ما بال الكلمات تسمرتْ مكانها على ضفاف جراحي؟ ماذا سأدون إن كان مادار هنا سيبقى طي الكتمان ؟ ماذا أدون بعدما أدير ظهري لهذا المكان كما يدير الحظ ظهره للأغبياء حين يكشف لهم الوجه الآخر للحياة؟

لقد تربيتُ دون اختياري على هذه الأرض المحصورة بين خطر الموج وزحف الرمال وكنتُ سعيدة بأن الناس على دين واحد قبل أن أكتشف أن قلوب بعضهم كالحجارة أو أشد قسوة لأني لا أفرق بين الظلم والسكوت على الظلم…أمام الدكان هناك رجل يفترش الأرض، يرتل القرآن بمزمار من مزامير آل داوود وعلى اليمين سيارة فاخرة يتبعها حمار مثلي تماما يحمل فوق طاقته ، يسير خلفه رجل يسومه سوء العذاب، قلتُ: توقف عن ضرب الحمار ! توقف عن اللؤم ونكران جميل هذا الحيوان الذي تحمل على ظهره الخشب والحديد والأسمنت و الرمل وأكوام المحار الكظيم…! ضحك باستهتار متوار عن الأنظار تاركا فكرة إنقاذ سذاجة الحمار تراودني دون أن أنتظر انقاذ سذاجتي من الحمار .

نحن شعب كباقي الشعوب لنا ميزات وفينا عيوب لكننا نختلف تماما في طرق الاستعداد لليوم الموعود وتلك حقيقية لا يقف عليها إلا من قدم معروفا وتوقع رد الجميل كمن يبحث في الصحراء عن حليب العصافير، لا يقف عليه إلا من دعسته رماح الشماتة من أقرب المقربين كأن الإنسان الموريتاني لم يعد يترفع عن مسترذل الأفعال والخصال الكريمة تتوارى خلف ضباب تغيير القيم فهل مازالت في حضارتنا كلمة طيبة تروي أرواحنا القاحلة وتبدد هذا الضباب؟

لقد ركبتُ المزن المثقلات لمجرد أن أشتقتُ إليكم فأرتميتُ في أحضان العاصمة إبان وباء حمى الضنك و التضحية كما تعلمون من أقوى ركائز الحب وأنا أحب الوطن وأحبكم رغم أن مثلي من العشاق لم يخلق لهذا الزمن! فهل من بينكم من يذكر قصة وباء الجدري؟

أصيبت فتاة في الزمن القديم بمرض الجدري فعزلها قومها في خيمة بعيدة عن الناس خوفا من انتشار الوباء لكن عشيقها الذي كان لا يقابلها إلا خلسة انتهز الفرصة واعتكف معها في الخيمة مردداً:
نبات الجدري للعراد @ إلحگني فيها متعسري
يگطع بإجدري وأن زاد @ أباش إنكاف للجدري!

محفوظه زروق

زر الذهاب إلى الأعلى