النقاشات العلمية بين علماء المنتبذ القصي

النقاشات العلمية بين علماء المنتبذ القصي
دارت مشاعرة بين الشيخ محمد المامي وابن عمه العلامة محمد عبد الله ولد البخاري ولد الفيلالي مشاعرة حول موضوع زكاة مال الأتباع، يقول ولد الفيلالي:
الحمد لله حمدا بعد بسملة :: ثم الصلاة على من دينه الدين
وبعد منا لأهل العلم قاطبة :: من كان منهم له في العلم تمكين
فينا تنازع أهل العلم مسألة :: ودونت بينهم فيها الدواوين
ورد عليه الشيخ محمد المامي بقصيدته المسماة الدلفينية التي يقول في مطلعها:
الحمد لله ما دل العناوين :: وما تعاصب شرط والأراكين
وفي ذات النازلة زكاة مال الأتباع دارت، بين الشيخ محمد المامي عدة رسائل مع العلامة محمد بن محمد سالم المجلسي لم تؤثر على صداقتهما وإن اختلفت وجهات نظرهما حول الموضوع، وقد سئل الشيخ محمد المامي مرة عما جرى بينهما فرد قائلا: “ما قلته حق وما قاله حق، والحق يتعدد ولولا تعدد الحق لما تعددت المذاهب”.
أما العلامة محمد ولد محمد سالم فقد اعترف للشيخ محمد المامي بالتفوق في هذه المطارحة الفقهية.
وبدوره امتدح الشيخ محمد المامي مناظره ولد محمد سالم بالقول:
فما ولد النساء من الرجال :: ولا حمل الرجال على الجمال
كمثلك يا محمد بشرتنا :: بك الأيام فيها والليالي
وتوطدت علاقته بالعلامة محنض باب بن اعبيد الديماني، وقد نوه الشيخ محمد المامي بالشيخ محنض باب والعلامة محمد بن محمد سالم وبمكانتهما العلمية قائلا: الحمد لله رب العالمين على :: سعي الإمامين في تجديد ما اندرسا
محنض بابه لكشف الأمهات نحا :: حتى تخلص منها كل ما التبسا
ونجل سالم أبدى المصريات لنا :: لما سنى البحث في الأمصار قد طمسا
ومن أشهر المسائل التي دار فيها الخلافبين العلماء في المنتبذ القصي مسألة الحبس، وسبب الخلاف في هذه المسألة أن ألمين بن الحاج حبس على امرأة من أخواله (إديقب) ولم يعقبه.
ولما ماتت المرأة رجع الحبس إلى ابنته (آني) لأنه غير معقب، وهي إذ ذاك أقرب الناس من الحبس فلما توفيت (آني) اختلف علماء البلاد في من ينتقل إليه ذلك الحبس؟
فقال العلامة حرمة بن عبد الجليل بإبقائه عند أبناء (آني) ووافقه العلامة ادييج بن عبد الله الكمليلي.
وقال العلماء باب ولد أحمد بيب ومحمذن ولد ببانه ومحنض باب ولد اعبيد وفتى ولد سيدين إنه ينتقل الى أقرب الناس من المحبس، ومصدرهم جميعا في القولين هو كلام أبو عمر بن عبد البر في كتابه الكافي، وملخصه:
(من حبس على رجل بعينه ولم يعقبه وانقرض فإنه يرجع لأقرب الناس من المحبس وفقا لقول المصريين من أصحاب مالك).
ففهم حرمه من كلمة “انقرض” الموت مع عدم بقاء الذرية
وفهم باب وجماعته من كلمة “انقرض” الموت فقط.
ورجعوا للمصادر اللغوية لحل المشكلة فوجدوا في القاموس في مادة انقرض:
انقرضوا درجوا كلهم وفي “درج” درج القوم: انقرضوا كاندرجوا.
فاستخرج حرمه من هذا أن معنى الإنقراض هو الدروج وهو انقطاع النسل فقال:
ومعنى دروج الدارجين انقراضهم :: وقد درج المولى إذا لم يخلف
كذا قال مجد الدين لله دره :: ودركم من صفو قاموسه اغرفوا
وإن انقطاعا لانقراض مرادف :: فكلا بكل إن تشأ ذاك عرّفوا
و وافق ادييج حرمه في رأيه وطلب من العالمين باب ومحنض باب موافقته قائلا:
يا صاحبيّ قفا بالمنهل الصافي :: وسلما الحكم للقاضي بانصاف
ووافقا حرمه في ما قال ويحكما :: فإن شيخكما أدرى بالأوقاف
فحجة الشيخ في بهرام ناهضة :: لو كان يكفيكما ما كان في الكافي
أما جماعة باب ولد أحمد بيبَ فإنها ترى أن الاتقراض بمعنى الموت ولا يستلزم عدم بقاء الذرية، وأن الدروج فيه المعنيان، ومما يحتجون به كلام في المدونة ونصه:
“انقرض وبقي عقبه” وما ورد في كتب الفقه كقولهم: “إذا انقرض الشهود” الشهود لا عقب لهم.
وهذا ما بينه محنض باب ولد اعبيد في رده على ادييج الكمليلي:
إذا تأملت مكتوبي بإنصاف :: ألفيت فيه زلالا عذبه صاف
هو المصيب لصوب الفهم يعضده :: نقل الشيوخ بنص واضح شاف
رووه عن مالك نصا ووافقه :: نص الإمام بن عبد البر في الكافي
دع عنك دعوى تقاييد تقول بها :: شيوخنا بدليل وجهه خاف
وما ادعوه من تقييد يمنعه :: إلا تراه بلا شرط في الأوقاف
والأصل في القيد نفي والمقيد له :: لم نلفه بعد بحث شامل واف
والانقراض الذي يحجوه حجته:: أتى في الأم لأم نسلها ضاف
وإن تفهمت في القاموس فانقرضوا :: ماتوا وليس لنسل موتهم ناف
أما الدروج ففيه المعنيان كما :: ذا في الصحاح بإيضاح له شاف
يقال للقوم إن ماتوا وواحدهم :: إن مات أو لم يخلف نسأل الكافي
وقال باب ردا على ادييج بن عبد الله الكمليلي:
أرشدتنا للهدى والله يعلم أن :: نا قائلون بحق غير سفساف
ودون ما قلته في الوقف سوف فلا :: خوف التنائف تعيي كل سواف
فحجتيّ وصحبي غير داحضة :: من نص برهام والتوضيح والكافي
فمالك إن تصف عما يقول فإني :: لست عن قوله يوما بصياف
إني أوافقه حقا وأتبعه :: هل مهتد ناعل كالحائر الحافي
بل أنت رِدْ ما وَردناه على قرب :: واشرب فهذا زلال بارد صاف
صدعت بالحق لكن من يقله لكم :: يَا ادييج يوطأ بأ خفاف وإظلاف
فالحق أمسى فوا لهفا و وا حزنا :: مثل الديار التي يسفو بها السافي
ومن المسائل التي اختلف فيها علماء المنتبذ القصي مسألة العضو المألوم:
يرى العلامة باب ولد أحمد بيبَ أن العضو المألوم يمسح عليه مثل ما يمسح على الجرح والجبيرة، وينطلق في ذلك من أن العضو المألوم أخف عادة من الجرح، ولذلك يكون مسحه أولى من مسح غيره.
وخالفه العلامة اجدود بن اكتوشنِ الذي يرى أن صاحب العضو المألوم إذا كان الغسل يضره ينتقل إلى التيمم ويرى أن هذا هو ما في النصوص وأن غيره لا نص فيه، ووقعت بين الرجلين مشاعرة قال باب فيها:
ومسحه ما سوى العضوين ثم على :: جبائر وعصابات يشدهما
فكيف يعذر من لم يشك جارحة :: وليس يعذر ذا جرح يسيل دما
والضرب أعلى من التأفيف يمنعه :: لقول ربي تعالى (لا تقل لهما)
قال ابن عَرْفة بحرُ العلم يؤخذ من :: مسح الجراحات مسح الرأس إن سقما
ورد عليه اجدود بقصيدة قال فيها:
قالت سليمى وفي أقوالها عجب :: دع التيمم إن المسح قد حتما
أما سمعت تواليفا ترشحه :: بها التيمم بعد الرخصة انهزما
أأترك المنهج الحق الذي درجت :: عليه أسلافنا الماضون فالتزما
أم كيف يمسح من لا جرح يؤلمه :: ولا جبيرة بالأعضا ولا ورما
وإن تسل نصه تلفيه منعدما :: وكيف يفعله من نصه انعدما
عهدي بيوسف ليس المسح شرعته :: ونجل بابان لم يمسح وما أثما
من يتبع النص معنيا بشهرته :: ناج ومن قاس يلق الخسر والندما
وكتب باب في الرد تأليفا ونظما بلغ مائة وخمسة وستين بيتا.
ومن مسائل الخلاف ، مسألة بدء العدة لمن يحكم القاضي بطلاقها من زوجها ببينة اختلف فيها العالمان محنض باب ولد اعبيد وبابَ ولد أحمد بيبَ.
فقال باب: إن القاضي إذا حكم بالطلاق في حالة إنكار الزوج له اعتمادا على بينة ما، تكون العدة من تاريخ البينة.
بينما شهر محنض باب بدأها من تاريخ الحكم وقد ألف باب تأليفا في المسألة.
ومن مسائل الخلاف مسألة الهيشة.
فبعد معركة “لميلح” سنة 1831 بين قبيلتي إدوعل وإدابلحسن اتفقت القبيلتان على التحاكم إلى الشرع، وحكّموا بينهم القاضي محنض باب ولد اعبيد فرأى أن يقتل أربعة من إدوعل بأربعة من إدابلحسن قتلوا في المعركة المذكورة.
وكان باب ولد أحمد بيبَ حينها غائبا فلما حضر قال لمحنض باب: إن مثل هذا لا قصاص فيه، فقال محنض باب: هذا كلام لايوجد في كتاب.
فقال باب: بل لم يخل منه كتاب.
قال محنض باب: هذا القاموس وهو يدخل في عموم كتاب، فتناول باب القاموس وفتح له عن الهيشة:
وهي الفتنة وأم حبين وليس في الهيشات قود أي في القتيل في الفتنة لا يدري قاتله.
وقد اعترض العلامة فتى ولد سيدنا على حكم محنض باب لإدابلحسن بالقصاص من إيدوعلي في أعقاب يوم “لميلحة” فتوى يعبر عنوانها عن مضمونها بوضوح سماها “تنبيه العالم العلامة في موانع القصاص والقسامة” .
ومن مسائل الخلاف نازلة محمذن بن سيد أحمد المالكي الذي قتل رجلا، وحكم القاضي محنض باب ولد اعبيد بالقتل قصاصا ورد باب ولد أحمد بيبَ الحكم بحجة أن محمد بن سيد أحمد لم يتعمد القتل لأنه نزع فأس القدوم وضربه بعمودها وأن موسى عليه السلام ضرب رجلا ضربة قضت عليه كما ورد في القرآن {فوكزه موسى فقضى عليه} وموسى لم يرد القتل بالوكزة وإنما حصل القتل بسببها لذلك لم يقل الله سبحانه وتعالى “وقتله موسى”.
وحول هذه المسألة كان تأليفه القتل بالمثقل.
ومن مسائل الخلاف مسألة المحلوقة ، وسبب هذه المشكلة أن رجلا حلق ضفيرة من شعر زوجته ، فرفعت أمرها للقضاء.
فحكم العلامة باب ولد أحمد بيب العلوي بطلاقها عليه لإضراره بها بحلقه ضفيرة من شعر رأسها.
ورد حكمه العلامة اجدود ولد اكتوشني العلوي وبعض العلماء ، الذين رأوا أن ذلك يمكن أن يدخل في نطاق التأديب المباح، وقد أقام عليهم العلامة باب الحجة في نظم بلغ مائة وسبعين بيتا بيّن فيه أدلة حكمه ومنه :
نعم تُطلق به لما صدر :: من زوجها حينئذ من الضرر
حسبما دلّ عليه المختصر:: وغيره من كل نص مستطر
وقد أتى نفيُ الضرار والضرر :: عن النبي المصطفى خيرِ البشر
وابنُ هلال وهو ممن برعا :: وإن في كلامه لمقنعا
قال عداءُ الزوج بالحلاق :: من موجب الطلاق والفراق
ألف فيه العالمُ المجتهد :: من فضله وعلمه لا يجحد
عبدُ الإله نجلُ إبراهيما :: من لاح برقُ علمه وشيما
من لا ترى في علماء القبلة :: إلى سجلماسَ وفاس مثله
على جميع العلماء قد علا :: وكان طلاع الثنايا ابن جلا
وقد سماه الحجة المطروقة :: إلى طلاق الزوجة المحلوقة
في إشارة تأليف للعلامة سيدي عبد الله ولد الحاج إبراهيم سماه “الحجة المطروقة إلى طلاق الزوجة المحلوقة”
ومن مسائل الخلاف مسألة فتوى في ردة امرأة استقلت الإخلاص، فقد أخبر بعض شيوخ البلاد – من معاصري العلامة باب ولد أحمد بيبَ – زوجته بأنه زار والدها وقرأ له سورة الإخلاص مرة.
فقالت له هذا قليل..
فخشى الشيخ أن يكون في كلمتها ارتداد يقطع عصمتها فعرض كلمتها على العلماء فأفتى الكثير منهم بارتدادها.
لكن باب أفتى بعدم ارتدادها مستندا لما ورد في صحيح البخاري أن رجلا سمع آخر يقرأ “قل هو الله أحد” يرددها فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له وكأن الرجل يتقالها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله إنها لتعدل ثلث القرآن.
فاستنتج باب من عدم تكفير النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي يتقال السورة عدم ارتداد المرأة.
وكان باب يعتد بعلمه لكنه مع ذلك كان كثير الرجوع إلى الحق حينما تظهر له مخالفته رأيه قال أحمد بن الأمين في ترجمته له في الوسيط:
” وقد سمعت من بعض الشيوخ أنه ذاكره في مسألة فشدد صاحب الترجمة النكير عليه فلما أمعن النظر في المسألة علم أنه مخطئ فترك الناس حتى فرغوا من الصلاة في المسجد فقال لا يخرج أحد فجعل يشرح لهم خطاه وإصابة من خالفه”.
/
ومن المسائل التي وقع فيها الخلاف النازلة التندغية:
وهي في الجنايات تجابه فيها بطنان مالكيان من تندغة هما: أهل أبابك وأهل آبيرى.
وكان العلامة محمذن فال ولد متالي يعضد أهل أبابك
في حين كان منافسوه “اركاكنه ” يقفون إلى جانب أهل آبيرى.
وقد بدأ هذا الصراع بغارات أهل آبيرى على أهل أبابك تولد عنها قتلى في صفوف الطرفين ، ثم قرّرا بعدها تحكيم ابن متالي لحل نزاعهما.
إلا أن طغيان النزعة الثأرية على مستوى العصبيات المتصارعة والأحداث التي تلت عمليات التحكيم أفشلت جهود ولد متالي لنزع فتيل ذلك النزاع الذي اعتبر طرفا في إحدى منعرجاته الكثيرة فقد أبرم الصلح بين الطرفين وأرسل رجالا من أهل أبابك في طلب الوفاء بشروطه.
وفي حادث عارض قتل أحد أعضاء الوفد وهو محمذن ولد سيد أحمد الأبابكي، قتل محمد فال بن احمتك الأبيري ليزداد النزاع تعقيدا وترفع القضية من جديد إلى محنض باب ولد اعبيد قاضي الأمير للفصل بين الخصماء في محصر محمد لحبيب.
وقد أصدر محنض باب حكما بقتل محمذن ولد سيد أحمد قصاصا وكاد أن ينفذ فيه ذلك الحد لولا تدخل شيخه ونصير القوم محمذن فال بن متالي ونقضه حكم محنض باب في فتوى مشهورة يقول فيها:
“… إن محمذن ولد سيد أحمد لا يتناوله قصاص في الدنيا ولا عموم وعيد في العقبى لأنه عدل عن آلة تُصمي إلى آلة لا تصمي”.
وهذه واحدة من القضايا التي خرج فيها قضاة المنتبذ القصي على مشهور المذهب المالكي لأن ولد متالي هنا كيّف القتل على أنه شبه خطإ والمالكية لا يوجد عندهم إلا قتل عمد أو خطأ ”
وإن كان بعض العلماء الأندلسيين يوجد عندهم شبه الخطإ في القتل ربما يكون ولد متالي هنا قلدهم، وقد آل الأمر في النهاية إلى رجوع محنض باب عن موقفه وتبني رأي ولد متالي.
وكان دليل محنض باب للقصاص تعمد الضرب المسبب للموت وقد قال خليل: «وقتل بما قتل به وإن بقضيب، فطلب “أهل أبابك” تأجيل التنفيذ حتى ينظر ولد متالي فنظر ولد متالي إلى هذا القتل على أنه ليس عمدا محضا وإنما هو خطأ أشبه العمد.
وقد استدل العلامة باب بن أحمد بيب العلوي على عدم القصاص بقوله تعالى: {فوكزه موسى فقضى عليه} لأن موسى لم يرد القتل بالوكزة وإنما حصل القتل بسببها فلم يقل الله سبحانه وتعالى “وقتله موسى”، وهذا استدلال جيد وإن كان فيه خروج على المذهب أيضا.
وقدكتب ولد متالي التسليم بما حكم به محنض باب من القسامة وقال مخاطبا إياه “لكن إذا كان الحكم عندك بخلاف ذلك وأنه لا بد من القسامة على واحد فأعلم أنا مقلدوك ومسلمون لما تحكم به، أحكم بما أراك الله.
وحث الأمير محمد لحبيب على تنفيذ حكم القاضي محنض باب.
كما ناظره في القسامة العلامة محمد لولي بن اليعقوبي التندغي في شأن النازلة التندغية.
وهكذا رجع كل من الشيخين إلى رأي الآخر في أحد مظاهر تطورات هذا النزاع فمحنض بابه رجع إلى رأي ابن متالي في قضية القتل غير العمد وحكم بالدية.
ورجع ولد متالي إلى حكم محنض بابه في أمر القسامة”.
أما لولي بن اليعقوبي التندغي فلم يرض عن الحكم فتبادل مع محنض باب من جهة ومع ولد متالي من جهة أخرى رسائل في الموضوع.
ويذكر من أدبيات هذا النزاع أن محنض بابه عندما جلس في قضية تندغة عامل الشيخ ابن متالي وهو من هو معاملة خصمه فلم يقم إليه عند دخوله المجلس كما كانت عادته معه في السابق.
وأن محمذن ولد سيد أحمد الذي حكم عليه القاضي محنض باب بالقصاص رثى محنض باب بعد وفاته
ومن المسائل التي وقع فيها الخلاف النازلة الغلامية
وهذه النازلة هي عبارة عن استلحاق محمذن ولد الكوري لابن أمته وهي النازلة المعروفة في الوسط الديماني بالنازلة الغلامية التي رفعت إلى أحمد ولد العاقل فحكم فيها بلحوق الغلام لابن الكوري بعد وفاته وهذا نص حكم أحمد ولد العاقل: “الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وبعد فقد ترافع إلي محمد ولد أحمد ولد حرمه وأبوبكر ولد سيدي ولد حرمه في شأن غلام ادعى الأول أن محمذن ولد الكوري ولد حرمه رحمه الله استلحقه وأنكر الثاني فألزمت المدعي البينة فأتى بشاهدي عدل على الاستفراش وهما: محمد ولد أحمد ولد عبد الله وزين ولد الغالي وآخرين على الاستلحاق وهما المصطف ولد أعبيد بن محمود لله والزيغم ولد عاش قرنا وعدول كثيرون شهدوا على القطع بأنه ولده لحصول العلم لهم بالقرائن بذلك، وبسبب القرائن البينة كتسميته باسم جده وحمرة لونه والعق عنه بثلاث شياه وغير ذلك.
ومنهم أي العدول محمد القرشي ولد ألمين بن أحمد بن يحي ومحمد فال بن والد ومحمد كم ولد الفاضل وعبد الله جنك، فأعذرت للمشهود عليه في الشهود فلم يبد مطعنا فحكمت بلحوقه بعد مشورة العلماء من أهل البدل كالمختار ولد محمذن ولد المختار ومحنض باب ولد أعبيد وغيرهم”
وقد عارضت هذا الحكم جماعة من أبناء عمومة الرجل منهم بكي ولد سيدي ولد حرمه في مرحلة أولى ووافقه جماعة من علماء المنطقة منهم محمذن فال ولد متالي وغيرهم، ومحنض باب في مرحلة ثانية.
أما محنض باب الذي ذكر أحمد بن العاقل أنه استشاره فإن له موقفا آخر من هذا النزاع فهو يرى عدم اللحوق ويفصل ذلك في مكتوب يبعث به للشيخ سيدي بن المختار الهيبه ليطلعه فيها على رقية المختار وهو الغلام. الذي دار حوله النزاع وكان المختار هذا ينوي التزوج في قبيلة الشيخ سيديا أو تزوج بالفعل كما يفهم من رسالة الشيخ سيدي الجوابية ومن رسالة محنض بابه إلى الشيخ سيدي :
” .. موجبه الاستغاثة إلى الله ثم إليكم في ملمة ألمت وطامة طمت وهي أن محمذن ولد الكوري ولد حرمه ترك ابنة وعبيدا منهم أمة متزوجة لها ولد لم ينفه أبوه فلما لم يترك سيدها ولدا ادعت أم السيد وأقاربها أن ذلك الولد من محمذن ولد الكوري واحتجوا بحجج منها شهادة رجل أنه عاينه يستمتع بأمته ومنها قرائن على أنه ولده فرفع ذلك إلى الشيخ أحمد ولد العاقل ، ولم يقبل تلك الحجج لضعفها عنده واحتج بقول خليل: “وإنما يستلحق الأب مجهول النسب” وأمر أولاد حرمه بقسمة التركة وأبقاه على الرق وذلك حكم عند ابن القاسم لايجوز نقضه، فلما قسموا المال وقع الغلام في نصيب بنت محمذن ولد الكوري وبقي كذلك نحو ثلاث عشرة سنة ثم قام سيد أحمد ولد حبيب الله ولفق حججا أيضا فأصغى الشيخ أحمد ولد العاقل لحججه ومنها شهادة من لم يرفع في تلك السنين ويرى أم الولد تستخدم وفي حق الله تجب المبادرة بالإمكان.
وقد نصوا على أن من لم يبادر يقدح ذلك في شهادته ولا يعذر بالجهل كما في التوضيح عند ذكر سكوت البكر ونظم الزقاق للقواعد ولما أصغى الشيخ لتلك الحجج قال إن الغلام لمحمذن ولد الكوري بل حكم بذلك فجعل أهل حرمه ومن نصرهم ذلك حجة يدفعون بها من يطلب حقه من تركة بنت محمذن ولد الكوري وذلك إن ثبت منقوض لمخالفته نص قوله صلى الله عليه وسلم: “الولد للفراش…” أي لصاحب الفراش ولا خفاء أن الزوجة فراش لزوجها إلى أن يقول والحكم بلحوق هذا الغلام لمحمذن ولد الكوري نقضه أحمدو فال بن محمذن فال الموسوي بسبب مخالفته للنص السابق ونقضه محمذن فال بن متالي وسلم له أحمد محمود التندغي وسيد أحمد ولد محنض ولد خاديل، و محمذن ولد الكوري لو ثبت أنه وطئها بعد استبرائها من زوجها وولدت لستة أشهر فأكثر من وطء السيد فإذا علم هذا فابنة محمذن ولد الكوري التي هي سيدة الغلام تركت زوجا وأما وبنيها فورثت الأم وبنوها نصف الغلام فإذا كان لهم حق في فسخ نكاحه فقد فسخوه ومعلوم أن مالك بعض العبد له رد نكاحه انتهى.
ثم جاء جواب الشيخ سيدي باسم جماعة أهل محنض نلله من أولاد مرابط مكه ابن ابيري أخوال محمذن ولد الكوري في رسالة مطولة مليئة بالنصح والإرشاد لإصلاح ذات البين ثم يعود بعد ذلك إلى حكم أحمد ولد العاقل فيقول ثم لتعلموا أن حكم القاضي العالم العادل المجمع في عصره على جلالته وتقدمه في خطة القضاء والفصل بين الخصماء لسنا ممن يتعرض عليه ولا يعترض في شيء من الأشياء عليه لكوننا لسنا من رجال ذلك الشان ولامن فرسان ذلك الميدان مع العلم أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في منتقصيهم معلومة وأما نكاح بنت عبد الله ولد حيبلله ولد العالم فالأمر فيه عند أهلها كالعدم في جنب استرقاق بعلها بل يقال في جدار ذلك لدى التخريب ما يقال في مثقال الذيب، انتهى.
واشتهر هذا النزاع بنزاع الغلام أو المسألة الغلامية ويذكر أنه بمناسبة هذا النزاع قال محنض بابه إن حكم أحمد ولد العاقل منتقض لعدم صحة قضاء الأعمى وكان الشيخ أحمد بن العاقل قد كف بصره آنذاك فرد عليه أحمد بن العاقل بأن ذلك مقيد بوجود المثل ملمحا إلى أن الشيخ محنض باب لم يبلغ مرتبته بعد مع العلم بأن سلامة البصر والسمع واللسان من شروط التمادي والاستمرار لا من شروط الصحة بمعنى أن القاضي إذا عمي يجب عزله عن القضاء ولكن أحكامه تنفذ لأنها صحيحة عند المالكية وأما عند الأئمة الباقين فإنها شروط صحة عندهم لازمة لصحة أحكام القاضي وحكي هذا القول عند بعض المالكية[ وهذه واحدة من تلك المسائل التي خرج فيها قضاة وعلماء المنتبذ على مشهور المذهب المالكي.
ومن المسائل التي وقع فيها الخلاف حصة من بئر انتمركاي
التي حكم فيه العلامة محنض باب بفسخ شراء حصة من بئر انتمركاي وهي بئر لأولاد ديمان بمنطقة ايكيدي تبعد حوالي أربعين كلومتر شمال شرق المذرذرة :
قال محنض باب: “الحمد لله وما توفيقي إلا بالله والصلاة والسلام على رسوله وعلى آله وأصحابه، وبعد فإن من القواعد التي بني عليها الفقه قولهم الضرر يزال وهو مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم: “لا ضرر ولا ضرار ” اختلف في قوله لا ضرار هل هو تأكيد لما قبله في النهي عن الإضرار ومعنى الأول لا تضر من لم يضرك ومعنى الثاني لا تضر من ضرك فعلى هذا كل ما فيه إضرار أو ضرر أو ضرار منهي عنه عقدا كان أو غيره والعقد المنهي عنه فاسد يفسخ قال الشيخ خليل “وفسخ منهي عنه إلا بدليل” وما اتفق عليه الشافعية والمالكية أن النهي يقتضي الفساد.
ولا يخفى أن شراء الحسن لربع انتمركاي من المرداني إنما قصد به إضرار آل الكوري ولد قطرب لما بينهم، من العداوة فما حكم به سيد أحمد ولد محم من فسخ ذلك الشراء صواب.
وكذا حكمه بأن المرداني يبقى له ما أخذ من الحسن ويدفع آل الغلاوي للحسن قيمة ما دفع المرداني لأن ما أخذ المرداني قد اختاره عن نصيبه من انتمركاي فلا ضرر عليه في ذلك والحسن ليس له إلا قيمة ما دفع ولا ضرر عليه في أخذه من غير المرداني بل أرفق أخذه من آل الغلاوي لأن تمكنه منهم أشد من تمكنه من المرداني وكذا ذكر الخرشي وعبد الباقي في باب الشفعة عند قول خليل “وكتابة ودين” أن الدين إن بيع لعدو فالمدين أحق به لدفع الضرر ومما يشهد لما حكم به سيد أحمد من بقاء ما أخذه المردان له ودفع قيمته للحسن مسألة ورثة المشتري بالخيار إذا رد بعضهم وأجاز بعض فإن الاستحسان أخذ المجيز جميع السلعة ويدفع جميع الثمن للبائع ليرتفع عن البائع ضرر التبعيض ولا ضرر على أحد في ذلك لأنه بقي لمن رد، ماله وأخذ البائع مثل الثمن الذي باع به.
فدعوى أن ما فعله سيد أحمد لا نظير له في الفقه قصور نظر وكذا دعوى أن فسخ العقد للعدواة خاص ببيع الدين لعدو، فإنه يفسخ كل عقد فيه ضرر كتفرق أم من ولد لم يثغر وتوكيل عدو في خصومة وبيع غير الدين للعدو كبيع الدين له في الإضرار، والعقد لا يزال ضرره إلا بفسخه.
فما حكم به سيد أحمد في شأن انتمركاي هو الصواب فلا يجوز له ولا لغيره نقضه هو الصواب ومن أفتى للحسن بفساد ذلك الحكم فقد أغراه على إضرار سيد أحمد وإضرار أهل الغلاوي والله حسيبه وتجب التوبة من ذلك والرجوع وبالله التوفيق لا رب غيره وهو حسبي ونعم الوكيل.
ومن المسائل التي وقع فيها الخلاف ما رواه العلامة البراء بن بكي قال: اخبرني محمد لوليد بن عبد الله ابن المعلوم انه وقع عقد من سفيه محجور عليه من ابيه علي امرأة منهم ولم يقم عليه الا شاهد واحد وحصل منه حمل وفسخ الاب العقد.
ووقعت مرافعة بين ابي الزوج واهل الزوجة علي محنض باب و اعبيد فحكم باللحوق.
وكان محمد لوليد من فرقة ابي الزوج ولم يزل يبحث عن حكم اللحوق بشهادة شاهد واحد حتى وقف في المدونة علي أن الشاهد الواحد علي العقد لايلحق به الولد.
فجعل مرجعا في ذلك الموضع من المدونة واخذ صاحبا وركبا جملين وطافا في علماء إيكيدي وهما يحملان المدونة لينظرا هل يوجد مايخالفه أو ماهو أقوى منه أو يساويه فلم يجداه فذكر لهما محنض باب وهو غائب ببعض زوايا القبلة فتوجها اليه فلما اتياه وجداه نائما ضحى فلم يلبث حتي استيقظ فسلما عليه وسألهما عن الخبر مع أن الكتاب في يد محمد لوليد وفيه المرجع.
فنظر محنض بابه اليه فقال: الكتاب المدونة..؟
فقال محمد لوليد: نعم فقال له: المرجع في كتاب اللعان؟ فقال محمد لوليد: نعم وسؤالك لم؟
فأبى أن يجيبه فقال له محمد لوليد: ماتقول في هذا؟ فقال: لااجيبك حتى ناتي اهلنا فتوجهوا الي اهلهم فأتوهم ضحى ولم يلقه آخر ذلك اليوم فأتاه في اليوم الذي بعده ضحى آخذا ابن سهل فلما فتحه قال له: مالك رحمه الله تكلم علي المسألة في أربعة مواضع من المدونة وقوله في كتاب اللعان قوله المرجوع عنه.
فلما أراه ذلك قال له: لم لم تقل لي هذا أول وهلة؟ فقال له: للعين حظ.
ومن المسائل التي وقع فيها الخلاف، أن القاضي محنض باب حكم على قاتل بالقتل قصاصا.
ونظرالعلامة محمذن فال ولد متالي فإذا بالقاتل له ست أخوات كلهن حامل فقال ولد متالي مخاطبا محنض باب أما ترى أيها القاضي أنه عند قتل هذا القاتل يمكن أن تنجر عن ذلك مفسدة أعظم من مفسدة عدم القصاص.
لأنه لو قتل لأجهضت أخواته الست وربما متن كلهن فينجر عن ذلك قتل اثنتي عشرة نفسا.
فرضي الشيخ محنض بابه ووقف التنفيذ حتى تضع أخوات الرجل وبعد فترة رضي أولياء دم القتيل بالدية فتحملها الأمير محمد لحبيبب.
ومن مسائل الخلاف مسألة الصلاة في الطائرة مع بدء الناس السفر في ها والذي
طرح إشكالا فقهيا ما بين من تمسك بظاهر حد ابن عرفة الورغمي للسجود وبين مفهوم أعم للسجود وكان من بن من أثروا الساحة الشنقيطية أنذاك ببحث هذا الموضوع نظما ونثرا الإمام الأكبرالعلامة بداه بن البوصيري.
وقد حصلت مناظرة شعرية بين العلامة نافع ولد حبيب والعلامة محمد سالم بن عدود رحمهما الله ، حيث مال الأول إلى عدم صحة الصلاة في الطائرة لاستحالة تحقق السجود كما عرفه بن عرفه وبنى على ذلك سقوط دعيمة الحج أنه لا يتأتى إلا بالإخلال بالصلاة وهي آكد.
في حين احتج الشيخ محمد سالم بسجود الملائكة في السماء مع عدم تحقق الحد المذكور في سجودهم ‘لى غير ذلك من الحجج التي اقامها على ذلك:
يقول العلامة نافع:
أيا علمـاء العصر دمتـم جوابـكم :: بنـسـبة مـروي إلـى ثـقـة روى
أسائـلكم كيف الصـلاة بطـائـر:: بأسرع من لمـح لفيح الهـوى طـوى
فإن قلتـم صح السجـود بسطحـه :: فقد قلتـم صح السجود على الهـوى
فغـايـة أمر العـلو مع سفلـه إذا :: يكونـان فى حكـم السجود معا سوا
وإن قلتم صح السجود على الهـوى :: فما هو ذا الإيمـاء يا قـوم مـا هـوا
وهل راكب الطيار كالركـب أم همُ :: لديكم كذي فـرْش على فرْشه استوي
فإن قلتـمُ ركب فقد أجمـعوا عـلى :: فسـاد صـلاة الراكبيـن على النوى
و إن قلتمُ كالفـْرش فالأمـر واضح :: بتفـصيلهم فيمن على فـرُش ثـوى
تصـح إذا كان الفـراش ملاصقـا :: وتبطل مرفوعـا وإن كان محـشـوا
وقد قـال أعـلام الأئمـة قـولة :: لـداء اختـلاف الفهم قدما هي الدوا
إذا مـا اختلفتم في الحقـائق حكموا :: حدود ذوي التحقيق للمنهج السـوى
حكاه القـرافي في الفـروق وإنـها :: بـمبحثـنا ذا ربـع عـزة باللـوى
فـهذي حدود للسجـود تواتـرت :: تـبـيـن بيـن الحق منه وما سـوا
حكتـها عنِ اطْباق الأجلاء كتبـهم :: فما مـن كتـاب ريء إلا لها حوى
تعيـن مس الأرض أو ما بـها يـصي :: ولو قـصبا أعنـي مـجوفة خـوى
فلا تـتـعدوها بـنا واقنـعوا بـها :: فذو اللب لا يثـنيه عن قصده الهـوى
فإن قلتمُ لا فـصل إذ جـرم الهـوى :: فـأي انـفراج ليس في ضمنه هـوى
وأي انفـصال في الـعوالـم كلـها :: فهل ريتم أن لا انفـصال لذي العـوا
إذن فنـصوص الأقدمـين ضلالـة :: وإلـزام هـذا لا أرى عاقـلا نـوى
فهـذا لعمري في الكـلام تهـافت :: وفيـه عن الجدوى نوى أيمـا نـوى
أجيـبوا بتحقـيق المناط وأنشـدوا :: جــوابا به تنجـوا إلي قولـه فـوا
فـما زالـت الأشياخ توقظ نائـما :: وتسمع ذا أذن وترشـد مـن غـوى
وأنتـم بدور في الديـاجي مضيئة :: هـداة إذا ما الـحق بالبـاطل التـوى
وهـذا شعـير هلهل النسج ساقـه :: إليكـم على الإنصـاف ذو جؤجؤ هوى
يـريد جـوابا بالصـواب وإنـه :: لعمـرك ما غـير الصـواب لـه جـوا
وإياكـم والحــز في غير مفصل :: وأقيسـة عن مثلـها تـقـفل الـدوا
وإيـاكم والبحـث والنص قـائم :: وإياكـم والرمـي للنـص في الشـوى
فـهذي نصوص الأقدمين صـريحة :: وذو الحق حيث الحـق بان له ارعـوى
إن الحق لا يخفى على ذي بصـيرة :: وإن هـو لم يعـدم وما كان معلــوا
جزى الله عن ديـن النبي مـشائخا :: بـحور هدى من يأت ساحتها ارتـوى
هـم نصروا الحق المبـين وسلمـوا :: تويـلـيفـنا لـما إلى ظلــهم أوى
لـوازم أخبـار أفدنـاهـمُ بـها :: ضـرورية والـحق وا أسـفي تـوى
ونـصرة دين الحق حسبي وحسبهم :: ولاحـول إلا بالإلــه ولا قــوى
صـلاة على الـهادي ومتبعيـه ما :: تـردد مـكي إلي جـنب ذي طـوى
فأجابه الشيخ العلامة محمد سالم ولد عدود:
تبارك ربي ذو الجلال الذي استوى:: على العرش واستولى على الملك واحتوى
ملائكة السبع السموات سجد :: لسلطانه كل له ذل واقتوى
فمن فضله أن أرسل الرسل للورى :: فمن مفلح أوفى ومن خاسر غوى
وقفّى على آثارهم بمحمد :: ليخرجنا من مقتضى الجهل والهوى
فسن لنا سبل السلام ودلنا :: على ربنا حتى استوى كل ما التوى
وخلف صحبا واصلوا خط سيره :: بإذلال من ناوى وإرشاد من غوى
قَفت إثرهم من كل قرن عصابة :: تُنَشِّرُ ما قد كان طولُ المدى طوى
فمنهم حبيب وابنه نافع الرضى :: وبداه شيخ المصر منهلُه الروى
أجاب بنثر نافع نظم نافع :: بنسبة مروي إلى ثقة روى
وما لي على ذاك المقام تسلط :: فإني من القرمين أخفض مستوى
ولكنه قد يبذل الجهد مقتر:: وقد تكرم الأضياف والقد يشتوى
أنافع إني لم أرد بجوابكم :: مناوَأَة ما للفتى غير ما نوى
فأما الذى استشكلتم من صلاتنا :: بطائرة تنساب فى لجج الهوا
وألزمتمونا جعلنا العلو واحدا :: مع السفل في حكم السجود معا سوى
فنقبلُ ما ألزمتمونا ونلتقي :: على موعد للبحث في موضع سِوى
بأي كتاب أم بأية سنة :: يخصص بالسفل السجود لذي القوى
ألم يك سكان السموات سجدا :: بنص أتى عن فالق الحب والنوى
فكم آية جاءت بذاك صريحةٍ :: وكم من حديث صح لفظا و محتوى
وذكركم الإيماء ليس بوارد :: فلم ينفذ السهم السراة ولا الشوى
فموطئ ذي الإيماء لم يك سطح ما :: يباشر بالكفين والوجه إن هوى
وإجماع بطلان الصلاة لراكب :: بغير سفين البحر إن لم يخف توى
يجاب على تسليمه أن حكمه :: إذا لم تقع منه الصلاة على استوا
فإن حصـلت أركانها وشروطـها :: كقبلتها صحت على كل مستوى
فطالع متون الفقه من كل مذهب :: تجد سندا جلدا لما النظم قد حوى
وذالكمُ حكم الفراش ففوقه :: تصح وإن جافت قوائمه القوا
إذا كان أرضا للمصلي وأديت :: عليه كما تؤتى على السهل والصوى
وإن كان من بين اليدين معلقا :: فتبطل إذ عن سطحه بان وانزوى
بذاكم نُقول الفقه جاءت صريحة :: وبالعزو للحطاب يُشفى من الجوى
ولم يك رسم الورغمي مسلما :: وفيه احتمالٌ مبهِم صوبَ ما انتوى
فيمكن حمل الأرض فيه على الذي :: يُقِلُّك تُرْبا كان أو ماء أو هوا
فإطلاق لفظ الأرض للسفل كالسما :: على العلو معلوم لمن لازم الدوى
إذا ما استحمت أرضه من سمائه :: شهيد معيد نضرة الغصن إذْ ذَوى
وعندكم ما في المفاهيم قد أتى :: من البحث والألقاب فيهن كالهوى
ومسلك تنقيح المناط ممهد :: يسوغ لنا من جمه العذب مرتوى
فنلغى خصوص الأرض من رسم شيخنا :: ونعتبر المعنى الأعم لنا الدوا
فنجعل مَس المرء بالوجه للذي :: عليه استوت رجلاه أيان ما ثوى
ويمكن أيضا حمله حمل غالب :: فتلغى كما ألغيت فى الدية الحوى
بخفض أعال وارتفاع أسافل :: سجودا ونلغي الغور والنجد واللوى
ونفيكم جرمية للهواء لا :: يسوغ وقد سوغتم البيع للهوى
ولَو لم يكن جِرما لما كان واردا :: لما مر من بسط يداوي مَن ادوى
فلا تسقطوا عن مستطيع دعيمة :: برسم لشيخ في مقاصده التِوا
ولا تصموا بالجحد للحق أمة :: مفسقها من رأس نيق قد انهوى
خذوها إليكم مثلها فى رويها :: عمامتها فوق القصائد كاللوى
فلم تك واوات الحميدي حكرة :: عليه كما المندوب محتكر لوا
وعودوا إلى القول المبيَّن تظفروا :: بنشر لما قد لفه الشعر فانطوى
وإنا على ما فى الجواب نهابكم :: كهيبة ذى شبلين قد مسه الطوى
فألهمنا المولى المهيمن رشدنا :: وأمنـنا من هـول نزاعـة الشـوى
وصلى على الهادي الأمين وآله :: وأصحابه ما طاب في طيبة الثوا
وقد أجاب الإمام الأكبر بداه ولد البصيرى نثرا على نازلة نافع.
وحين سمع قول الشيخ عدود:
وخلف صحبا واصلوا خط سيره :: بإذلال من ناوى وإرشاد من غوى
قَفت إثرهم من كل قرن عصابة :: تُنَشِّرُ ما قد كان طولُ المدى طوى
فمنهم حبيب وابنه نافع الرضى :: وبداه شيخ المصر منهلُه الروى
أجاب بنثر نافع نظم نافع :: بنسبة مروي إلى ثقة روى
وما لي على ذاك المقام تسلط :: فإني من القرمين أخفض مستوى
قال له الإمام بداه رحمه الله بطرافته المعهودة: (گطْ الشُّعَرَاءْ إلَ كِذْبُ سَابِگ ظَرْكْ).
وحين كثر اللغط بداية الثمانينيات حول رؤية هلال شهري رمضان وشوال، ورفع البعض الصوت على الإمام بداه ولد البوصيري ، فقال الإمام بداه رحمه الله:
ألا عرفو بعد عن هلالنا أبيظ ماه أحمر.
أي ليس الهلال الأحمر الذي يقسم لبن سَفتِي ودهن كندي وزرع لحميرَه..
أي أنه لاهمّ دنيا يرتجى من وراء القيام على لجنة الأهلة و تحري رؤية هلالي رمضان وشوال ..
وفي خضم الجدل حول رؤية الهلال، كتب الإمام بداه ولد البصيري تأليفا سماه (الأجوبة الأريضة بعدم تكذيب العدلين بالمستفيضة) فقال الشيخ محمد سالم ولد عدود مقرظا:
شفت نفسي وقد كانت مريضه :: بداء الجهل (أجوبة أريضه)
على ترتيب أسئلة حسان :: تسيغ لمن يعالجها جريضه
فدع أمر الحساب فلم تكلف :: به للعسر أمتنا العريضه
فبالإكمال دونك صم وأفطر :: وبالعدلين أو بالمستفيضه
وأعط الشيخ بداه المعلى :: من التحقيق إن تجعل مفيضه
هب العُمرَين قد شهدا هلالا :: وتم وما رأت عين وميضه
أقاض أنت أن شهدا بزور :: ومنزل ما به شهدا حضيضه!
وأجابه العلامة بداه ولد البصيري:
فلا تكذيب للعدلين نصا :: صريحا لا فأحرى المستفيضه
وقسّم ما استفاض فلا تكذب :: محصل علم قاض بل نقيضه
إذا كنت المكذب لا تبالي :: بغير فروع مذهبك الغريضه
أقطعٌ ثابت شرعا يضاهي :: عوائد بالنصوص بدت مهيضه
فعادته لدى التكذيب طبعا :: على درب الحساب سرت قبيضة
وعادة شرعنا قد قررت في :: أصول الشرع وامضة وميضة
والاستبعاد في الإشهاد منها :: وأحكام تعارضها نهيضه
فليست كالتي يحدو حساب :: وتنجيم فتيلكم رفيضه
وأحكام تخالفها صحاح :: تزول بها المخالفة العريضه
ومن المناظرات الأدبية بقول العلامة الشيخ محمد الأمين ولد فال الخير الحسني في رحلته:
وكاتبت الشيخ ماء العينين الشنقيطي الحوضي من مراكش وكتبت له قصيدة مدحته بها ومنها ما كان يعجب بعض تلامذته:
وحباك بالنصر الإله وبالهدى :: وكفى بربك هاديا ونصيرا
ثم إنه قدم مراكش وأنا فيها فاجتمعت به وأنشدته مادحا:
زارتهُ مخلافُ وعدِ الحب مخلابُه :: والفجرُ منصدع في الأفق كذابُه
واعترض علي عبد الله بن الأديب اليعقوبي من تلامذة الشيخ بأن الشعراء لا يستعملون الالتفات في المطالع إلا بضمير الخطاب نحو: طحا بك قلب في الحسان طروب ..
فقلت له لعل ذلك في الأغلب، وأما كونه لايكون إلا كذلك فلا أسلمه إلا بنص من كلام أهل الفن، ومع أني الآن لا أستحضر في شعر نصحاء المتقدمين إلا مثل الذي ذكرت، ولكنني أعرف استعماله بضمير الغيبة في شعر أناس من أهل الصنعة والخبرة ينشدونه وينشد بحضرتهم ولم يعترضوا عليه بشيء ، من ذلك قول بعض شعراء قبيلتنا المتقدمين وأظنه غالي البعمري في لامية له مشهورة أولها:
ما باله كلما لامته عذاله :: يزيد في طفحات الجهل ما باله
ومنه قول ابن محمدي العلوي في قصيدة له مشهورة أولها:
ردته بعد تمام الحلم والنّبه:: إحدى الجواري رهينَ الشوق والوله
إن امرؤا سفهته بعد كبرته :: بنات عشر لمعذور على السفه
فقنع مني بذلك.
كامل الود
سيد محمد